عندما يكتب المخرج السيناريو
الجمل- أيهم ديب: يجمع الإداريين والمثقفيين والفنانين على اهمية الابداع وضرورته, ولكن ما أن يقترب منهم حتى يختلفوفيه ويرتابوا منه ويتوجسوا شراً والسبب هواننا لا نعيش احسن احوال الانتاج الثقافي ولا الاقتصادي . يصدف ان السينما منذ بداياتها كانت امام تركة هائلة من الأدب وهذا ما جعل من الشكل الأدبي المادة الخام للفيلم السينمائي, ولكن السينما لم تقف عند هذا الشكل , فسرعان ما عززت السينما من عناصر صناعة الفيلم المختلفة, من صوت ومونتاج ومقاربات فنية جعلت من الصعب في أحيان كثيرة رد الفيلم الى شكل ادبي أوصيغة قصة – الشكل الكلاسيكي للتعريف بالفيلم- وفي الوقت الذي استطاعت فيه الانماط الابداعية المرتبطة بالرياضيات أوالفيزياء أن تخرج من عباءة الأدب وتخلق بأريحية شديدة لغتها الخاصة القادرة على وضع اسس تواصلية متينة نجد أن بعض الأشكال الأخرى لا تستطيع ان تخرج من قميص الرواية : هنا يمكن المقارنة بين النوطة الموسيقية والمخطط الهندسي المعماري أوالرسم التوضيحي الصناعي لتصميم محرك أوآلة , كل هذا من جهة وبين السيناريوالتلفزيوني أواالسينمائي من جهة ثانية.
المشكلة في مؤسساتنا المعنية بالثقافة هوأنها تهلل لكل نتاج غريب عنها : فيلم اللقطة الواحدة وفيلم المخرج الطفل وفيلم التكاليف الصغيرة وفيلم الاضاءة الطبيعية وفيلم الدوغما وفيلم الكاميرا المنزلية. ولكن هذه المؤسسات التي تعيش في التقليد والتكلف والارتباك لا تتجرا ان تقارب أياً من هذا. ويبقى حلم الجميع هوتقليد الموديلات الشهيرة أوالتجارية.
اليوم إحدى المشكلات التعبيرية في حياتنا هي غياب القصص في معظم الأحوال, وهذه ليست تهمة ولكن توصيف لمجتمع متحفظ بمستويات كثيرة ومجتمع يمكن وصفه بالباطني من حيث عدم رغبته بالافصاح عن حاله ابتداء بمعتقده وانتهاءاً بأرباح تجارته خشية الضريبة في كلا الحالين وما يمكن ان ينضوي بينهما من ولاءات سياسية أوأحلام أوأمنيات.
ومع تنامي اشكال تواصلية خارج إطار اللغة ومنها الموبايل – بكليته من حيث أدات تواصلية مركبة- والتلفاز والوسيط المدني – أشكال التواصل الاجتماعية- فعلياً إن نظام توصيل المعلومات أصبح مخترقاً للغة الأدبية . مع كل هذه الأشكال والخبرات التعبيرية , ومع تطور صناعة الفيلم ربما ليس من الخطأ أن نعتبر الفيلم مستقلاً عن الرواية الأدبية وبالتالي البحث في آليات صياغة السيناريوالفيلمي وتفكيكه وإحالته الى جمل تعبيرية غير أدبية بالضرورة تماماً مثلما يفعل مهندس العمارة : فهوعوضاً عن أن يكتب للمهندس المنفذ وصفاً ادبياً : بيت كبير جميل يشرح النفس ولا يشبه سواه.... فإنه يقدم له خطوطاً يستطيع المهندس المنفذ عندما يقرأها أن يفهم على الفور أنه أمام انجاز معماري مهم.
من الممكن بحيادية شديدة القول أن معظم المسلسلات السورية والأفلام لا تملك حلولا إخراجية بقدر ما هي نقل حرفي للكتابة الأدبية. وهذا الضعف في الخيال يخلط الورق بين السيناريست والمخرج, مما جعل مهنة الاخراج في سوريا متاحة ومستباحة للجميع ومن قبل كل من راقب سير العمل مرة أواثنتين. هذا الاستسهال لا يمكن ان يكون القاعدة .
لهذا يعتمد معظم المخرجين على السيناريوالأدبي لأنهم لا يتعدون حدود تنفيذه, أما في الحالات الأكثر تجريبا فإن السيناريوالأدبي يكون في نمط أواكثر ولكنه لا يكون لازمة . ومكانه ستصبح هناك أشكال لكتابة الفيلم أوخطته أكثر سينمائية وأقل ادبية.
حتى ذلك اليوم ستبقى مؤسسة السينما أسيرة منطق لجنة قراءة السيناريوالأدبي وسنرى أفلام غاية في الهشاشة لأن الكتاب الذين يستشعرون يخطفون قلوب اللجنة بفذلكتهم وحذلقتهم اللغوية . يكتشفون ان التقنيات السينمائية ليست مطواعة كما اللسان وانها معرفة اخرى وهكذا يقع فأس لجنة السيناريوبرأس مشاهد الفيلم.
إضافة تعليق جديد