غايات الشعوب والبلدان من مؤتمر جنيف إثنان
الجمل ـ بشار بشير : .. وكالعادة ما إن تظهر مشكلة دولية (وما أكثرها) حتى تتداعى الدول لعقد مؤتمر أو مؤتمرات لحل هذه المشكلة، والأغلب أن يكون هذا التداعي والإئتمار نفاقاً يُقصد منه كل شيء إلا حل المشكلة التي نُظم المؤتمر لأجل حلها ولنا في مؤتمر مدريد وهو من أعظم المؤتمرات التي نُظمت مثالاً على ما أقول ولا بأس من الإشارة أيضاً إلى أحد أكثر المؤتمرات دجلاً ونفاقاً وخسةً إبتداءً من اسمه و صولاً إلى غاياته ونتائجه، إنه مؤتمر أصدقاء سورية بنسخه كلها.
جرياً على العادة الدولية تداعت الدول على وقع المشكلة (الحرب) السورية إلى مؤتمر سُمي مؤتمر جنيف وصلنا إلى الحلقة الثانية منه حيث تتابعت و تعاظمت الأحداث السورية و انشدَّ معظم جمهور الأرض لمتابعتها، و أصبح من الضروري وجود مسرح لتظهير الأقنعة الدولية جرياً على العادة الأمريكية الهوليودية في تحويل كل شيء إلى فانتازيا سينمائية.. وهكذا خرجت علينا دول العالم، كل واحدة لأسبابها الخاصة، بمؤتمرجنيف اثنين وهو رغم مئات المؤتمرات التي سبقته والتي ربما ستلحقه يعتبر حالة فريده بين المؤتمرات ولنرجع للتاريخ لنرى:
- مؤتمر فرساي كان بين دول أوروبا المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وبين ألمانيا لإعلان استسلامها.
- مؤتمر يالطا كان بين الدول المنتصرة بالحرب العالمية الثانية لتقاسم المغانم.
- مؤتمر باندونغ كان بين زعماء دول ناهضة يريدون أن يجدوا لدولهم مكاناً في عالم الكبار.
- مؤتمر باريس كان بين ممثلي الشعب الفيتنامي الساعي للتحرر من الإستعمار الأجنبي وبين الدولة الأجنبية (أميركا) التي تهاجم وتحتل الأراضي الفيتنامية.
- مؤتمر هلسنكي كان لإنهاء نزاع انفصالي طويل بين مجموعة عرقية أندونيسية تريد أن تستقل بإقليمها الخاص (أتشيه) وبين الحكومة الرسمية المركزية لأندونيسا.
يمكن تعداد عشرات المؤتمرات والمؤكد أنه لن يوجد مؤتمر مثل جنيف اثنان يراد منه جمع الدولة السورية الوطنية الرسمية المعترف بها دولياً والعضو المؤسس للأمم المتحدة، ويمكن القول بكل ثقة أيضاً أنها الدولة المؤسسة للحضارة الأنسانية، يراد جمع هذه الدولة (الدولة بكل معنى الكلمة) ليس مع دولة أو دول أخرى متنازعة أو متحاربة معها، وليس مع جماعة عرقية متمايزة عن الشعب السوري ومظلومة تاريخياً تطالب بحقوقها، وليس مع معارضة وطنية لها مظالم لم تُنصفها الدولة فلم يبق لها إلا المؤتمرات الدولية لعرض مظالمها. وإنما يراد جمعها مع عصابات من مرتزقة وأفاقين وقتلة وإرهابيين أغلبهم غير سورين يطالبون بكل فجور وبجاحة بحقوق لهم في سورية وفي الشعب السوري، ويُقصد من المؤتمر تحصيل تنازلات من سورية و قيادتها وشعبها لصالح هؤلاء.
فعلاً هذا مؤتمر تاريخي غير مسبوق وأرجو أن لايكون ملحوقا.والسؤال هنا كيف ستقبل أكثر الدول الإنتظام في هذا المؤتمر ؟!
روسيا تريد أن تجرب صادقة كل طريقة لإنهاء المشكلة السورية وتعتبر المؤتمر خطوة على هذا الطريق. وتريد أيضاً استخدام المؤتمر والخطوات التحضيرية له لإظهار حجمها الدولي الجديد عبر محاولة خطف المؤتمر من أميركا و حلفائها وتجييره لصالحها وحلفائها.
أميركا تريد أن تبقى قوة عظمى مسيطرة على كل المؤتمرات الدولية لكي تبقيها مسرحاً للنفاق و للضرر والإضرار، وهي تريد تمرير مايمكن تمريره من الفوائد لعصاباتها التي تعيث فساداً في سورية إبتداءً من إضفاء بعض الشرعية الدولية عليها مروراً بمحاولة زجها ضمن النسيج السياسي السوري وانتهاءً بالتسبب بأكبر قدر ممكن من الأضرار السياسية لسورية.
أوروبا الغارقة في عجزها وعارها ونفاقها، والتي وصل الدرك بها أن تتذلل دولة كفرنسا لكومة من الرمال التي تذروها الغازات تدعى قطر. أوروبا وهذه حالها تستجدي حضور المؤتمر لكي تظهر بالصور فقط.
بقية الدول التي ستحضر هي فرصة بالنسبة لها كي تزداد خبرة بالنفاق الدولي وعلها بنفاقها تُحصِّل بعضاً من المكاسب التي لم تستطع تحصيلها منفردة على الأرض السورية
الدول التي قد لا تحضر وهي قسمان: قسم يظن أنه قادر خارج المؤتمر على إلحاق أضرار أكبر بسورية كحال السعودية. وقسم لم يدعَ ليحضر مع أنه هو الأولى بأن يحضر وهذا ينطبق على إيران التي يجعلها وقوفها بجانب سورية وذكائها السياسي ووزنها الإقليمي و بعدها عن النفاق، دولة مرجحة لكفة المؤتمر لصالح سورية (إلى جانب روسيا طبعاً).
سورية تعرف وتقرأ بدقة هذا المؤتمر وهي ستحضر لكي تثبت للعالم أنها صادقة بمواقفها الإصلاحية والتصالحية، وإحراجاً لكل الدول التي نعتتها بالمتعنته والديكتاتورية، واستهزاءً بمن نعتها على مدى سنتين بأنها فاقدة الشرعية وسيضطر الآن لمعاودة التعامل معها كدولة كاملة السيادة، و ستحضر نزولاً عند رغبة أصدقائها وحلفائها الذين يعتبرون هذا المؤتمر أحد نتائج جهودهم لحل مشكلتها.
ليس لدى سورية أوهام حول المؤتمر، وأظن أنها في قرارة نفسها غير مهتمة بإنعقاده، فليس جلوس الوفد الرسمي السوري مع الأفاقين و مرتزقة السفارات هو من الأمور التي قد تسعى إليها أو تسعد بها الدولة السورية أما إن وجد في المؤتمر معارضين وطنيين فلا حاجة لمؤتمر دولي للإجتماع بهم والمكان الطبيعي للقائهم مع الدولة هو بلدهم.
وأخيراً نبقى نحن السوريين الذين أوصلتنا المعارضة ومنتجاتها ومفرزاتها لحالة غير مسبوقة هي أن يصبح سقف المواطن أعلى من سقف النظام بالتعامل مع المعارضة، الأكثرية التي احتملت ألف يوم من الحرب لا زالت مستعدة لاحتمال ألف يوم آخر مع تضحياتهم على القبول بأي من أصحاب المشكلة وأصحاب الحرب في النسيج السياسي (وربما الاجتماعي) لسورية. سنجرب على مضض جنيف ومونترو و ربما غيرهم من المؤتمرات لكننا في قرارة نفسنا مقتنعين أن الحل الناجع سوري في سورية وعلى يد الجيش السوري.
الجمل
إضافة تعليق جديد