حملة تلقيح .. فكري
الجمل ـ بشار بشير: هل للدين وللمذاهب الدينية علاقة مباشرة بالحروب والمشاكل الإنسانية ؟ أم أن للحروب والمشاكل أسباب غير دينية يجري تغطيتها بالأسباب الدينية . لو لم تكن الأسباب الدينية هي الأقوى والأعمق تأثيراً هل كانت الأكثر أستخداماً ؟
بعد إعتناق الإمبراطورية الرومانية للمسيحية استمرت حروبها الإستعمارية والتوسعية التي كانت تُخاض لمجد روما و لمحاربة البرابرة لكنها أصبحت تُخاض تحت اسم مختلف هو محاربة الكفار . الممالك الأوروبية تحاربت مع بعضها لأسباب عديدة لكن في أغلب الأحيان تحت مسمى ديني أومذهبي أو لإعادة مملكة مارقة إلى سلطة البابا ( أي لسبب ديني ). حروب عرب الجزيرة التوسعية والتي دُعيت الفتوحات ,شُنت لأسباب دينية وتحت راية الدين . الحملات الصليبية شُنت تحت راية دينية . الحروب والمشاكل في شبه القارة الهندية التي أدت لتقسيمها كانت لأسباب دينية . القتال ضد السوفييت الذين احتلوا أفغانستان كان ( للغرابة ) لأسباب دينية وليس وطنية . الحرب على سورية وقودها ديني وتجري تحت رايات دينية .
هدف محرِّكي الحروب والثورات والإضطرابات هو السطة والمال , ولتحقيق هذا الهدف لا بد من وقود يحرك الحروب و الثورات وأفضل أنواع الوقود وأسرعها إشتعالاً وأسهلها إستعمالاً هو الدين .
قالوا : التاريخ يكرر نفسه في المرة الأولى على شكل مأساة وفي المرة الثانية على شكل ملهاة .. ماذا عن المرة الثالثة والرابعة و .... على مر التاريخ كان وقود الحروب البشرية هو الدين فهل من الممكن استعمال الدين كمطفئ للحروب ؟
لم تهز سورية كارثة عبر سبعة آلاف سنة كالتي تهزها الآن , رغم كثرة ما شهدته وما تعرضت له . من الطبيعي أن تستنفر هذه الكارثة الجميع لإيجاد الحلول والأهم أن تستنفرهم لإيجاد ترياق . وهكذا بدأ قلة في طرح الآراء , الأغلبية متفقون أن الدين هو جزء كبير من السبب لذلك يرى البعض أنه لا بد أن يكون جزء كبير من الحل . البعض قال أن الحل بالإعتماد على الدين السمح اليسر أو بالأحرى على الإسلام السمح لا الإسلام المتشدد . والبعض قال فلنعتمد على الإسلام الشامي الذي هو تمدين وتطرية للإسلام البدوي , والبعض قال فلنعتمد على أصول الدين ونستبعد ما دخل عليه وما أضيف له , والبعض الآخر قال فلنحذف الدين تماماً .
هل يمكن في كارثة مثل الحرب السورية الإعتماد على مقولة داوني بالتي كانت هي الداء , أي أن نعتمد على الدين ليحل لنا المشكلة التي وقودها ديني . وهل يصح أن نقول أن من يحارب الشعب السوري يعتمد على تفسير خاطئ أو قديم للإسلام وأننا يجب أن نحاريه بإعتماد تفسير منطقي ومعاصر للإسلام , وهل هذه أصلاً وصفة ناجحة في ضوء ما خبرناه عبر ألف وأربعمئة سنة من محاولة إيجاد تفسير جامع مانع للإسلام . هل يمكننا أن نعتبر الحل بإزاحة الدين تماماً من حياتنا , وهل يمكن أن يعيش المجتمع بدون دين . البعض يقول لقد عاش المجتمع السوفييتي سبعون سنة بدون دين ولم يُسجَّل أنه كان أكثر تحللاً أو أكثر إجراماً أو أكثر تسيباً من المجتمعات المتدينة . والبعض يقول أن أكثر المجتمعات الأوروبية لم تلغِ الدين تماماً ولكنها حصرته في دور العبادة فقط وأستعاضت عنه بالقوانين المدنية , وهي أيضاً لم تُسجل إنهيارات أخلاقية أو إجتماعية بعد " تأطيرها " للدين , على العكس فالمجتمعات الأوروبية التي تسمح لتدخل ديني أقل فيها تحقق سلماً وتناغماً وتعاضداً مجتمعياً أفضل من المجتمعات التي تسمح بتدخل ديني أكبر , يتضح هذا مثلاً لدى مقارنة الدول الإسكندنافية ببريطانيا أو بأسبانيا .
مانوقش على مر الزمن في مختلف المجتمعات يُعاد نقاشه في سورية الآن مع فارقين إشكاليين , الأول أننا نحاول إختراع الدولاب مرة أخرى . والثاني أن في سورية مشكلة كبيرة تتمثل في إضمحلال المفكرين ( طبقة الإنتلجنسيا ) وفي الفردية التي تحكم الأفراد الباقين من هذه الطبقة . في الأحوال العادية من الصحي تماماً أن تحكم الفردية طبقة المفكرين بحيث يكون لكل منهم عوالمه وأفكاره ونظرياته وإنتاجه , لكن في حالة الكارثة – الحرب يصبح من الواجب توحيد الأفكار أو على الأقل تناغمها للوصول إلى حل نريد جميعاً أن يكون ناجزاً . عندما يكون هناك قتلى يومياً على الأرض يصبح تجريب الحلول مكلفاً لدرجة من الصعب إحتمالها ويصبح البعد عن العمل كفريق لإيجاد حل , جزء من المشكلة . أما الحلول التسكينية فهي ترحيل للمشكلة من كاهلنا لكاهل أبنائنا .
كما يقوم الجيش بواجبه في صد الخطر الداهم , فإن على المفكرين والطبقة المثقفة عامة ( أو مابقي منهما ) العمل على صد الخطر الدائم لا بد من جهد موجّه وشجاع لخلق أرضية صلبة ومناسبة ليقف عليها المجتمع داخلياً , ولخلق درع يحمينا خارجياً . هو إما عمل بجهد لإيجاد الترياق , أو إسترخاء بإنتظار الجولة التالية من الحرب .
التعليقات
النفوذ والمال هم السبب
إضافة تعليق جديد