الصفح ليس من شيم الوهابيين
الجمل ـ بشار بشير: "لا تحاججهم بالقرآن فإنه حمّال أوجه" مقولة علي بن أبي طالب (ك) هذه هي وصف دقيق للقرآن وهي تنسحب بالتأكيد على الإسلام ككل، وحمّال أوجه تعني بالإضافة إلى تعدد التفسيرات والآراء إلى حد التناقض، تعدد الإرشادات والتوجيهات إلى درجة التعاكس أحياناً . خلال عشرين سنة فقط انتقل الإسلام من صوت أخاف محمد بن عبدالله (ص) إلى دولة متمكنة جمعت أكثر عرب شبه الجزيرة، هذه النقلة الواسعة مع ما واكبها من تحولات، كان الإسلام رائدها حيناً ومماشياً لها حيناً آخر، حتمت وجود طيف واسع من الأحكام والتوجيهات بما يناسب كل مرحلة مر بها الإسلام . فأحكام وتوجيهات مرحلة الدعوة السرية في البدايات في مكة تختلف عن مثيلاتها لمرحلة الدعوة العلنية، وما ينطبق على مرحلة الدعوة السلمية المعتمدة على المحاججة لا يناسب مرحلة الدعوة العنفية المعتمدة على الغزوات، وأحكام دعوة العشيرة الأقربون وأبناء العم لا تماثلها أحكام دعوة الغرباء و أهل الكتاب، ومرحلة إقناع أهل مكة وزوارها بوحدانية الإله مختلفة عن مرحلة بناء الدولة في المدينة . وهكذا فإننا نجد في الإسلام وجهاً غاية في المسايرة والمسالمة مثل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجَادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" ومثل: "ولا أنا عابد ما عبدتم . ولا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم ولي دينِ" ونجد في نفس الوقت نقيضه: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" وأيضاً " قًاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صَاغرون " .
وفي السنة النبوية نجد أيضاً الوجه المسالم المساير مثل: " سأل المقداد بن عمرو الكندي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله " ومثل قوله (ص) " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .
كما نجد في نفس المكان وجهاً مغايراً للسلم والمسايرة مثاله: " قال رسول الله (ص) من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يارسول الله أتحب أن أقتله، فقال نعم " . وعن عبدالله بن مسعود (ر) قال: استقبل الرسول (ص) الكعبة فدعا على شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبي جهل بن هشام، فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس وكان يوماً حاراً ".
وعلى صعيد الممارسات الشخصية نجد من انتهج التسامح والتواضع كعمر (ر) الذي عطل حد السرقة رفقاً بالناس في عام الرماد وهوالذي خاف أن يُحاسب على عثرة شاة . مثلما نجد من سار بعيداً عن هذا الخط مثل مروان بن الحكم عندما قال: والله ماقال لي أحدكم بعد موقفي هذا اتق الله إلا ضربت عنقه . أو كما قال العباس (أو ماينسب إليه): أنا ظل الله على الأرض ومفتاح خزائنه .
هذا كله إسلام وهذه كلها تجربة إسلامية ومواقف إسلامية، هذا الدين وجد في فترة انتقل بها الناس من البداوة إلى المدنية، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن حكم العادات و الأعراف إلى حكم الدستور والشرع والقانون، ومن العيش في الصحراء على هامش الحضارة إلى الإمتزاج بكل الحضارات و حتى قيادتها (في إحدى الفترات) . في هذا الخضم كان على الإسلام أن يكون مهادناً و مهاجماً، قائداً ومماشياً، مانحاً و آخذاً، مؤثراً ومتأثراً .
لا مساومة في الإسلام ولا تناقض فيما يختص العقيدة و الأحكام الأساسية والتشريعات, وإذا كنا نجد " تناقضاً أو خلافاً " الآن فمرده إلى إختلاف الفهم والتفسير . الإختلافات والنوسان نجدهم في مجال التوجيهات والإرشادات وذلك لتبعيتهم للزمن والظروف والأسباب .
مشكلتنا أن كل مسلم يريد أن يجد في الإسلام سنداً لأفكاره وأفعاله و آماله، وبما أن الأحكام ثابته متساوية للجميع فلم يبق إلا أن يستعين المسلمون أو يستعيضوا عنها بالتوجيهات والنصائح فهي أي التوجيهات " حمالة أوجه " يجد فيها كل صاحب غاية سنداً لغايته . فأنصار الحرب يجدون: " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال " وكذلك: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوَة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتَل أو يَغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " أما أنصار السلم والحوار فيجدون: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم " وكذلك: " ورد الله االذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين شر القتال وكان الله قوياً عزيزا ". وفي مثال آخر يجد أنصار حقوق المرأة " خذوا شطر دينكم من هذه الحميراء " و الضنينين على المرأة يجدون بالمقابل " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " وأيضاً " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود "
أما في مجال الحكم وشرعية الحاكم فحدث ولا حرج فهنا نجد " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة " و نجد عكس ذلك " وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فلا طاعة لي عليكم " . والمجالات وأمثلتها لاتنتهي ..
منذ بدء الإسلام وحتى اليوم وضَع الإسلام والمسلمون دستور وشرع وقوانين وأحكام وسنن و توجيهات ونصائح وفتاوى تغطي كل مناحي الحياة، ولا زال هنك مجال وحاجة للمزيد بما أن الحياة وحركتها وتطورها لا يتوقفون، وعلى مر الزمن كان المسلمون يأخذون من الموجود من الأحكام الأنسب لهم ويستنبطون ويسنون ما ينقصهم، هذا التعامل الإنتقائي (وهو في بعض النواحي دليل عافية للجهتين المنتقية والمنتقى منها) أدى لإنقسامات عمودية بالإسلام فظهرت الطوائف والمذاهب وحتى الفرق (طبعاً الإنتقاء ليس العامل الوحيد لظهورها) و نتيجة الإنقسامات بدأت تظهر الخلافات وأصبح كل طرف يحاول أن يوسع حصته، كما أن بعض الأطراف أخذت تحاول تحويل الإنقسام العمودي إلى إنقسام أفقي أي أن تضع نفسها في موقع أعلى من البقية، ومن الطبيعي هنا أن تكون بعض الخلافات عنفية وهذا ما عرفنا تكراره في تاريخ الإسلام حتى وصلنا لزمننا الحاضر الذي شاء أن يرينا عياناً ما عرَّفنا به التاريخ رواية، فظهرت الوهابية التي اختارت الطريقين الأسوأ في الخلاف، فهي أرادت أن يكون الإنقسام بينها وبين بقية المسلمين أفقياً أي أن تكون هي في الأعلى والبقية دونها، كما أرادت أن يكون خلافها مع بقية المسلمين عنفياً . خيارَي الوهابية لا يدعان أي فرصة للإنخداع بها وبدعايتها الظاهرية من أنها عودة لأصول الدين وأنها نصرة للسنة على بقية الطوائف (الشيعة بشكل خاص) . فالوهابية لا تريد أن تنتصر لأحد وهي ضد الجميع بما فيهم السنة (و لعل السنة على رأس القائمة). هي بالمطلق لاتؤمن بأي خيارات غير خيارها مهما قربت أو بعدت هذه الخيارات عنها ,لذلك لا يظنن أحد أنه إذا هادن الوهابيين فإنه سيكون من الفرقة الناجية أو أنهم سيصفحون عنه، ليس في إيديولوجية الوهابيين العنفية بإمتياز أي قبول للرأي الآخر أو لخيارات الآخرين، وحربنا معهم ليست لتغليب رأي على الآخر أو لنصرة طريقة أو طائفة ضد أخرى بل هي للحفاظ على الناس و خياراتهم أياً كانت وأياً كانوا في وجه من يريد إلغاء الجميع وخياراتهم . هذه حرب يجب أن تخوضها كل الأديان وكل المذاهب وكل الإيديولوجيات وكل الفلسفات وكل الناس، ولا يخدعن أحد نفسه فهناك طريقة واحدة للتعامل مع الوهابيين هي تجفيف تمويلهم و تكسير سيوفهم وتفنيد أفكارهم تمهيداً لحصرها في أضيق نطاق (فنحن لسنا مثلهم ولا نعمل على مبدأ إبادة من يخالفنا) وهذه طبعاً ليست مهمة سورية وحدها وإن كانت هي من تقوم بجزء منها الآن (بمساعدة بعض الشرفاء) بينما ينتظر الجميع الوقت الذي سيندمون فيه لأنهم طعنوا سورية بدل أن يساندوها .
الجمل
وفي السنة النبوية نجد أيضاً الوجه المسالم المساير مثل: " سأل المقداد بن عمرو الكندي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله " ومثل قوله (ص) " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .
كما نجد في نفس المكان وجهاً مغايراً للسلم والمسايرة مثاله: " قال رسول الله (ص) من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يارسول الله أتحب أن أقتله، فقال نعم " . وعن عبدالله بن مسعود (ر) قال: استقبل الرسول (ص) الكعبة فدعا على شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبي جهل بن هشام، فأشهد بالله لقد رأيتهم صرعى قد غيرتهم الشمس وكان يوماً حاراً ".
وعلى صعيد الممارسات الشخصية نجد من انتهج التسامح والتواضع كعمر (ر) الذي عطل حد السرقة رفقاً بالناس في عام الرماد وهوالذي خاف أن يُحاسب على عثرة شاة . مثلما نجد من سار بعيداً عن هذا الخط مثل مروان بن الحكم عندما قال: والله ماقال لي أحدكم بعد موقفي هذا اتق الله إلا ضربت عنقه . أو كما قال العباس (أو ماينسب إليه): أنا ظل الله على الأرض ومفتاح خزائنه .
هذا كله إسلام وهذه كلها تجربة إسلامية ومواقف إسلامية، هذا الدين وجد في فترة انتقل بها الناس من البداوة إلى المدنية، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن حكم العادات و الأعراف إلى حكم الدستور والشرع والقانون، ومن العيش في الصحراء على هامش الحضارة إلى الإمتزاج بكل الحضارات و حتى قيادتها (في إحدى الفترات) . في هذا الخضم كان على الإسلام أن يكون مهادناً و مهاجماً، قائداً ومماشياً، مانحاً و آخذاً، مؤثراً ومتأثراً .
لا مساومة في الإسلام ولا تناقض فيما يختص العقيدة و الأحكام الأساسية والتشريعات, وإذا كنا نجد " تناقضاً أو خلافاً " الآن فمرده إلى إختلاف الفهم والتفسير . الإختلافات والنوسان نجدهم في مجال التوجيهات والإرشادات وذلك لتبعيتهم للزمن والظروف والأسباب .
مشكلتنا أن كل مسلم يريد أن يجد في الإسلام سنداً لأفكاره وأفعاله و آماله، وبما أن الأحكام ثابته متساوية للجميع فلم يبق إلا أن يستعين المسلمون أو يستعيضوا عنها بالتوجيهات والنصائح فهي أي التوجيهات " حمالة أوجه " يجد فيها كل صاحب غاية سنداً لغايته . فأنصار الحرب يجدون: " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال " وكذلك: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوَة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتَل أو يَغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً " أما أنصار السلم والحوار فيجدون: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم " وكذلك: " ورد الله االذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين شر القتال وكان الله قوياً عزيزا ". وفي مثال آخر يجد أنصار حقوق المرأة " خذوا شطر دينكم من هذه الحميراء " و الضنينين على المرأة يجدون بالمقابل " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " وأيضاً " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود "
أما في مجال الحكم وشرعية الحاكم فحدث ولا حرج فهنا نجد " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة " و نجد عكس ذلك " وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فلا طاعة لي عليكم " . والمجالات وأمثلتها لاتنتهي ..
منذ بدء الإسلام وحتى اليوم وضَع الإسلام والمسلمون دستور وشرع وقوانين وأحكام وسنن و توجيهات ونصائح وفتاوى تغطي كل مناحي الحياة، ولا زال هنك مجال وحاجة للمزيد بما أن الحياة وحركتها وتطورها لا يتوقفون، وعلى مر الزمن كان المسلمون يأخذون من الموجود من الأحكام الأنسب لهم ويستنبطون ويسنون ما ينقصهم، هذا التعامل الإنتقائي (وهو في بعض النواحي دليل عافية للجهتين المنتقية والمنتقى منها) أدى لإنقسامات عمودية بالإسلام فظهرت الطوائف والمذاهب وحتى الفرق (طبعاً الإنتقاء ليس العامل الوحيد لظهورها) و نتيجة الإنقسامات بدأت تظهر الخلافات وأصبح كل طرف يحاول أن يوسع حصته، كما أن بعض الأطراف أخذت تحاول تحويل الإنقسام العمودي إلى إنقسام أفقي أي أن تضع نفسها في موقع أعلى من البقية، ومن الطبيعي هنا أن تكون بعض الخلافات عنفية وهذا ما عرفنا تكراره في تاريخ الإسلام حتى وصلنا لزمننا الحاضر الذي شاء أن يرينا عياناً ما عرَّفنا به التاريخ رواية، فظهرت الوهابية التي اختارت الطريقين الأسوأ في الخلاف، فهي أرادت أن يكون الإنقسام بينها وبين بقية المسلمين أفقياً أي أن تكون هي في الأعلى والبقية دونها، كما أرادت أن يكون خلافها مع بقية المسلمين عنفياً . خيارَي الوهابية لا يدعان أي فرصة للإنخداع بها وبدعايتها الظاهرية من أنها عودة لأصول الدين وأنها نصرة للسنة على بقية الطوائف (الشيعة بشكل خاص) . فالوهابية لا تريد أن تنتصر لأحد وهي ضد الجميع بما فيهم السنة (و لعل السنة على رأس القائمة). هي بالمطلق لاتؤمن بأي خيارات غير خيارها مهما قربت أو بعدت هذه الخيارات عنها ,لذلك لا يظنن أحد أنه إذا هادن الوهابيين فإنه سيكون من الفرقة الناجية أو أنهم سيصفحون عنه، ليس في إيديولوجية الوهابيين العنفية بإمتياز أي قبول للرأي الآخر أو لخيارات الآخرين، وحربنا معهم ليست لتغليب رأي على الآخر أو لنصرة طريقة أو طائفة ضد أخرى بل هي للحفاظ على الناس و خياراتهم أياً كانت وأياً كانوا في وجه من يريد إلغاء الجميع وخياراتهم . هذه حرب يجب أن تخوضها كل الأديان وكل المذاهب وكل الإيديولوجيات وكل الفلسفات وكل الناس، ولا يخدعن أحد نفسه فهناك طريقة واحدة للتعامل مع الوهابيين هي تجفيف تمويلهم و تكسير سيوفهم وتفنيد أفكارهم تمهيداً لحصرها في أضيق نطاق (فنحن لسنا مثلهم ولا نعمل على مبدأ إبادة من يخالفنا) وهذه طبعاً ليست مهمة سورية وحدها وإن كانت هي من تقوم بجزء منها الآن (بمساعدة بعض الشرفاء) بينما ينتظر الجميع الوقت الذي سيندمون فيه لأنهم طعنوا سورية بدل أن يساندوها .
إضافة تعليق جديد