كبدك حياتك فكيف تصونه؟
يعتبر الكبد من أهم أعضاء الجسم، بل كان البابليون يعتبرونه أهم عضو على الإطلاق، من هنا اهتمامهم الأكبر به. وإذا كان الإنسان يستطيع العيش من دون ذراع أو ساق مثلاً، فإنه لا يمكنه الاستمرار على قيد الحياة من دون كبد.
وإذا كان الكبد يختلف عن القلب، شكلاً ومضموناً ووظيفة، فإن بعض الشعراء القدامى لم يميزوا بينهما فظنّوا أنهما عضو واحد يقطن في وسط البطن أو في أعلاه. وورد في «لسان العرب» لابن منظور: «كبد كل شيء وسطه ومعظمه». لذلك وصف عروة بن حزام ما يحس به من خفقان كأن جناح قطاة على كبده:
«كأن قطاة علقت بجناحها على كبدي من شدة الخفقان».
واعتبر بعضهم الكبد أساس الحياة ورمزها، لهذا يقول بعض أهل الخليج والعراق أثناء مخاطبة شخص عزيز: «يا بعد كبدي!».
وربط العرب العواطف بالكبد، بل وصفوا الأحباء بالأكباد، وفي هذا يقول حطان بن المعلى:
«وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض».
يقوم الكبد بطائفة واسعة من الوظائف الكيماوية الحيوية التي يفوق عددها 500، أبرزها تعديل المركبات السامة الناتجة من تناول الأدوية أو الكيماويات التي تدخل جسم الإنسان، وتحويل جزيئات الطعام إلى مركبات يستطيع الجسم الاستفادة منها، وتنظيم سيولة الدم، وإنتاج مادة الصفراء، وتخزين المواد التي تعطي الطاقة، وتصنيع مادة البولينا التي يتم إفرازها من الكليتين.
ونظراً الى أهمية الكبد الجوهرية للجسم وقيامه بمهامه بكفاءة عالية مدى الحياة، خصوصاً التخلص من السموم، فإن من حقه علينا العمل على صونه ومساعدته في التخفيف من وطأة العبء الثقيل الواقع على كاهله للتخفيف أو حتى إزالة المركبات السامة التي تجول في الكبد، ولم لا إلى قطع الطريق أمام تلك المركبات للحيلولة دون وصولها إليه. وتتم عملية صيانة الكبد من المركبات المشبوهة وبالتالي الحفاظ عليه عبر ممارسة مجموعة من العادات، أهمها:
1- الصوم، وله تأثير مباشر وارتباط وثيق بالوظائف التي يؤديها الكبد، الأمر الذي يعطيه فرصة ذهبية لتجديد ترسانته الخلوية. عدا هذا، فالصوم يخلص الجسم من الكثير من السموم فيشعر بعدها الإنسان بالراحة والنشاط والحيوية ويحتفظ بالطاقة العالية.
ويعتبر الصوم في شهر رمضان الكريم، بما يتخلله من حرمان للطعام طوال النهار، ومن مواعيد منتظمة في تناول وجبتي الإفطار والسحور، فرصة مهمة للتخفيف من الضغط على الكبد كي يستريح قليلاً ويستعيد جزءاً كبيراً من نشاطه وحيويته، وبالتالي للتفرغ من أجل بذل مجهود أكبر في تنقية الدم من الشوائب والمخلفات. لكن المشكلة أن بعضهم يسرف في التهام كميات كبيرة من الطعام في أوقات الإفطار والسحور ما يحمّل الكبد فوق طاقته ويفتح الباب على مصراعيه أمام خطر الإصابة بأمراض خطيرة.
ويعتبر الصوم أيضاً فرصة ممتازة للتخلص من تشحم الكبد الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى خرابه وعجزه عن قيامه بوظيفته. إن الصوم في حال الإصابة بالتشحم، يجعل الكبد يتخلص من الترسبات الدهنية ومن تحسين حاله وعودة أنزيماته إلى المعدل الطبيعي.
2- الحرص على شرب ما لا يقل عن 8 أكواب من الماء يومياً، وهي كمية ضروريـة لأنـها تسـاعد في إذابـة السموم الموجـودة في الدم وبالتالي التخلص منها عبر الكـليتين. ويفضل تناول كوب مياه ساخنة يضاف له عصير نصف ليمونة كل يوم على الريق للحصول على الحامض المضاد للأكسدة الذي يزيل السموم ويسـاعد الكبد في التخلص منها وطرحها في الأمعاء. مهلاً، إذا كان الطقس حاراً، أو في حال ممارسة تمارين رياضية مكثّفة، فأنت في حـاجـة إلى كمية أكبر من الماء لتعويض السوائل التي تخسرها.
3- تناول أغذية وأشربة صحية منوعة يومياً، وهي عبارة عن مأكولات ومشروبات طبيعية تعج بالعناصر ومضادات الأكسدة المفيدة التي تعزز قدرة الكبد وتساعده على تصريف السموم، ومن أهم هذه الأغذية: البذور، المكسرات، الفواكه، والخضروات الورقية الخضراء، والثوم، والبصل، والخرشوف، والباقلاء، والكتان. أما المشروبات فهي عصائر الفواكه الطبيعية، والعصائر الطازجة لبعض الخضروات كالكرفس والبقدونس والجزر.
- تناول المكملات الغذائية المناسبة التي تساعد الكبد في مهمته في إطاحة السموم، ففي حال تعذر الحصول على أغذية صحية ونافعة يمكن الاستعانة ببعض المكملات الغذائية التي تمد يد العون للكبد في تنفيذ مهمته المتعلقة بإزالة السموم، ومن أهم المكملات تلك التي تحتوي على الأنزيمات الهضمية، ومادة الغلوتامين، ومضاد الأكسدة الغلوتاتيون، والبكتيريا المفيدة، ومعامل الأنزيم كيو، والفيتامين أ، والفيتامين سي، والفيتامين ي، وحامض الأسيتيل سيستين، وألفا-ليبويك، والغليسين. وطبعاً لا حاجة لأخذ تلك المكملات في شكل مستمر بل يكفي تناولها من حين إلى آخر ولفترة قصيرة.
4- زيادة استهلاك مضادات الأكسدة، خصوصاً تلك التي لا يستطيع الجسم تصنيعها، فمضادات الأكسدة تعتبر خط الدفاع الأول للجسم ضد الشوارد الحرة التي تتربص شراً بكل خلاياه بما فيها خلايا الكبد، وتستطيع الشوارد المذكورة اختراق غشاء الخلية لتصل إلى قلبها وبالتالي إلى الميتوكوندريا (مصنع الطاقة في الخلية) والكروموسومات التي تعد من أهم مكوناتها مُلحقة أضراراً بالغة بها. صحيح أن الخلايا تملك مضادات أكسدة ذاتية، لكن في حال تعرضها لفائض من الشوارد الحرة، فإنها لا تقدر على المواجهة، من هنا تبرز أهمية أخذ جرعات داعمة من مضادات الأكسدة لمواجهة عدوان الشوارد.
5- ممارسة النشاط الرياضي المنتظم، فالتمارين مهما كان نوعها تساهم في شكل فاعل في مساعدة الكبد على التخلص من السموم.
6- الحذر من تناول الأدوية من دون مبرر، خصوصاً المجهولة المصدر. إن تناول الأدوية من دون وصفة، والمبالغة في أخذ الجرعات، والاستهتار بمدة العلاج، قد تترك مشاكل على صعيد وظائف الكبد فتجعله عاجزاً عن التخلص من المركبات السامة.
7- الحذر الشديد من خلطات العطارين التي تجمع بين طياتها الحابل بالنابل وبنسب يقدرها العطار بقبضة اليد أو بفنجان، وهنا يكمن الخطر لكل أعضاء الجسم، خصوصاً الكبد. وإذا كانت الأعشاب الداخلة في تركيب الخلطات آتية من مناطق ملوثة بالمعادن الثقيلة، مثل الرصاص والزرنيخ والزئبق والكادميوم، فكان الله في العون، إذ إن المعروف عن هذه المعادن أنها تثقل كاهل الكبد وتضرب خلاياه وتؤدي إلى حدوث تغيرات مرضية في أنسجته ربما تنتهي إلى التليف وبالتالي إلى الفشل الكبدي. والطامة الكبرى هي عند جمع الأعشاب الطبية مع أعشاب أخرى أو أشياء أخرى عديمة الفائدة قد تكون مصدراً للمرض بدل الشفاء.
ختاماً، يجب ألا ننسى أن نمتنع، أو على الأقل أن نقلل من تناول الأغذية الجاهزة التي تحفل بالمنكهات، والحافظات، ومكسبات الطعم، والملونات الصناعية التي تثير الكثير من التساؤلات حول سلامتها، والتي تزيد من عبء السموم في الجسم عموماً والكبد خصوصاً، فتكون النتيجة قنابل صحية موقوتة قد تنفجر عاجلاً أو آجلاً في مناطق محدودة أو في كل أنحاء الجسم.
علامات منذرة
إذا سجلت واحداً أو أكثر من العوارض والعلامات الآتية فهذا قد يعني أن مشكلة ما يتعرض لها الكبد، بالتالي يجب التوجه إلى الطبيب فوراً من أجل إجراء الفحص الطبي وربما إنجاز بطارية من الفحوص:
- البول الأصفر الغامق.
- تبدل لون الخروج.
- النزف من اللثة أو من الأنف أو من الجلد.
- التورم في القدمين.
- عسر الهضم وفقدان الشهية على الأكل.
- تسارع في ضربات القلب.
- اصفرار في الجلد أو في العينين.
- وجود كدمات على الجلد واحمرار في الكفين.
- الهرش المزمن في الجلد.
- الرعشة في اليدين، وتشوش في الذاكرة، مع اضطرابات في النوم.
- تساقط شعر الجسم والدفء في الأطراف.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد