كوميديا «الجبهة الشامية» برعاية «الجزيرة»
تزامناً مع انطلاق اجتماع الرياض لفصائل من المعارضة السورية، عرضت «الجزيرة» في نشراتها المتعاقبة، جزءاً من فيديو «مسلمون لا مجرمون» (8:16 د.) المنشور على موقع «يوتيوب». وأصدرت الشريط «الجبهة الشامية» المقاتلة في الشمال السوري، وتضم فصائل مسلّحة وبعضها متحالف مع «جبهة النصرة» ضمن تشكيل «جيش الفتح».
يمتد حديث «الجزيرة» عن الفيديو، طوال دقيقة كاملة، إذ نسمع صوت مقدمَيْ النشرة في خلفية أجزاء مختارة من الفيديو، يشرح مضمونه، «المختلف تماماً» عن إصدارات «الدولة الإسلاميّة»، بحسب تعبير القناة.
الفيديو الأصلي على «يوتيوب»، مُنتج بحرفية عالية تذكّر بإصدارات «داعش». يبدأ الشريط بمشاهد عن تحقيقات مكثّفة مع ثلاثة أسرى من جماعة البغدادي، وقعوا في قبضة «الجبهة الشامية». يعترف الأسرى بأنّهم تقاضوا أموالاً مقابل أعمالهم، ويقرّ أحدهم بأنه لم يكن يعلم أنّ أفراد «الجيش الحر» مسلمون. بعد ذلك يقتاد عناصر الجبهة عشرة أسرى بلباس «الإعدام الداعشي» البرتقالي (لباس معتقلي غوانتنامو)، استعداداً لتنفيذ حكم الإعدام، على خلفية إنشاد جهادي من النوع الداعشي الذي يتميز عادة بلكنة معروفة بحدتها وغنّتها.
كلّ عناصر الشريط تضع المشاهد في أجواء فيديو داعشي تقليدي، ولكن، في اللحظة الأخيرة قبل الإعدام، تصل الحبكة إلى ذروتها ويأتي الحل، فيعيد منفذو حكم الإعدام مسدساتهم إلى جعابهم، ويخلعون الأقنعة السوداء ويرمونها أرضاً، وذلك بالتزامن مع تغير الموسيقى، وظهور عبارة «مجرمون لا مسلمون» على الشاشة. هنا، يبدأ رئيس المكتب الشرعي للجبهة تلاوة مواعظه بلغة فصيحة لا تخلو من أخطاء بالجملة، ولكنّها تؤدِّي الغرض السياسي الإعلامي المطلوب فتركز على التمايز الكبير بين «الإرهاب» و «الاعتدال» الذي يمثله هو وجماعته بطبيعة الحال.
وإذا كان الفيديو يستند إلى محاكاة أجواء «الإعدام الداعشي»، فإنّه يظهر لخبراء اللون فهماً عميقاً لدى مخرج هذا الفيديو لمنطق «داعش» نفسه، ونقصد هنا بشكل خاص لعبة الألوان، يسود البرتقالي والأسود نصف الفيديو الأوّل مع التحقيق والاستعداد للإعدام، ثمّ الأبيض والأزرق في الجزء الثاني، مع إطلاق الرسالة السياسية للفيديو. وللألوان دلالاتها وآثارها النفسيّة، إذ يمكننا أن نقرأ في كتاب «سيكولوجيا اللون» الصادر حديثاً عن «دار الطليعة» في دمشق لمؤلفه غ. أ. ديرسلاف، والمترجم عبدو البطل، أنّ «الترابط بين اللونين الأسود والبرتقالي يولد الشعور بالقهر»، ما يفسّر تكرار استخدامهما ليس لدى «داعش» فقط، بل ولدى تنظيمات إرهابيّة قديمة استخدمت اللونين نفسيهما، في مقابل الختام (الأبيض والأزرق) الذي يولّد الشعور بالراحة وانفتاح الأفق.
طريقة تناول «الجزيرة» للفيديو شديدة الوضوح. تصف القناة «الجبهة الشامية» بأنّها «أبرز تشكيلات المعارضة السوريّة المسلّحة في ريف حلب»، وبهذا تضخمها وتسقط عنها أي صفة إقليميّة أو دوليّة أو خارجيّة، وتسقط عنها الصفة الإرهابية. وتتابع القناة: «تضم الجبهة الشامية فصائل عدة من المعارضة المسلحة، بعضها ممن تصنفهم الولايات المتحدة فصائل إسلاميّة معتدلة»، من دون التطرق إلى أن «بعضها» الآخر متحالف مع «جبهة النصرة» التي تعتبرها الولايات المتحدة نفسها إرهابية. وتعزيزاً لبراءة «الجبهة الشامية» من الإرهاب، تختتم القناة بالقول: «وتخوض الجبهة في ريف حلب الشمالي معارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية وقوات النظام السوري على السواء».
يحاول أداء «الجزيرة» الانتقائي وغير الحيادي التكيف مع الوقائع الجديدة، مولّداً كوميديا سوداء حقيقية تشبه خبرها عن فيديو «مسلمون لا مجرمون». لكن ما يثير القلق بحقّ هو أنّ تنظيمات إرهابية بات لها منابرها الإعلامية وشبكاتها التي تغطي أعمالها وتروج لها، و«الجزيرة» أحد أهم تلك المنابر.
مأمون الحاج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد