كيف هو حال المرأة السورية في القانون والمجتمع
لا يحمل سمير في محفظته إلا ما يكفي شراء سجائره. عادة يقول إنه اكتسبها بالوراثة. فجده لم يكن يعرف أوراق العملة، وأبوه كان يستلم مرتبه ويعطيه فوراً لزوجته التي تتولى تنظيم نفقات الأسرة. مضى على زواج سمير خمس سنوات، وزوجته هي المسؤولة عن تنظيم مصروف البيت وتأمين كل مستلزماته، بينما تنتهي مهمته، بعد ثماني ساعات عمل، بتسليمها مرتبه.
لكن هذه العادة ليست الوحيدة التي اكتسبها سمير بالوراثة. فطوال عمره الذي ناهز الثامنة والعشرين، لم يصادف أن ضمت عائلته امرأة تعمل خارج منزلها. وكان شرطه الأساس، قبل عقد قرانه، أن تلزم زوجته المنزل وألاّ تفكر يوماً في الوظيفة. وهو يصرّ على أن عمل المرأة يسبب المشاكل، ويفسّر قناعته هذه، قائلاً: «إذا حصل شيء بيننا، ستقول لي أنا أصرف على البيت مثلي مثلك. لماذا أنا الرجل؟ أليس كي أؤمن مصروف البيت». ويرى سمير أن العمل خارج المنزل «يعطيها ما يبرّر إهمالها الأعمال المنزلية». ولا مانع لدى سمير في أن تعلّم زوجته، لكن ليس لطموح وظيفي، لأن «المرأة اسمها ربة منزل، وثقافتها تساهم في تعليم الأطفال». وإذا طالبت بحقها في العمل؟ «أكيد هي أوعى من أن تفعل ذلك»، يرد سمير.
وضع هذه العائلة يشبه حال عائلات شابة كثيرة في دمشق: فمعظمها يقطن في سكن مستأجر، ويعمل الزوج في أكثر من مهنة كي يؤمّن، على المدى الطويل، ثمن منزل متواضع. والأمر يختلف في الريف السوري. هناك تشكّل المرأة اليد العاملة الأساسية في الزراعة، إضافة إلى رعاية شؤون المنزل والأطفال. لكن هذا لا يعني أن المرأة الريفية تحصّل حقوقاً توازي جهدها، فالقانون الناظم للعلاقة بين الزوجين، في الحقوق والواجبات بتفرعاتهما، واحد. وهو «يعود إلى منتصف القرن الماضي، والكثير من مواده صار من الملّح والضروري تغييره»، كما يقول كريم أبو حلاوة، أستاذ علم الاجتماع والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق.
والمواد التي تحتاج إلى تغيير، برأي أبو حلاوة، هي التي تمنع المرأة من إعطاء جنسيتها لأبنائها من أب أجنبي، وتحجب عنها حق الوصاية على أطفالها حتى بعد وفاة زوجها أو الطلاق. فالمواد الحالية تحصر هذا الحق في أحد أقارب الأب الذكور. وتحتاج المرأة إلى موافقة «الوصي» إذا أرادت السفر مع أولادها. ويرى أبو حلاوة أن أخطر ما في قانون «الأحوال الشخصية» مواده المتصلة بجرائم الشرف، معتبراً أنها «لا تزال منحازة الى الرجل، وتعطيه أعذاراً مخففة في حال ارتكب جريمة تدرج في إطار «الشرف»، إضافة إلى سوء استغلال القانون نفسه». ويشهد المجتمع السوري صرخات احتجاج، تعلو في الآونة الأخيرة، تقودها بعض الجمعيات الأهلية، وتشتد بعد كل تداول إعلامي جديد لجريمة تُقتل فيها امرأة بداعي «الحفاظ على الشرف».
وإذ يشير أبو حلاوة إلى أن القانون السوري لا يزال يفرّق بوضوح بين الرجل والمرأة، في قضايا الميراث والطلاق، يؤكد أن «الإنجازات» التي حققتها مدونة الأسرة المغربية، لجهة توازن الأسرة والمساواة بين الزوجين، تشكّل ما يشبه «أحلاماً وردية بعيدة المنال» للمجتمع السوري، والمرأة بخاصة. ومن النقاط «البارزة» التي يسجلها أبو حلاوة لمصلحة المدونة «جرأتها في تناول ما كان محرّماً ومسكوتاً عنه، مثل حق الزوجين في تشارك ممتلكات الأسرة. وكرّست احترام حق الطفولة عندما منعت زواج القاصرات، وتالياً، رفعت تلقائياً سن الزواج وأنهت الوصاية على المرأة».
وفي ما يتعلّق بمعالجة مسألة تعدد الزوجات، يعتقد أبو حلاوة أن حل المدونة جاء «توفيقياً»، فهو «لم يشجع على تعدد الزوجات، لكنه بالمقابل، لم يمنعه عندما اشترط حصوله بموافقة الزوجة» التي تتعرض غالباً لكثير من الضغوط تنتزع موافقتها. ويضيف أن هذه الخطوة «تعتبر ناقصة بالمقارنة مع القانون التونسي الذي تضمّن فقرة صريحة تقول بالزواج من امرأة واحدة إلا في حالات استثنائية جداً». أما المشرّع السوري «فلا يجرؤ على النظر في تعدد الزوجات لأنه جزء من المحرم الديني»، كما يعتقد أبو حلاوة.
«بالتأكيد، يحتاج المجتمع الســــوري إلى مبادرة، أو مجموعة إجراءات، ضرورية لمعالجة العديد من مواضع الخلل في قانون الأحوال الشخصية، خصوصاً ما يتــــعلّق بالعنف الأسري وجرائم الشرف والطلاق بالدرجة الأولى»، يســــتطرد أبو حلاوة، ويلخص عمل الجمعيات الأهلية وتوجّهاتها في هذا الإطار بأن «هناك الكثير من الكلام والقليل من العمل والقليل جداً من النتائج».
ويستهجن كيف أن «مجتمعاً ينشد الحد الأدنى من الإنصاف يقبل بأن تربي أبناءه نساء مظلومات مهمّشات، لأنهن سيعدن إنتاج هذا الاضطهاد في شكل أو آخر في تربية الأطفال».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد