ما هو تأثير هزيمة الجيش الإسرائيلي على المجتمع المدني
الجمل: برغم المزاعم الإسرائلية بان قوام النظام الحاكم في إسرائيل يقوم على أساس اعتبارات الفصل بين السلطات الثلاثة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وبأن إسرائيل دولة مدنية على غرار النسق الأوروبي الانجلو – ساكسوني، فقد بينت الحقائق أن إسرائيل في حقيقة الأمر ما هي إلا دولة بوليسية- عسكرية من الطراز الاسبرطي- العنصري القائم على العدوانية ونفي واستئصال الأخر.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية:
تعتبر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الأكثر نفوذا وسيطرة على جهاز الدولة والمجتمع من بين كل دول الشرق الأوسط، وتقول البروفسيرة الإسرائيلة تانيا اينهارت بأن تأثير القادة العسكريين قد امتد وتجاوز حدود المؤسسة العسكرية، بحيث أصبح الارث الشاروني الذي يعتمد مبدأ العدوان العسكري الغاشم بمثابة الوقود المحرك للتفاعلات الاجتماعية داخل إسرائيل.
كذلك تؤكد المعلومات الواردة في الصحف ومراكز الدراسات الإسرائيلية بأن اجهزة الدولة الإسرائيلية ما هي إلا غطاء للتمويه السياسي والاجتاعي والاقتصادي تقبع تحته دولة الالة العسكرية الإسرائيلية التي يقودها الجنرالات والذين يمثلون الدولة الحقيقية، هذا وتكشف البروفسيرة تانياراينهارت أن الاحزاب السياسية الإسرائيلية ماهي في حقيقة الأمر إلا تجمعات للجنرالات وبأن الخلافات بينهما ما هي إلا خلافات بين الجنرالات.. وأيضاً فإن توزيع المناصب في الحكومات الإسرائيلية ظل دائماً يخضع لطغيان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على النحو الذي أدى إلى اختلال توازن العلاقات المدنية العسكرية في المجتمع والدولة...
* الدرس اللبناني: تداعيات ما بعد الهزيمة والانكسار
تجاهد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من أجل التغلب على التدهور المتزايد في مكانة ودور قادتها العسكريين في المجتمع الإسرائيلي، وهو تدهور في الدور والمكانة حدث بعد هزيمة القوات الإسرائيلية على يد رجال حزب الله اللبناني في حرب الصيف الماضي. وتفيد المعلومات بأن حجم التجنيد شمل حوالي 75% من إجمالي عدد المجندين المطلوب في عام 2006م، ويشير تقرير إي إس إن سيكيوريتي ووتش، بأن عدد المجندين في عام 2006، يمثل الأقل في كل تاريخ المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
انتبه إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي لظاهرة عزوف الشباب الإسرائيلي عن الانضمام إلى صفوف الجيش، ووعد بالتوصل إلى طريقة للتعامل مع الشبان الإسرائيليين الذين أصبحوا أكثر اغفالاً وعدم اهتمام بأاء واجباتهم العسكرية، وذلك على النحو الذي يؤدي لتقليل حجم هذه الظاهرة بقدر كبير وهائل.
حول جدية إيهود باراك في التعامل مع ظاهرة تجنب الشباب للعمل في جيش الدفاع الإسرائيلي، قال البروفيسير الإسرائيلي والخبير في مركز بيجين – السادات للدراسات الإسرائيلية إيتان غيلباو بأنه يتوجب على إيهود باراك القيام بشيء ما تجاه هذه الظاهرة السلبية، لأنها استفحلت وأصبحت تهدد قدرة الجيش الإسرائيلي في التعامل مع التهديدات المستقبلية المحتملة.
واضاف البروفيسير إيتان غيلباو قائلاً بأن بعض المشاكل قد ظهرت بعد حرب لبنان الأخيرة، وبأن هذه المشاكل أسهمت بقدر كبير في جعل المجتمع الإسرائيلي أكثر إخفاقاً في إدراك وتفهم البنية الأمنية القائمة..
أما الخبير الإسرائيلي إريك ديامانت، فقد وصف تصريحات وزير الدفاع ايهود باراك بأنها تهدف إلى الحصول على الدعم والتأييد الشعبي في الانتخابات الإسرائيلية القادمة لمنصب رئيس الوزارة ، ويرى الخبير أريك ديامانت بان التدهور والعزوف عن الانضمام للجيش ليس أمراً جديداً حدث بالأمس فقط، بل هو تدهور له فترة طويلة والعديد من المسببات والدوافع.
* الجيش الإسرائيلي والتحولات المجتمعية:
ينظر الإسرائيليون الصهاينة إلى الجيش الإسرائيلي باعتباره واحداً من أهم آليات التكامل الاجتماعي الإسرائيلي الضرورية من أجل البناء والدفاع عن دولة الكيان الإسرائيلي. وتقول المعلومات بأن نتائج حرب 1973، وحرب لبنان 1982 قد شكلت بدايات تدني واضمحلال صورة الجيش الإسرائيلي، وقد وصل الاضمحلال إلى مستواه الادنى مع الانتفاضة الأولى. وقد بدأ الاسرائيليون منذ ذلك الحين يفهمون ويدركون مدى جدية المقاومة الفلسطينية للجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
يقول الخبير الإسرائيلي غيلباو، بأن التهديدات أصبحت منظورة، وواضحة بحيث أصبح كل شخص يحس بأن عدم الذهاب للجيش الإسرائيلي معناه تعريض النفس والعائلة والناس للخطر، وفي الفترة الأخيرة (تبخر) هذا الإدراك، وأصبح من الصعب الحفاظ على استمراريته في الفترة الحالية أو القادمة.
وقال أيضاً، بأن الشباب الإسرائيلي المتعلم قد أصبح يعرف كيف يتفادى الانخراط في صفوف الجيش، خاصة الأذكياء والمبدعين .
أما الخبير الإسرائيلي ديامانت، فقال: بأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مازالت تحاول تسويق وبيع الذعر والهلع والخوف لنا، واعتقد بأن هذا الامر لم يعد يتناسب أو يتناسق مع طبيعة الحياة النوعية الإسرائيلية التي تغيرت بشكل دراماتيكي وحكالياً أصبح من الصعب إقناع الإسرائيليين بإعطاء ثلاثة أعوام من حياتهم للخدمة العسكرية تحت مبررات الخطر والتهديد.
* الجيش الإسرائيلي وغضب الاحتياطي:
انضمت عناصر ومجموعات الاحيتاطي في الجيش الإسرائيلي إلى الفئات الاجتماعية الاخرى في المطالبة باستقالة رئيس الوزراء ايهود اولمرت، ووزير دفاعه انذاك عامير بيريتس، والجنرال دان حالوتس قائد الجيش في فترة الحرب السابقة، وذلك بسبب الاخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي في حرب جنوب لبنان الأخيرة.
وتقول المعلومات بأن وحدات الاحتياطي تم قذفها الى ميدان القتال دون توجيهات كافية من القيادة العليا، وكانت تفتقر إلى المعدات والعتاد العسكري وأيضاً إلى التدريب اللازم وفي العديد من الحالات تم إرغام هذه الوحدات إلى أن تجد نفسها مضطرة إلى القيام بـ(كسر) المتاجر والمحلات اللبنانية طلباً للماء والطعام.
تعليقاً على ذلك، قال الإسرائيلي سيفان روزينبلوم بأنه بسبب كل ذلك، وما حدث في الحرب، تسبب بضعف الإيمان في النظام والسلطات وأيضاً في قدرة الجيش الإسرائيلي في القيام بنوع الدفاع الذي نريده، وأشار أيضاً إلى أن الكثير من الإسرائيليين يرفضون بشدة قضاء سنوات الخدمة العسكرية الثلاثة متعللين بعدم قناعتهم بالنظام العسكري الإسرائيلي الجاري تطبيقه واعتماده كأسلوب عمل بواسطة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
* الجيش الإسرائيلي والاستثناءات لأسباب دينية:
أثرت لائحة الخدمة العسكرية تأثيراً تكوينياً على طبيعة العلاقات المجتمعية في إسرائيل وعلى وجه الخصوص في تحديد علاقات الدولة باليهود الارثوذكس المتطرفين، وعلاقات العلمانية بالتطرف اليهودي الارثوذكسي.
في 18 تموز، أجاز الكنيست الإسرائيلي بأغلبية كبيرة تمديد سريان قانون تال، والذي يمنح اليهود الارثوذكس المتطرفين استثناءً شاملاً من الخدمة العسكرية وكان هذا التشريع الذي تم تمريره والمصادقة عليه بواسطة حكومة اريل شارون في عام 2003 ضمن جهد هدف جزئياً إلى مواجهة السخط الشعبي في اوساط اليهود الإسرائيليين العلمانيين والمتدينين بسبب فشل الجيش الإسرائيلي والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الالتزام بفرض نظام تجنيد عسكري شامل. وقد اضطرت الاحزاب العلمانية الإسرائيلية في نهاية حقبة تسعينيات القرن الماضي إلى الوقوف صراحة ضد الاستثناء الممنوح من الخدمة العسكرية لليهود الإسرائيليين المتدينين.
الجيش الإسرائيلي: الدخول في نفق المعاناة
بغض النظر عن ترسانة الأسلحة المتطورة التي يملكها الجيش الإسرائيلي مقارنة بدول الشرقين الأوسط والأدنى، فإنه يواجه الكثير من الأزمات والمشاكل القاتلة التي تجعله غير قادر على حسم وكسب المواجهات في معارك الحرب المنخفضة الشدة، وذلك لأن الاسلحة المتطورة لا تحارب وحدها، بل تتوقف كفاءتها وفاعليتها القتالية على إرادة العنصر البشري الذي يقف وراءها.
ابرز المشاكل القائمة حالياً في مواجهة المؤسسة العسكرية الأسرائيلية تتمثل في الآتي:
• تزايد حركات رفض الشباب لأداء الخدمة العسكرية.
• تمرد عناصر الاحتياطي على تلبية نداءات الاستنفار.
• سخط الرتب الدنيا على اداء الرتب العليا.
• تزايد الخلافات بين اصحاب الرتب العليا.
• تزايد شكوك الرأي العام في كفاءة الجيش الإسرائيلي.
• انعكاس الخلافات السياسية الإسرائيلية على تماسك الجيش الإسرائيلي.
• الانهاك المتزايد بسبب إستمرار الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية.
الجمل- قسم الدراسات و الترجمة
إضافة تعليق جديد