ما هو مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
الجمل: لم تخل أي محاولة لإحلال السلام وتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبمرور الزمن تحولت قضية اللاجئين الفلسطينيين من مجرد ناتج من نواتج احتلال الأرض، إلى عامل من العوامل التي تكمن في عمق الصراع العربي- الإسرائيلي. كذلك أصبحت ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين تشكل في الدول العربية أحد العوامل المؤثرة في التطورات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية وعلى وجه الخصوص دول المواجهة: سورية، مصر، الأردن، ولبنان.
• لبنان وملف اللاجئين الفلسطينيين:
يتميز ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالكثير من التعقيدات، وذلك لأن قضية اللاجئين الفلسطينيين تداخلت مع التطورات السياسية المعاصر التي شهدها لبنان.
الإطار النظري التحليل لظاهرة اللجوء يقول بوجود أربعة أطراف في هذه الظاهرة، هي:
- البلد المصدر: وهو في هذه الحالة فلسطين.
- البلد المستضيف: وهو في هذه الحالة لبنان.
- اللاجئ: وهو في هذه الحالة الفلسطينيين.
- سبب اللجوء: وهو في هذه الحالة الحرب والاحتلال والطرد والتشريد بالقوة العسكرية.
بسبب حدة التنافس بين النخب السياسية اللبنانية، والانفتاح النسبي للنظام الديمقراطي الطائفي اللبناني، عملت النخب الحاكمة في لبنان على توظيف ملف اللاجئين الفلسطينيين واستثماره في فترة ما بعد حرب 1967م، وعندما قرر العرب تقديم الدعم لدول المواجهة، كانت المخصصات العربية محدداً لها أن تذهب حصراً إلى سورية، مصر، والأردن، وذلك باعتبارها الدول التي تحارب ضد العدو الصهيوني، أما لبنان، فلم يحدث أن دخلت حكومته أو جيشه في أي حرب ضد إسرائيل والصهيونية، وذلك لأن حكومة لبنان كانت أول حكومة عربية توقع اتفاقية بعدم القتال والمواجهة مع إسرائيل، وذلك ضمن ما عرف بـ(اتفاقية الهدنة).
أصرت الحكومة اللبنانية على ضرورة معاملتها أسوة بالدول التي قاتلت إسرائيل، وحفاظاً على وحدة الصف العربي، قرر العرب دعم لبنان باعتباره دولة مواجهة، ولكن بشرط السماح للحركات الفلسطينية المسلحة بالقتال عبر الأراضي اللبنانية، طالما أن الجيش اللبناني لن يقاتل الإسرائيليين.
مع بداية وصول الدعم إلى الحكومة اللبنانية بدأت حركات المقاومة الفلسطينية بنقل عناصرها وعتادها إلى إسرائيل، واستطاع الفلسطينيون، ومعهم المقاومة الوطنية اللبنانية، وبمساعدة سورية والعرب، القيام بتنفيذ الكثير من العمليات البطولية داخل الأرض المحتلة.
• الانقلاب الأول في الصراع العربي- الإسرائيلي:
الأطراف والنخب السياسية اللبنانية المرتبطة بفرنسا والغرب، بدأت تتبنى خطاباً سياسياً مفارقاً للخطاب السياسي العربي، وعلى خلفية النزاعات حول مستقبل المقاومة ضد إسرائيل، ومستقبل الدولة اللبنانية، انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية الثانية، والتي –بغض النظر عن تفاصيل وضعها الجزئي- يمكن القول بأنها على أساس اعتبارات الوضع الكلي كانت انقلاباً ضد سورية والفلسطينيين.. بدليل توجهات الأطراف اللبنانية التي كانت تحارب آنذاك تحت مظلة الدعم الإسرائيلي، الفرنسي الأمريكي.
انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بإخراج الفلسطينيين، واستمرار القتال بين الأطراف اللبنانية، خاصة وأن التيار الانعزالي اللبناني كان يريد الاستمرار في الحرب على النحو الذي يقضي تماماً على كل هوية لبنان العربية، وبعد فترة، اجتمع العرب واللبنانيون، وطلبوا بالإجماع من السوريين التدخل لحماية أمن وسلامة لبنان واللبنانيين.
• ملف اللاجئين الفلسطينيين بعد الحرب الأهلية الثانية:
برغم المزايا المادية والمالية الهائلة التي حصلت عليها الحكومات اللبنانية من أموال الدعم الحربي العربي، بسبب وجود الفلسطينيين على أرض لبنان، إلا أن المقارنة البسيطة بين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية والأردن، تكشف بوضوح مدى الوضع المأساوي الذي يعاني منه الفلسطينيون الذين أخذتهم أقدامهم إلى لبنان.
تعترف الحكومة اللبنانية بـ12 مخيماً فلسطينياً، وترفض الاعتراف بحوالى سبعة مخيمات أخرى برغم أن سكانها من الفلسطينيين.. كذلك ترفض الحكومة اللبنانية إعطاء الفلسطينيين حق شراء البيوت والأراضي، برغم مزاعم النخب اللبنانية بأن اقتصاد لبنان يقوم على مبادئ اقتصاد السوق الرأسمالي الحر، والتي تعتمد الملكية الخاصة وحرية التجارة والبيع والشراء، إضافة إلى أن كل شعوب العالم الأخرى مسموح لها بشراء البيوت والعقارات في لبنان.
لحماية اللاجئين الفلسطينيين، وتحت الضغوط العربية، وافقت السلطات اللبنانية على إعطاء المخيمات الفلسطينية وضع (الحصانة وعدم السماح بدخول قوات الأمن اللبنانية إليها.
• القوى السياسية اللبنانية واستغلال المخيمات الفلسطينية:
بعد اغتيال رفيق الحريري، وما أعقبه من مواقف (مشوهة) في الساحة السياسية اللبنانية، برز إلى السطح تحالف قوى 14 آذار، ومحور تل أبيب- واشنطن.. وعلى خلفية العداء لسورية، والعمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية قام زعماء 14 آذار بإيواء الكثير من الجماعات الأصولية السنية الإسلامية في هذه المخيمات تحت سمع وبصر حكومة السنيورة، مستفيدين من (حصانة) المخيمات الفلسطينية، وذلك بغرض استهداف سورية، وإشعال مواجهة داخلية ضد حزب الله وحركة أمل. وعندما فشل المخطط، عمدت قوى 14 آذار إلى تنفيذ توجيهات الإدارة الأمريكية بالتخلص من هذه الجماعات، وبالفعل بدأت عملية التخلص والتي كانت في الجانب العلني تمثل المزيد من (العنف الرمزي والمادي والمعنوي) ضد اللاجئين الفلسطينيين، خاصة وأن كل اتهامات الحكومة اللبنانية وقوى 14 آذار ركزت على ضرورة دعم الجيش اللبناني بتنظيف المخيمات الفلسطينية باعتبارها تمثل أوكاراً للإرهاب الأصولي و(السوري).
• مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان:
في مبادرة لافتة للنظر قامت هيئة الإذاعة البريطانية بإجراء عملية استطلاع للرأي على موقعها الالكتروني عن طريق طرح سؤال مباشر حول ما هو مستقبل اللاجئين الفلسطينيين؟
الاستطلاع، وإن كان في ظاهره يعبر عن جانب إنساني، إلا أنه يعبر في حقيقته الباطنية عن رغبة الدوائر والقوى الغربية، استطلاع الرأي العام العربي، حول الحل الأمثل لمشكلة مصير اللاجئين الفلسطينيين، ومن المعلوم والمعروف، أن مصير اللاجئين مشار إليه بوضوح في الاتفاقيات والمعاهدات التي عالجت موضوع اللاجئين، وقد حددت هذه الاتفاقيات ثلاثة حلول لا رابع لها، هي:
- حق العودة الطوعية للوطن.
- حق البقاء في البلد المضيف.
- حق التوطين في بلد آخر.
وتعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وفقاً لهذه الخيارات، وبرغم أن كل المعاهدات والمواثيق الدولية توفر للاجئين حق الحماية الدولية، فقد اضطرت الدول العربية إلى التدخل وتوفير الحصانة للمخيمات الفلسطينية الموجودة في لبنان.
وحالياً تتساءل هيئة الإذاعة البريطانية عن مصيرهم، باعتباره أمراً غامضاً يتطلب المزيد من الإيضاحات والتفسيرات.
وعموماً، إن مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرتبط بشكل أساسي بمصير قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، وبدور النخب السياسية اللبنانية واستعدادها لاحترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين المقيمين داخل أراضيها، وعدم استغلال مخيماتهم في تصفية الحسابات اللبنانية الداخلية، والإقليمية وإتاحة فرصة الحياة الكريمة لهؤلاء اللاجئين أسوة بالدول العربية الأخرى كسورية مثلاً، كذلك على النخب السياسية اللبنانية أن تدرك أن وجود اللاجئين الفلسطينيين لا يشكل عنصر ضعف في معادلة الأمن الوطني اللبناني، بل يشكل عنصر قوة، وتشير معطيات الخبرة التاريخية إلى القتال البطولي الذي خاضه الفلسطينيون في عام 1982م ضد العدوان الإسرائيلي، وكيف أن بضعة مقاومين فلسطينيين عرقلوا تقدم ألوية شارون بضعة أيام في معركة قلعة الشقيف الشهيرة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد