ماذا تقدم الصحة للأطباء المقيمين؟
كنا نبحث منذ فترة عن مدخل لموضوع يتعلق بمعايير تهيئة الطبيب السوري للاختصاص، ومدى ملاءمة هذه المعايير لما هو متبع في العديد من البلدان.. فمن المعروف ان هذه التهيئة ما هي إلا تدريب في مشافينا ومنها مشافي وزارة الصحة، وعادة ما تقع اشكاليات كثيرة جراء هذا التدريب، حتى وجدنا ذلك المدخل وبه نبدأ.
أمام مكتب معاون وزير الصحة تجمعوا، وكان حديثهم أقرب إلى الهمس، ورغم تجاهلهم لسؤالنا عن سر هذا التجمع، إلا انه سرعان ما بدؤوا بروايتهم.
مجموعة من الأطباء تعاقدوا مع وزارة الصحة كأطباء مقيمين، إلا ان قراراً صدر بإنهاء عقودهم لأنهم استنفدوا فرص النجاح في السنة الأولى لتغدو الحكاية بالنسبة لنا أبعد من مسألة الفصل وأعمق، ولكنها البداية كما ذكرنا للبحث في مقدرة نظام الإقامة واطاره العلمي والتعليمي، في تأهيل أطباء اختصاصيين قادرين على تحمل المسؤولية الطبية كاملة.
يقولون: انه ولأول مرة في تاريخ وزارة الصحة يتم فصل الأطباء المقيمين بسبب عدم اجتياز الامتحان، إذ لطالما تقدم الأطباء لهذه الامتحانات دون تحديد عدد الفرص المسموحة لهم، لكن قراراً صدر عن وزير الصحة حدد فيه فرص الاستنفاد، وألحقه بقرار آخر أنهى فيه عقود الأطباء المقيمين للاختصاص الذين استنفدوا فرص النجاح في السنة الأولى.. وأشاروا ان غبناً لحقهم في الثلاث مرات التي تقدموا بها للامتحان بسبب اشكالات تتعلق بالأسئلة التي ترد في الامتحان.
حاولنا أخذ رأي عدد من الأطباء فيما إذا كانت اشكالات تقع في أسئلة الامتحانات، فأوضحوا ان هناك اشكالات تتعلق في الاختلاف بين المقرر والأسئلة التي ترد.
الأطباء الذين فصلوا وقد تجاوز عددهم 150 طبيباً، كانوا قد أشاروا انه وفي دورة كانون الأول عام 2005، كانت أسئلة الامتحانات في الجراحة العامة، بينما البرنامج المقرر لأطباء السنة الأولى تشريح وفيزلوجيا، ولذلك تقدم للامتحانات 350 طبيباً ولم ينجح منهم سوى 24 طبيباً.
وفي دورة كانون الأول 2006، كانت الأسئلة في معظمها من خارج المقرر،وقد تقدم 410 أطباء ونجح منهم 81 طبيباً فقط، وقد تقدم الأطباء المقيمون للسنة الثانية في الجراحة العامة من ثلاث محافظات ولم ينجح منهم أحد، إضافة إلى ما حدث في دورة ايلول 2006، حيث كانت أسئلة السنة الأولى في الجراحة العامة، وقد كانت الأسئلة من ضمن البرنامج المقرر لأطباء السنة الثانية، وكانت الأسئلة تشريح وفيزلوجيا.. وأشاروا كذلك إلى عدم وجود منهاج معين او مرجع مقرر لدى وزارة الصحة يلزم الأطباء المقيمين ومقرري الامتحانات بالتقيد به ولا تعرض العلامات، بل يتم الاكتفاء بكلمتي ناجح او لم يوفق، وهناك عدم توافق بين الإجابات وأسئلة الامتحانات في المراجع المختلفة.
في عام 1994 صدر قرار تنظيمي حمل الرقم 128/ت وهو ما عرف بـ «نظام الإقامة للأطباء المقيمين للاختصاص»، وقد وضح سنوات التدريب المقررة لكل اختصاص، وظل معمولاً بذلك النظام حتى صدور نظام الإقامة الجديد بتاريخ 18/12/2006، وعلى ما يبدو ظلت مسألة استنفاد فرص النجاح غير موضحة او مأخوذ بها كلية، إلى ان صدر قرار لوزير الصحة في الشهر العاشر من العام الماضي ليوضح فيه فرص الاستنفاد.
وبتاريخ 7/2/2007 صدر كتاب عن وزير الصحة حمل الرقم 56 ص م و إلى مديريات الصحة، يتضمن قراراً من أربع نقاط، جاء هذا الكتاب بناءً على اجتماع لجنة التأهيل والتدريب بتاريخ 7/2/2007 اي في اليوم الذي اجتمعت فيه اللجنة صدر قرار الوزير.
وجاء في القرار انه تنهى عقود الأطباء المقيمين للاختصاص الذين استنفدوا فرص النجاح في السنة الأولى، ويحق لهم التقدم للمفاضلة في الاختصاصات التي تخدم أهداف وزارة الصحة، او يمكن التعاقد معهم كأطباء للمراكز الصحية في المحافظات أصولاً، ويطبق نظام الإقامة الجديد على الأطباء المقبولين في مفاضلة 2007 (رقم 2)، كما يعفى الأطباء المقيمون الذين قبلوا بمفاضلات سابقة من امتحان السنة الثانية بغض النظر عن نتائج الامتحان (رقم 3).
صحيح ان القرار صدر عن وزير الصحة في اليوم نفسه لمقررات لجنة التأهيل والتدريب على ما يبدو، ولكن ما يلاحظ هنا، ان القرار لم يصدر عن مجلس علمي خاص بنظام الإقامة، بمعنى انه لا يوجد مجلس علمي يشرف على نظام الإقامة، وإذا كان نظام الإقامة تدريبياً وتعليمياً بغية التأهيل ومنح شهادة في الاختصاص، لماذ لا يوجد مجلس علمي يناقش ويبحث ويطور ويقرر ويريح الوزير من متابعة مسألة أولى بها المجلس المتخصص..؟!.
وإذا كان لا يوجد مجلس علمي، فهل يتم الاكتفاء بقرارات او بنتائج اجتماعات لجنة التأهيل والتدريب او مديرية الاختبارات..؟!.
وفيما يخص الفقرة الثالثة من القرار التي أعفي بموجبها الأطباء المقيمون الذين قبلوا بمفاضلات سابقة من امتحان السنة الثانية بغض النظر عن نتائج الامتحان.. هل هي واضحة بما يكفي وهي التي أثارت حفيظة الأطباء المنتهية عقودهم وتساءلوا عن سبب الاعفاء..؟!.
ثم ماذا يفهم من إمكانية التعاقد معهم كأطباء للمراكز الصحية إذا كانوا بالأساس قد استنفدوا فرص النجاح، أوالتقدم لمفاضلة في اختصاصات تحترم أهداف وزارة الصحة..؟!.
فهمنا ان سبب هذا الاعفاء هو النظام الجديد الذي حدد سنوات الاختصاص بأولى ونهائية، وألغيت الثانية.
وعندما سألت الدكتور جميل العويد، معاون وزير الصحة: نفى ألا تكون الوزارة قد طبقت النظام القديم.. وفي رده على ما قاله الأطباء المنتهية عقودهم بأنه ولأول مرة يتم فيها إنهاء عقود لاستنفاد فرص النجاح، وان هذا النظام معمول به منذ صدوره في عام 1994.
وأضاف: وألا يتجاوز الطبيب المقيم الامتحان لثلاث دورات هو أمر غير مقبول ولا بد من إجراء.
وكان العويد قد وردته استفسارات عدة من بعض مديرات الصحة حول إمكانية منح فرصة استثنائية للأطباء المقيمين، فأرسل كتاباً قال فيه: بأن الوزارة غير موافقة على منح الأطباء فرصة استثنائية، وكل من يرسب ثلاث دورات متتالية في امتحان السنة الأولى او الثانية يصبح خارج البرنامج وتنتهي عقودهم.
وعبارة او الثانية هنا لا تتطابق مع عبارة يعفى الأطباء من امتحان السنة الثانية والذين قبلوا بمفاضلات سابقة، بغض النظر عن نتائج الامتحان، ولكن على ما يبدو فإن كتاب المعاون قد صدر في الشهر العاشر من عام 2006، وقرار الوزير في الشهر الثاني من العام 2007، وفيه توضحت نهاية العقود وكل ما يرتبط بها بالنسبة للقطاع القديم والجديد.
وعلى ما يبدو فإن ورود الاستفسارات من مديريات الصحة قد حمل الطلب بإمكانية منح الاستثناء في موقف متعاطف مع أطباء استنفدوا فرص النجاح.. وقد طلبت بعضها رجاء المعالجة والأخذ بعين الاعتبار حاجة المديرية للمقيمين بعد افتتاح مشافٍ جديدة ومنحهم فرصة أخيرة.
في وزارة الصحة مديرية معنية بالاختبارات، هكذا اسمها «مديرية الاختبارات»، ويبدو انها معنية بموضوعنا هذا، وقد تكرر اسم مديرها الدكتور معن حيدر غير مرة في سياق الموضوع.
بدأت معه بالتساؤل: هل نظام الإقامة سواء أكان القديم ام الجديد، كفيل بتخرج أطباء أكفاء قادرين على تحمل مسؤولياتهم كاملة..؟!.
من وجهة نظره فإن النظام قادر، ولكن ضمن الحد الأدنى، وله علاقة بالمكان، فهناك فرق بين طبيب مقيم في مشفى بالقامشلي، ونظير له في مشفى بدمشق.. والبحث الآن هو في كيفية الانتقال إلى الحد الأعلى، ورأى ان الامتحان في النهاية ليس بالسهل، فهو كتابي وشفهي وعملي، ومن تمكن نظرياً وقرأ وتعب على نفسه علمياً يستطيع ان ينجح.
ويبقى الطموح كما يوضح حيدر هو الوصول إلى المستوى العالي أسوة بالبلدان الأخرى.
الموضوع يدرس منذ أكثر من عام، وقد نتج عن هذه الدراسة تشكيل مجالس علمية تضم العديد من الاختصاصات، وطلب إليها ايجاد نظام تدريبي وموزع على السنوات، وما هو المطلوب في الامتحان.. وما هي المراجع المطلوبة، وأفضل الشروط التي يجب ان تتوافر في مراكز التدريب ليصار إلى اعتمادها وفق معايير عالية وجيدة.
هل يعني هذا الكلام، غياب المنهج والمناهج في السنوات السابقة، وبالتالي هناك ظلم وقع على من رسب..؟!.
هنا يرد حيدر بأن المناهج موجودة في مديريات الصحة وفي مديرية التأهيل والتدريب، ومن المفترض ان كل طبيب قد حصل عليها، وقد كانت نسبة النجاح في الامتحان الثالث 50٪، فلماذا لم ينجح من استنفد الفرص..؟!.
ثم ما هو المطلوب أكثر من ان يمنح الطبيب ثلاث فرص ولا ينجح..؟!.هذا يعني ان ذلك الطالب دون المستوى المطلوب، خاصة ان قسماً منهم قد اعتذر لغير مرة ومنهم من منح استثناءات سابقة وتقدم لأكثر من /5/ دورات.. ألا يكفيهم هذا؟!.
ويوضح، انه سيتم تطبيق نظام البورد العربي والطموح إلى أبعد من ذلك، وانه لم نكن في السابق بعيدين عنه وهو بحد ذاته، اي البورد العربي قد جرى عليه تعديل.
عدنا إلى احصائيات سابقة، ولاحظنا ان عدد الأطباء العاملين في مشافي وزارة الصحة بالكاد يقترب من السبعة آلاف، وهي غير كافية في ظل زيادة أعداد المشافي عاماً بعد عام، ألا تخشى الوزارة من نقص قد يحصل في حال انتهت عقود الأطباء المقيمين..؟!.
برأي مدير مديرية الاختبارات أنه في كل عام تجرى مفاضلة، وبالتالي هناك أعداد إضافية، ولا يعتمد على طلاب السنة الأولى في الأمور العلاجية لوجود طلاب من السنوات الثانية وما فوق، وأنه في هذا العام قد تم قبول أعداد كبيرة في السنة الأولى، وبالتالي لن يكون هناك أي نقص.
هنا لا يتوافق كلام حيدر مع وجهة نظر إحدى مديريات الصحة التي نوهت في ملاحظة لها أن حاجتها إلى المقيمين في ظل افتتاح مشافٍ جديدة وتخشى أن يحصل أي نقص.
وعاد ليوضح أن الكارثة عندما يقوم الطبيب المقيم بفتح عيادة له، فيتغيب حتى عن مناوبته، في الوقت الذي يجب أن يتفرغ فيه للعلم، حيث أن العلم لا يجتمع مع المال إن كان هدف الطبيب المقيم من فتح العيادة هو المال.
وذكر بأن هذا الأمر لابد من متابعته من قبل الجهات الرقابية بحيث لا يسمح للطبيب المقيم بفتح عيادة.
ويشدد على أن الطبيب المقيم هو في النهاية يجب أن يؤهل لأن عمله محصور في صحة الإنسان، فكيف يمكن أن نثق بطبيب رسب في مرات ثلاث في معالجة مريض، في الوقت الذي يجب أن يحصل فيه المواطن على أفضل خدمة.
وهنا سألته عن النظام المتبع في المشافي التابعة لوزارة التعليم العالي أو الدفاع فأوضح أن النظام هو ذاته في وزارتي الصحة والدفاع، أما في وزارة التعليم العالي فهو يرتبط بنظام التعليم الجامعي، والكل في طريقه لاتباع نظام البورد العربي .
الهدف من السؤال هو الرغبة في الاستيضاح، إن كان تأهيل الأطباء يخضع لسوية واحدة حيث من غير المعقول أن ينهى عقد طبيب هنا لاستنفاده الفرص ، ويبقى الوضع على حاله في مكان آخر.
في الحقيقة ان نظام الإقامة ضمن المشافي هو خارج التشديد والرقابة، وفي الغالب، لا يتواجد الأطباء المقيمون عموماً إلا في ساعات الدوام الرسمي، أما بعد الانتهاء فغالباً ما يخرجون من المشافي إما لعيادات لهم أو للعمل في مشافٍ خاصة أو لأسباب أخرى، ويقوم أحد زملائهم بالتغطية حسب القسم الذي يداومون فيه، وحتى لا نعمم هناك من يلتزم ويجد، وقد وصل الأمر إلى حد أن يكتب الطبيب المقيم رقم موبايله على ورقة ويلصقها في غرفة الممرضات لطلبه إذا دعت الضرورة.
والمصيبة أن الأطباء المقيمين، هم من يتولون المسائل العلاجية في ظل غياب الأطباء الاختصاصيين والمشرفين، حيث لا رقيب على الاختصاصيين والمشرفين، ودوام عملهم هو لساعتين لا أكثر في فترة ما قبل الظهيرة ..أما بعد الظهيرة فهم غير متواجدين بالمطلق، رغم تقاضيهم لكامل الراتب والأجر.
وإذا ما توجهت بالأسئلة حول نظام الإقامة، فإن التحفظات كثيرة سواء من قبل الاختصاصيين أو المقيمين، لدرجة أنه قد يبادرك أحدهم بتساؤل: أين هو النظام؟.
وفي النهاية فإن المريض على تماس مباشر مع الطبيب المقيم الذي ما زال متدرباً على أية حال، وقد يجري عملية إسعافية مساءً حيث لا يوجد اختصاصي أو مشرف.
وهنا ما مدى احتمال الخطأ؟.. ما نقوله هنا قد لمسناه وشاهدناه غير مرة وليس المرة الأولى بسبب موضوعنا هذا عندما سألنا وبحثنا وسمعنا فالتشديد والرقابة، وإعادة النظر بما هو سائد بات أمراً ملحاً، وقد تكون الحلول في أمور مرتبطة مثل أمر التفرغ الطبي!!
حيث آن الأوان لأن يبقى الطبيب المقيم تحت الإشراف والرقابة والتقييم الشديد.
وأن تتولى المسألة مجالس علمية معتمدة تأخذ على عاتقها وضع البرامج والمقررات والمراجع والمناهج والتقويم وفق أسس واضحة، وتشديد الرقابة في ساعات ما بعد الظهيرة وإلزام الأطباء الاختصاصيين بالمناوبة مهما تكن الأمور طالما أنه يتقاضى كل أجره وراتبه، فالمشفى الحكومي الذي يعطيه الراتب كاملاً أولى من المشفى الخاص.
وإذا كنا مع الرقابة والتشديد بأقصى الدرجات، فإنه من المستحسن أن تجرى عملية تقويم للظروف التي مر بها الأطباء المنتهية عقودهم، وفي حال كان هناك ما يبرر منحهم فرصة أخيرة، فلتمنح لهم على أن يكون هناك تشديد وعدم تهاون بحيث لا يتعلم التعامل بمنطق تحقيق نسبة نجاح عالية كونها الفرصة الأخيرة، مع ضرورة الاسراع في اعتماد مجالس وأنظمة تصل حقيقة بالطبيب إلى أعلى درجات الكفاءة وتضمن الحماية الصحية المطلوبة للمواطن.
غسان الصالح
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد