مرتفعات الجولان السورية: "دبلوماسية الحرب" أم "حرب الدبلوماسية"؟
الجمل: تتضارب المصالح ويتصاعد التوتر وتبدأ عمليات التعبئة الفاعلة ويتصاعد خطاب التهديدات وعندها تتدخل الدبلوماسية الوقائية من أجل التهدئة والحل السلمي، ولكن عندما تفشل الدبلوماسية الوقائية، وعلى وجه الخصوص دبلوماسية اللحظة الأخيرة، فإن اندلاع الصراع وانفجار الحرب يكون هو الواقع الذي لا مفر منه.
* مرتفعات الجولان السورية: "دبلوماسية الحرب" أم "حرب الدبلوماسية"؟
نشر موقع ستراتفورد الاستخباري الأمريكي اليوم على موقعه الإلكتروني تحليلاُ حمل عنوان «إسرائيل، سوريا: مقايضة مرتفعات الجولان مقابل السلام». ويتكون التحليل من أربعة مفاصل هي:
• ملخص.
• تحليل.
• مرتفعات الجولان في الاستراتيجية الإسرائيلية.
• على ماذا ستساوم سوريا.
هذا، ويمكن استعراض محتويات التقرير على النحو الآتي:
* الملخص: تطرق إلى التقارير الإعلامية المتعلقة برغبة إيهود أولمرت الانسحاب من مرتفعات الجولان مقابل صفقة سلام مع سوريا. وأشار الملخص إلى الآتي:
• عدم نفي أولمرت للتقارير الإخبارية.
• لم تعد إسرائيل بحاجة إلى مرتفعات الجولان بسبب فقدانها لقيمتها الإستراتيجية، ولمرتفعات الجولان أهمية رمزية فقط بالنسبة للإسرائيليين.
* التحليل: تطرق إلى التقارير الإخبارية على خلفية الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، وتتمثل أبرز النقاط في الآتي:
* يمضي أولمرت عطلته في الوقت الحالي، وبرغم ذلك فهو واعٍ ومدرك تماماً للتسريبات الجديدة، وقد مضت ساعات كافية لكي يقوم بنفي هذه التسريبات لكنه لم يفعل.
* يوجد هيجان داخل ائتلاف «كاديما» الحاكم في إسرائيل بسبب التسريبات الأخيرة وذلك بواسطة بعض الأطراف المشاركة في الائتلاف.
* المعارضة اليمينية الإسرائيلية تتكون من الليكود والأحزاب السياسية الدينية المتشددة الصغيرة، تعارض الفكرة من حيث المبدأ.
* برغم المعارضة وأهمية الحدث، فقد ظل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي هادئاً، وفقط تحدث المتحدث الرسمي باسم الحكومة ديفيد بيكر قائلاً لوكالة فرانس بريس بأن إسرائيل ترغب في السلام مع سوريا، وبأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعاد وكرر التأكيد على ذلك في العديد من المقابلات الأخيرة وأنه لم يغير رأيه.
* إن صمت أولمرت هو مؤشر ساطع بأن النقاشات حول تخلي إسرائيل عن مرتفعات الجولان جارية بالفعل. وبرغم أن مرتفعات الجولان قد ظلت تمثل مسألة أمنية إسرائيلية رمزية طوال الحقب الأربعة الماضية، فإن الاعتبارات الإستراتيجية الأخرى يمكن أن تجعل الانسحاب أمراً ممكناً.
* التقارير حول الصفقة جاءت وسط شائعات عن نقاشات سورية – إسرائيلية بوساطة تركية حول اتفاق سلام.
* تركيا بلد حليف لإسرائيل ولكن تركيا تقف أيضاً إلى جانب سوريا. وتنظر تركيا إلى أن حدوث اتفاق سلام سوري – إسرائيلي سيترتب عليه استقرار المنطقة.
* يحتاج الإسرائيليون لتركيا ضمن معادلة إسرائيل الإستراتيجية، ويرغبون في التعاون مع تركيا ولكن لما كانت السيطرة على مرتفعات الجولان تمثل مصلحة جوهرية لإسرائيل فإن الإسرائيليين لن يساوموا على الجولان ببساطة من أجل إرضاء تركيا.
* يعاني تحالف أولمرت الحاكم من الهشاشة ولن يستطيع تحمل القيام بأمر هذه المبادرة:
- جدعون عزرا وزير البيئة وعضو مجلس وزراء أولمرت الأمني المصغر صرح لراديو إسرائيل قائلاً: "بحسب وجهة نظري لا يوجد شيء لمناقشته حالياً، ولا أعتقد أن المعلومات التي سمعناها من المصادر السورية كانت صحيحة أو كاملة".
- ديفيد تال رئيس اللجنة البرلمانية التابعة للكنيست قال بأنه سيسعى إلى تمرير عريضة تجعل من أي انسحاب من الجولان مشروطاً بإجراء استفتاء عام.
- تحت وأسفل ذلك، توجد مسألتان سيكولوجيتان هما:
* بالنسبة لإسرائيل سبق أن استخدم السوريون مرتفعات الجولان لقصف المستوطنات الإسرائيلية قبل عام 1967م، وبرغم أن هذا الأمر قديم، فإنه ما زال موجعاً في ذاكرة الإسرائيليين.
* بالنسبة لسوريا التلاؤم والتكيف مع وجود دولة يهودية سيؤدي إلى اضطراب داخلي وإلى قطيعة مع إيران.
- البعد السياسي الداخلي في العديد من الوجوه والجوانب يمكن أن يفوق تعقيدات الموقف الاستراتيجي والدبلوماسي.
* الجولان في الإستراتيجية الإسرائيلية: تطرق التقرير إلى النقاط الآتية:
* استولت إسرائيل على مرتفعات الجولان في حرب 1967م وتبلغ المساحة المتنازع عليها 460 ميلاً مربعاً وتتضمن جبل حرمون الذي يرتفع حوالي 9230 قدماً عن سطح البحر.
* برغم أن العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين بما فيهم إيهود باراك (وزير الدفاع الحالي)، اسحق رابين (اغتاله متطرف إسرائيلي)، شيمون بيريز (الرئيس الحالي)، بنيامين نتينياهو (زعيم المعارضة الحالي)، قد طرحوا فكرة التخلي عن الجولان مقابل السلام مع سوريا، فإن النزاع والخلاف حول المنطقة بقي مستمراً للعديد من الأسباب:
- تريد إسرائيل أن تضمن بأنه لو تخلت عن الجولان فإن سوريا لن تقوم بمنعها من الوصول إلى مياه بحيرة طبرية ونهر الأردن اللذان يمثلان مصدر المياه العذبة الرئيسي لإسرائيل ويزودانها حالياً بثلث حاجاتها من مياه الشرب.
- هناك مشكلة جبل حرمون الذي تستخدمه إسرائيل للأغراض العسكرية فإن الإسرائيليين يتخوفون من أن يتم استخدامه للأغراض العسكرية ضد إسرائيل بعد انسحابها منه.
* في الفترة من عام 1967م وحتى الآن، استطاعت إسرائيل البناء والحصول على الكثير من القدرات العسكرية والاستخبارية والاستطلاعية، وحالياً لا تحتاج إسرائيل لجبل حرمون كما كانت تحتاج إليه في الماضي. ومن ثم فإن الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان قد يترتب عليه على الأرجح أن تتحول كامل المنطقة إلى منطقة منزوعة السلاح.
* على ماذا ستساوم سوريا: أشار التقرير إلى أن مصلحة سوريا الجيوبوليتيكية الأولية تكمن إلى جهة الغرب، في لبنان، ولكن سوريا لها التزام رمزي إزاء الجولان، ولا تنظر إليه باعتبارها قضية حرجة. وستسعى سوريا إلى تفاهم أكثر أهمية مع إسرائيل حول لبنان، وسيكون الإسرائيليون راغبون في التعاون مع السوريين في لبنان بحيث يكون للسوريين دور في لبنان طوال ما كانوا ملتزمين بتعهداتهم التي يتفقون عليها مع إسرائيل.
وأشار التقرير إلى أنه حتى الآن لا يوجد ما يفيد بوجود ضمانات سورية حازمة تؤكد بأن دمشق ستدخل في التزامات تتخلى بموجبها عن علاقاتها مع حزب الله وحركة حماس وحليفتها الإقليمية إيران.
* كيف نقرأ المشهد الحالي:
بحسب المعلومات والتسريبات والتحليلات السياسية والاستخبارية للمشهد الماثل حالياً على خط دمشق – تل أبيب، يمكن القول بأن الصورة الكاملة لم تتضح حتى الآن، وذلك:
• لأن بعض الصفحات ما تزال مغلقة.
• لأن الوسيط رئيس الوزراء التركي لم يحضر إلى دمشق.
• لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يصرح حتى الآن.
وإضافة لذلك، فهناك بعض الإشارات المتعاكسة التي من أبرزها:
• تحركات بعض الرموز السياسية الإسرائيلية الهادفة إلى وضع العراقيل أمام احتمالات التوصل لاتفاق تنسحب بموجبه إسرائيل من الجولان.
• تحرك المزيد من القطع البحرية الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط.
• تعيين حليف ديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد الجنرال ديفيد بتراوس قائداً للقيادة الوسطى الأمريكية بدلاً عن قائد القوات الأمريكية في العاق مما يجعل منه المسؤول العسكري الأمريكي الأول عن كامل منطقة الشرق الأوسط.
• طالبت اليوم وزارة الخارجية الأمريكية الرعايا الأمريكيين الموجودين في لبنان بالاستعداد لعملية ترحيل فوري وشيكة من لبنان.
• عقد الكونغرس الأمريكي جلسة مغلقة يوم 22 نيسان وأخرى مغلقة يوم 24 نيسان، وتحديداً بواسطة لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب ولجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ وذلك للاستماع إلى إفادات المسؤولين الأمريكيين حول تفاصيل ووقائع وتفسيرات حدوث الغارة الإسرائيلية على سوريا يوم 6 أيلول 2007م وتؤكد التسريبات أن المعلومات التي سيتم عرضها أمام الكونغرس ستكون هي المعلومات التي قدمتها إسرائيل للإدارة الأمريكية.
• يتواجد حالياً في واشنطن كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وملك الأردن الملك عبد الثاني، للاتفاق مع الإدارة الأمريكية حول بعض القضايا العالقة في الملف الفلسطيني وقد سبق ذلك قيام وزير الخارجية المصري أبو الغيط بزيارة إلى واشنطن وإلقاء خطاب أمام الكونغرس.
• درجت إسرائيل على العمل بشكل متناوب على مسار المفاوضات مع الأطراف العربية وعلى سبيل المثال:
* سبق أن بدأت إسرائيل في الانخراط في ملف مسار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية بعد أن انهارت المفاوضات الإسرائيلية – السورية في العام 2000م.
* سبق أن رفضت إسرائيل الانخراط في ملف مسار المفاوضات الإسرائيلية – السورية بحجة أنها تهتم حالياً بالتركيز حصراً على المفاوضات مع الفلسطينيين.
الآن، أصبحت المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية على وشك الوصول إلى طريق مسدود، فهل بدأت إسرائيل ترتيب الأمور بحيث تحول مسار المفاوضات مع سوريا، أم أنها تلمح بذلك من أجل دفع الفلسطينيين إلى تقديم المزيد من التنازلات؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد