مشروع ري الحسكة من دجلة يرى النور
وأخيراً أقرت الحكومة، البدء بتنفيذ مشروع ري دجلة الكبير، الواقع في أقصى الشمال الشرقي من البلاد على الحدود السورية ـ التركية ـ العراقية، ضمن محافظة الحسكة. وقد اعتبر المراقبون، أن البدء بتنفيذ هذا المشروع الإروائي الهام، في هذا الوقت بالذات، يأتي ترجمة عملانية لتطور العلاقات السياسية بين البلدين.
حيث قُدِّرت في شهر آذار 2004 فرص التعاون ما بين تركيا وسورية على أنَّها جيدة جدًا، في ورشة عمل عقدها بعض الخبراء في مركز أبحاث التنمية في بون حول موضوع الماء والتنمية والعمل المشترك. يكمن سبب ذلك ـ حسب الخبراء المشاركين في الورشة ـ في أنَّ تركيا، التي تسعى إلى إظهار وزنها في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى لزيادة جاذبيتها بالنسبة للاتِّحاد الأوروبي، قد أبدت استعداداً كبيراً للحوار. وقد ثبتت صحة هذا التقدير مع التوقيع على معاهدة للتجارة الحرّة ما بين سورية وتركيا في شهر كانون الأوَّل 2004، إذاً ثمَّة خطوات أولى قد قطعت في طريق العمل المشترك. وتم تتويج تلك الخطوات باجتماعات اللجان الفنية للمياه الدولية المشتركة بين العراق وسورية وتركيا في دمشق بعد انقطاع دام 15 عاماًَ وتم خلالها تبادل المعلومات الهيدرولوجية والمناخية المتعلقة بالسدود والمنشآت المقامة على نهري دجلة والفرات. كما تم الاتفاق فيها على أن تطوير المشروعات في دول المنبع يجب أن يكون على أساس عدم الإضرار بدول المجرى الأخرى، ومن حق الجانب التركي إقامة المشروعات المائية على ألا يضر ذلك بالأطراف الأخرى، وألا يؤثر على نمط الإيرادات الطبيعية الواردة إلى العراق وسورية.
وقد تعهد الجانب التركي بألا تلحق مشروعاته المائية أية أضرار بالعراق وسورية. كما اتفق الأطراف الثلاثة على مواصلة اللجان الفنية عقد اجتماعاتها كل ستة أشهر. وتم التوقيع على محضر مشترك تم رفعة إلى وزراء الموارد المائية للدول الثلاث. وقدم الجانب التركي تعهداً رسمياً بعدم إلحاق الضرر بسورية والعراق جراء مشروعاته الإروائية، كما تم بحث موضوع تبادل المعلومات الهيدرولوجية والمناخية والتشغيلية لنهر الفرات، ومناقشة مشروع محطة الضخ المقترح إنشاؤها من قبل الجانب السوري على نهر دجلة لإرواء الأراضي في سورية. حيث وافق الجانب التركي على إنشاء تلك المحطة، التي تعتبر نقطة الارتكاز لمشروع ري دجلة الكبير.
- واستناداً إلى تلك الموافقة، وفي ضوء نتائج المباحثات الثلاثية التي جرت في دمشق بين وزراء المياه والري في سورية والعراق وتركيا، طلب مجلس الوزراء من وزارة الري المبادرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذ مشروع ري نهر دجلة في محافظة الحسكة. ويندرج هذا المشروع في إطار مشروع تنمية المنطقة الشرقية الذي تنفذه الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما أنه يعد من أكبر وأهم المشروعات التي تدعم عملية التنمية الشاملة والمتوازنة في سورية. ولتوضيح هذه النقطة أخبرنا المهندس سمير مورا مدير الموارد المائية في محافظة الحسكة ان استهلاك حوض دجلة و الخابور في محافظة الحسكة موارده المائية الداخلية (السطحية والجوفية) في أغراض الري والشرب والصناعة أدى إلى استنزاف المياه الجوفية في معظم أرجاء الحوض. الأمر الذي أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي في المنطقة بشكل كبير، هذا الإنتاج الذي يعد حجر الزاوية في اقتصاد محافظة الحسكة بشكل خاص وسورية بشكل عام إلى جانب النفط. وقد نتج عن ذلك تراجع كبير بمعدلات التنمية في المنطقة على مختلف الصعد، ترافق مع ارتفاع حاد بمعدلات البطالة والفقر.
ومن خلال الدراسات الفنية التي أجريت، تبيّن أنه لا يمكن إيقاف استنزاف المياه وبشكل خاص المياه الجوفية مع تأمين متطلبات الأمن الغذائي و الاجتماعي، إلا عن طريق الاستفادة من مياه نهر دجلة، حيث تنتظر مساحات شاسعة من أخصب الأراضي في الجزيرة العليا بفارغ الصبر، تنفيذ مشاريع الري الضرورية هناك. لتحقيق جملة من الأهداف منها استخدام جزء من حصة سورية من نهر دجلة الذي يبلغ وسطي الموارد المائية الطبيعية له حوالي (18.5) مليار متر مكعب في السنة، وتأمين مياه الشرب للمدن والقرى الواقعة ضمن نطاق المشروع. وري حوالي 150 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، حيث تشمل الجزيرة العليا في سورية مساحة تزيد عن مليون هكتار من الأراضي. وقد تمت دراسة 532100 هكتار بين نهر دجلة ومدينة القامشلي، وتبين أن 481550 هكتاراً منها صالحة للري. وتم تصنيف 444280 هكتاراً منها وفق الصنفين I وII حسب التصنيف الأميركي. حيث تقع المساحة الصافية للمرحلة الأولى من مشروع دجلة البالغة 150 ألف هكتار ضمن هذين الصنفين إلى جانب تأمين جزء من متطلبات الأمن الغذائي والحد من الاستنزاف الحالي للمياه الجوفية في أغراض الري وتأمين بحدود 500 ألف فرصة عمل.
- وأكد المهندس مورا أن مشروع ري دجلة يعود إلى عام 1980 ، حيث أبرمت المؤسسة العامة للمشاريع الكبرى (سابقاً) والتي صار اسمها مديرية الري العامة لحوض دجلة والخابور، إلى أن استقر الاسم على الهيئة العامة للموارد المائية حالياً، مع شركة أغروكومبلكت البلغارية العقد رقم 14/80 تاريخ 24/4/1980 الخاص بأعمال الدراسات والتصاميم الكاملة لمشروع ري دجلة. وأكدت تلك الدراسات أن مشروع ري دجلة يعتمد على الاستفادة من جزء من مياه نهر دجلة، الذي يحد القسم الشمالي الشرقي لسورية. حيث لا تزال مياه هذا النهر تشكل المصدر المائي الوحيد الذي لم تستفد منه سورية حتى الآن. ووفق الدراسات يشكل مشروع ري دجلة فعلياً منظومة ري متكاملة تتضمن (منشآت مائية هامة، محطات ضخ، سد تخزيني، نفق ضخم).. بالإضافة إلى الاستفادة من بعض السدود القائمة حالياً (الجوادية وباب الحديد ) وأيضاً قنوات ري حديثة وشبكات ري من أنابيب مطمورة، مع الاستفادة من المياه الجوفية. وقد أكدت جميع الدراسات الاقتصادية والواردة في المرحلة الأولى جدوى هذا المشروع.
وبتاريخ 9/4/2002 تم في بغداد التوقيع مع الحكومة العراقية، يقوم الجانب السوري بموجبه بسحب 1.25 مليار م3 من مياه نهر دجلة، من خلال نصب محطة ضخ على النهر. وبتوزع شهري لسحب المياه (من 10 م3/ثا حتى 100 م3/ثا) لري أراضي المشروع ولنفس المساحة المذكورة. ونصت الاتفاقية كذلك على أن يلتزم الجانب السوري بعدم تصريف مياه الصرف الزراعي و أية مياه أخرى كمياه الصرف الصحي إلى نهر دجلة، أو أية مجار مائية ترد إلى الأراضي العراقية من داخل الأراضي السورية. أما عن مبررات دعم مشروع ري الخابور المنفذ سابقاً، من مياه نهر دجلة فيقول المهندس مورا: إن مشروع ري الخابور صمم لإرواء 150 ألف هكتار بتكثيف عال 200%، حيث كان التصريف الوسطي لنهر الخابور يبلغ 45 م3/ ثا، تتأتى عبر مجموعة الينابيع الواقعة في منطقة رأس العين. ومن خلال قراءة تصريف مجموع هذه الينابيع، تبين أن الانخفاض بدأ في بداية الثمانينيات، وأخذ هذا الانخفاض يتزايد بوتائر سريعة منذ بداية التسعينيات، حتى وصل التصريف السنوي الوسطي لعام 1998/ 1999 إلى 9.82 م3/ثا و إلى 5.93 م3/ثا عام 1999/ 2000 واستمر الانخفاض في التصاريف حتى انعدم الجريان الحر من الينابيع كلياً، وتوقفت عن الجريان بتاريخ 13/4/2001 ومازال متوقفاً حتى تاريخه. وبناء على ما سبق فان الحل الاستراتيجي لحل أزمة العجز المائي في حوض الخابور، و إنقاذ مشروع ري الخابور، و وقف التدهور والانخفاض الحاصل للمياه الجوفية في هذا الحوض، يتأتى عبر دعم مشروع الخابور من مياه من نهر دجلة. وذلك من خلال ربطه مع مشروع ري دجلة، و تغذيته بحجم مائي سنوي بحدود /500/ مليون متر مكعب. مع تطبيق تقنيات الري الحديثة حيثما كان ذلك ممكناً فنياً واقتصادياً لمشاريع الخابور الحكومية والخاصة، و ذلك لتأمين مصدر دائم لمشاريع ري الخابور.
- ونظراً لقدم الدراسات الفنية لمشروع ري دجلة، فإن الجهات المختصة ستقوم كخطوة أولى بتحديث تلك الدراسات، لكي تتناسب مع الواقع الحالي للمنطقة من جهة، وبما ينسجم مع بنود الاتفاقية الموقعة مع الحكومة العراقية عام 2002 من جهة ثانية. ولهذا من المتوقع أن تتغير الكثير من الوقائع والمعطيات المتعلقة بهذا المشروع. إذ من المحتمل زيادة مساحة الأراضي الزراعية المقرر إرواؤها من 150ألف هكتار وفق الدراسة القديمة إلى 180ألف هكتار. الأمر الذي يعني رفع معدل الاستفادة من إمكانيات المشروع إلى أقصى درجة.
خليل اقطيني
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد