ملاحظات ختامية على مهرجان دمشق المسرحي
يصرّ وزير الثقافة السوري، رياض نعسان آغا، أن يقدم خطاباته ارتجالاً، فهذه طريقة عربية قديمة في سباق الكلام، لكن أياً من مستشاريه السبعة (للوزير سبعة مستشارين؛ فني وإعلامي وتقني وحقوقي وسينمائي...) لم يقل له إن القراءة من ورق مكتوب، حتى لو كانت أقل بلاغة، هي أمر يوحي بالثقة، كما يوحي بوجود خطط مثبّتة بالحبر، غير خاضعة لتداعيات الخطاب المرتجل، واستطراداته التي تجعل الكلام إنشاءً أدبياً واستعراضاً لغوياَ أكثر من أن يكون كلاماً يعني ما يقول. لذلك غالباً ما يقع الكلام في مفاتن الوعد بالحرية؛ يحب السيد الوزير أن يزف إلينا بشرى حرية القول والرأي كما لو كانا هبة ومنة، لنفاجأ بعد أيام قليلة أن مهرجان دمشق للفنون المسرحية الذي تقيمه وزارة الثقافة، يغص بكلمة، بعنوان لمسرحية، فيستبدله، من شو إلى شوكولا بسبب ما تلقيه الأولى، على ما يظنون، من ظلال غير مستحبة. وعد الحرية ذاك كان في بداية المهرجان كما في ختامه، وبينهما يمكن أن نرى إلى نموذج لوضع الثقافة في بلدنا، لم يستطع المستشارون السبعة أن ينتبهوا إلى مآزقه. الارتجال قاد أيضاً إلى حديث السيد الوزير، في حفل ختام المهرجان، عن أمجاد الدراما التلفزيونية (مع أنها العدو الأول لأبي الفنون، المسرح)، وكيف أننا لو تكاتفنا لقمنا بدبلجة أعمالنا التلفزيونية إلى سبع لغات، كما تطرق إلى الحديث عن ترسيخ قيم الديموقراطية والمطالبة بإلغاء الرقابة على المسرح فحسبنا رقابة الجمهور. لكن للحق فإن مشكلة المهرجان الأخير ليست في الرقابة والتضييق، حيث تبدو هذه المشكلات نوعاً من الترف، إنها بالضبط في الارتجال، تماماً كارتجال حلب عاصمة ثقافية، وربما ارتجال دمشق عاصمة الثقافة العربية بعد عام تقريباً. بالضبط مثلما ارتُجل قرار استضافة فرقة إنانا لحفل الافتتاح، بعد رفض مدير دار الأوبرا، حيث يجري الحفل، استضافة فقرات أعدها الموسيقي حسام بريمو، لخلاف معروف بينهما معروض منذ بعض الوقت أمام المحاكم. ورغم أن الأمر وصل إلى وزير الثقافة، ورغم أن الطرفين، بريمو ونبيل اللو مدير الدار، يعملان في كنف وزارة الثقافة، فلا الوزير، ولا مستشاروه السبعة استطاعوا أن يغيروا شيئاً في الأمر.
لعل المشكلة الأكبر تكمن دائماً في الادعاء، نحكي عن برامج وخطط ومرامي كثيرة لنجد أننا لا نلوي على شيء. لننظر مثلاً إلى كم العروض الكبير نسبياً، والذي يتجاوز الخمسين بقليل. فإذا نظرنا إلى النصف السوري منها، الذي يشكل ستة وعشرين عرضاً، سنجد أن أحد عشر من بينها قديم ويفترض أن الجمهور السوري قد شاهده، بل إن بعضها قد شاهده جمهور المهرجانات المسرحية العربية، فكلنا نعرف أن هذا جمهور المهرجانات بات أشبه براكور بلغة التلفزيون، بالإضافة إلى سبعة عروض هاوية جلبت من المحافظات (من بينها المطرود، وشواهد، وهاي شكسبير، ومقام ابراهيم وصفية، والتشكيلة)، إلى جانب عرض نحن وهو ورشة عمل طلابية، أما العروض الباقية فهي إما دون المستوى، كعرض قبعة المجنون لمها الصالح، أو أبو العلاء المعري الذي شهد مخرجه زكي كورديللو بأن الوقت لم يكن كافياً ليظهر كما يراد له، أو أنها وضعت في أوقات وصالات عرض يصعب معها على الجمهور أن يشاهدها. أما العروض الأجنبية، وعددها أربعة، فقد ثبت أن اثنين منها لم يكونا سوى لمخرجين عرب يعيشون في الخارج كالعرض الإيطالي شهرزاد والتفكير في بغداد الذي يخرجه العراقي قاسم بياتلي، وكذلك بعد الطوفان لطلعت السماوي، العرض الذي جاء من السويد. يبقى إذاً عرض قبرصي، وأرمني، وسويسري بعنوان مملكتي أجمع مشاهدوه على رداءته، فقيل إن صاحبته أودي راسل دُعيت خطأ على أنها مديرة المعهد العالمي للمسرح (ITI). وهنالك عروض سقطت في الطريق إلى دمشق كالعرض التونسي هوى وطني لرجاء بن عمار، والسوداني طقس البقاء، والمشاركَة التركية، بالإضافة إلى غياب الكثير من أسماء المكرّمين أو ضيوف المهرجان. لكن أسامة غنم، الناقد والأكاديمي المسرحي، لا يجد وقتاً للأسف على ما لم يأت بل يؤسف على ما جاء، ويشير إلى سذاجة عروض عديدة كالعرض السعودي أو اليمني، ولكنهم يتصرفون بمنطق حتى يكتمل العرس العربي، مع أنه كان يمكن استضافة انتصار عبد الفتاح من مصر، وربيع مروة ولينا صانع وعصام أبو خالد من لبنان. وكواحد من أعضاء لجنة المشاهدة يؤكد غنم أن اللجنة لم تختر العروض، وإنما اختارت من بين ما قُدم لها. ويتساءل: لماذا الركون إلى عروض أجنبية بسيطة من أرمينيا وقبرص، طالما أنه يمكن الاتجاه إلى مراكز المسرح الكبرى في العالم، في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وسواها؟ وإذا كانت المشكلة بتكاليف أكبر، ألم يكن من الممكن اختصار التكاليف الباهظة لاستعراضات الافتتاح والاختتام المبهرجة؟!.
ومن بين ادّعاءت المهرجان الكثيرة طرحه لعنوان المسرح والمدينة، حيث اقترح أن تُعرض بعض المسرحيات في بيوت أو أماكن دمشقية تاريخية كقصر العظم وقلعة دمشق، ولكن يبدو أنها طريقة لاستبعاد بعض العروض، حيث نعرف أن لمسرحَي الحمراء والقباني الحظوة الأكبر من الجمهور.
ولكن لماذا لا نسأل المسرحيين أنفسهم والذين قدموا عروضاً في المهرجان عن رأيهم، وللمفارقة سنلمس غضباً من الرسميين، ولدى من هم خارج المؤسسة على السواء. المخرج هشام كفارنة، مدير المسرح القومي في وزارة الثقافة، يقول: كنت رئيساً للجنة المشاهدة، ولم يتح لنا سوى مشاهدة نصف العروض التي قدمت لنا، فهناك عروض لم نشاهدها ووافقنا عليها على السمعة. ويجد كفارنة أن الأمر تحول إلى علاقات عامة، وحرص على أن تشارك الدول العربية. أما بالنسبة للعروض السورية أحسسنا أن هناك عروضاً أقرّت من دون موافقة اللجنة، فارتأينا، مع غياب المعايير أن تكون تظاهرة سورية موازية. لكن الكمّ الهائل أوقعنا في مشكلة عدم كفاية دور العرض. ثم يلتفت كفارنة إلى انتقاد ظاهرة تكريم عدد كبير من الأسماء، مع أنه كان من بين المكرمين في حفل ختام المهرجان (ومن الواضح أن بعض الأسماء تغيبت عن تكريمها كنوع من الاحتجاج، مثل غسان مسعود، وعبد المنعم عمايري، وطلال نصر الدين)، وكذلك ينتقد مدير القومي سوء التنظيم والدعوات التي أدت إلى تعديلات مفاجئة في البرنامج. أما المخرج طلال نصر الدين، وهو من خارج المؤسسة الرسمية، فقد اعتبر أن هذا المهرجان غير مسرحي، واعتبر أن العروض السورية غير لائقة، واللائق فيها معاد وقديم، الأمر الذي سمح باستيراد عروض من المحافظات. ويعلن نصر الدين، وله في المهرجان عرض الديك، غضبه على المهرجان الذي أهمله وأغرقنا بالإعلان عن عرض لابن المشرف الفني في مديرية المسارح. وهو يقصد بالطبع ظاهرة لفتت الجميع، وهي تبخير زهير العربي، وهو أيضاً المشرف الفني لمجلة المنصة اليومية المرافقة للمهرجان، لولده المخرج الناشئ، صاحب عرض الليغرو، إذ قلما ظهرت المنصة من دون خبر، أو صورة، أو حوار، أو ملصق أو تعليق للمخرج الفذّ. قلنا إذا كان مسؤول على هذا المستوى يستطيع أن يفعل كل ذلك لابنه رغم أنف الجميع، فما الذي يفعله مسؤول من مستوى رفيع؟ ثم إلى أين يذهب أولئك المخرجون الشباب الذين لا آباء لهم؟! .
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد