موسم الصيد الإسرائيلي

مرة أخرى <يخطئ> الصاروخ الإسرائيلي هدفه فيغتال امرأة فلسطينية وشقيقها ويصيب 14 من أفراد عائلتهما في منزلهم في خان يونس جنوبي قطاع غزة. ولكن وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس أعلن في مؤتمر <كيساريا> الاقتصادي في القدس المحتلة أنه يود مواصلة تجريب رؤيته كرجل سلام يؤمن ب<التحاور> برغم أسفه على <الأبرياء الذين يدفعون ثمنا باهظا>.
ولم يكن هذا الثمن في ولاية بيرتس في وزارة الدفاع، والتي لم تزد كثيرا عن شهر واحد، أقل من اغتيال عشرات المدنيين الفلسطينيين بدعوى إيقاف إطلاق صواريخ القسام على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.
وثمة من يشير إلى أن بيرتس <المشكوك في حربيته> لوصوله إلى وزارة الدفاع من العمل النقابي، اتخذ القرار بالتفوق على الحربيين وبدء <موسم الصيد> قبل الأوان. فهو صاحب رأي جديد يرفض التمييز بين الأذرع العسكرية والسياسية للفصائل الفلسطينية، ويؤمن، وفق المعلق السياسي في <معاريف> بن كسبيت، بوجود <كتلة إرهابية كبرى> ينبغي <دحرجة> رؤوسها. وهذه الرؤوس التي ستتدحرج في الشوارع تبدأ بالجميع <من إسماعيل هنية وحتى آخر النشطاء الميدانيين للجان الشعبية في ضواحي رفح>.
وفي الطريق لتحقيق ذلك، ليس ثمة ما يمنع تصديق الخطة التي نشرها المراسل العسكري لصحيفة <يديعوت أحرونوت> أليكس فيشمان. فالجيش الإسرائيلي الذي ساءه فشل توقعاته بخصوص وقف سقوط صواريخ القسام على المستوطنات، يسعى الآن لتأكيد مبدئه القديم: ما لا يتحقق بالقوة يمكن تحقيقه بالمزيد من استخدام القوة. ولذلك فإنه يطالب بحملة
<إطلاق العنان> لتلقين الفلسطينيين <درسا لن ينسوه>.
وتقوم الخطة التي وضعها الجيش الإسرائيلي على ثلاث مراحل تبدأ بما يسمى ب<القتال من الجانب الآخر>. وهذا يعني تعزيز عمليات الاقتحام البري من دون الرغبة في إطالة التموضع داخل أراضي قطاع غزة وبهدف تحقيق غايات تكتيكية وردعية في الوقت ذاته. وتنتهي باحتلال مناطق وتشكيل منطقة أمنية عازلة بما يعنيه من تراجع عن خطة الفصل من دون أن يعني ذلك إعلان القطاع منطقة محتلة بالكامل.
ويشير فيشمان إلى أن كل مرحلة من المراحل الثلاث تنقسم إلى فصول. ويوضح أن المرحلة الأولى وهي الجارية فعليا الآن تتمثل إلى جانب الكمائن والعمليات الخاصة داخل القطاع من اجل تنفيذ اغتيالات، بتكثيف القصف المدفعي واختراق حاجز الصوت فوق مدن وبلدات القطاع والاندفاع نحو مهاجمة مؤسسات ومعسكرات تابعة لحماس والفصائل الأخرى. ثم يتم تعزيز سياسة الاغتيالات التي تعتبر السياسة الأشد نجاعة لضرب قيادات حماس والفصائل الاخرى. ويتحدث فيشمان عن أن موقف الجيش اليوم هو: الدخول في برنامج طويل لضرب القيادة العسكرية وملاحقة كل من له علاقة بالقصف الصاروخي: المهندسين، المنتجين، النقل والقصف.
أما المرحلة الثانية والتي تعتبر انتقالية، فتتمثل باحتلال مواقع عبر السيطرة النارية على الارض أو البقاء فيها لفترات قصيرة. والمقصود هنا تحديد حدود معينة وإعلام السكان الفلسطينيين بحظر تجاوزها، وأن كل من يدخل منطقة الحظر سيُقتل.
ولكن المرحلة الثالثة تتمثل فعليا بإقامة منطقة عازلة من خلال دخول القوات لفترة زمنية طويلة. ويوضح فيشمان أن <أحدا في القيادة العسكرية الإسرائيلية لا يوصي بذلك، ولا يرغب به، ولكن الجميع يقولون إننا سنتدهور الى هذا الوضع>. وتدور النقاشات في القيادة الإسرائيلية حول عمق الاحتلال البري، وهل سيقتصر على شريط زراعي غير مأهول في شمالي القطاع أم سيذهب أبعد من ذلك إلى احتلال المنطقة المأهولة أيضا في بيت حانون وبيت لاهيا.
وأيا تكن الحال، فإن التصعيد الإسرائيلي في الضفة والقطاع محكوم بعوامل عديدة بعضها يناقض البعض الآخر. فرئيس الحكومة إيهود أولمرت، الباحث عن ترسيخ نظرية <اللا شريك>، يرى في التصعيد تأكيدا لضرورات <خطة الانطواء>. غير أن بيرتس، وهو من مستوطنة سديروت أيضا، يبحث لنفسه عن وسيلة للثأر من كرامة مجروحة أمام أهالي بلدته. والجيش الإسرائيلي الذي أخفق حتى الآن في التصدي لظاهرة انتاج وتطوير واستخدام الصواريخ من غزة، يحاول تحديد <تسعيرة> أعلى للتغطية على الإخفاق.
واضطر الجيش الذي يتفاخر ب<طهارة السلاح>، للتهديد باستهداف المدنيين الفلسطينيين وتنفيذ هذا التهديد مراراً، إذ قلص ما يسمى ب<هامش أمان> القصف المدفعي نحو المناطق المأهولة من 300 متر في الماضي إلى مئة متر حاليا، وهي أقل من نطاق انتشار شظايا هذه القذائف. وكان الجيش يأمل أن يقود هذا التقليص إلى ردع الفلسطينيين عن القصف الصاروخي. وعندما لم يحدث هذا الردع المطلوب، أعلن عن نيته قصف مناطق مأهولة ولكن بعد تحذير السكان ومطالبتهم بالخروج منها. ويبدو أنه تراجع عن ذلك لأسباب تتعلق باحتمال تعرض القادة الإسرائيليين لدعاوى دولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأحال الجيش مهمة الردع إلى الحملات الجوية المكثفة وعبر استخدام أنواع جديدة من الصواريخ التي توصف بأنها <مبضع الجراح>. غير أن قتل 21 مدنيا فلسطينيا خلال عمليات القصف الأخيرة، بين أن هذه الصواريخ <الدقيقة> تخطئ الهدف بما لا يقل عن 20 مترا. وهكذا بدل استهداف سيارة <مطلوبين> تقصف سيارة مدنيين، وبدلا من استهداف مركبة تتوجه الصواريخ نحو بيت آمن. وفي كل مرة يعلن الجيش الإسرائيلي أنه شرع بالتحقيق في ظروف <الخطأ> الذي بات في الأيام الأخيرة <القاعدة> في القصف الإسرائيلي لا الاستثناء. فالمهم أن تسكت أعداد الشهداء من الفلسطينيين، سواء أكانوا أطفالا أم نساء، مشاعر الإحباط لدى قيادة الجيش الإسرائيلي ووزير دفاعهم، وتشجع أولمرت على الاعتقاد بأنه يدفن مع الشهداء فكرة <الشريك>.

حلمي موسى

المصدر: السفير