نتنياهو يستنجد بأوباما لإجهاض خطوة «الجنائية»
أخفقت السلطة الفلسطينية في نيل قرار من مجلس الأمن بجدولة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبالاعتراف بالدولة على أراضي العام 1967، لكنها أفلحت في نيل الثناء من جانب القوى المدنية الفلسطينية وأنصارها الدوليين لقرارها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وبرغم مظاهر الاستخفاف من جانب إسرائيل بقرار الفلسطينيين الانضمام للجنائية الدولية، إلا أن القلق يستبد بقادتها ويدفعهم إلى مطالبة الولايات المتحدة بالتهديد بوقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين في حال قبولهم. كما تحاول إسرائيل دفع المحكمة أصلاً إلى عدم قبول عضوية فلسطين بدعوى أنها ليست دولة.
وقد انتقدت الإدارة الأميركية بشدة توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على وثائق الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ووصفتها بأنها «خطوة تقود إلى تصعيد لا يقرِّب تحقيق آمال الفلسطينيين في دولة مستقلة وسيدة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جيف ريتكي إن «هذه خطوة تضر بالعلاقات مع الناس الذين ينبغي صنع السلام معهم».
واستذكرت جهات إسرائيلية أن قانون المساعدات الأميركي للسلطة الفلسطينية يتضمن بنداً يوقف المساعدات بشكل تلقائي إذا بادر الفلسطينيون إلى المطالبة بتحقيق ضد إسرائيل في المحكمة الدولية أو إذا أيدوا طلباً كهذا. ومعروف أن الولايات المتحدة تقدم مساعدة سنوية للسلطة تقدر بحوالي 370 مليون دولار.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أعلن باستخفاف أن «من ينبغي له الخشية من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي هي السلطة الفلسطينية التي تقيم حكومة وحدة مع حماس، التنظيم الإرهابي المعلن مثل داعش، والذي يرتكب جرائم حرب».
وشدد نتنياهو، الذي أعيد انتخابه أمس الأول، رئيساً لـ «الليكود»، على «أننا سوف نتخذ خطوات وندافع عن جنود الجيش الإسرائيلي، وهو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. كما أننا سوف نصد هذه المحاولة الإضافية لفرض إملاءات علينا كما تصدينا للطلب الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي».
أما وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فقال إن «بوسع عباس التوقيع على أي معاهدة يشاء. الوحيدون الذين يرتكبون جرائم حرب في النزاع هنا هم الفلسطينيون أنفسهم، المسؤولون عن إرهاب دموي ضد رضع وأطفال، نساء ورجال، ومن دون تمييز، على مدى القرن الماضي».
وأضاف ليبرمان أن «هذا ما يعرفه حتى القاضي الأصم والأعمى والأبكم. لذلك لا يستطيع عباس أن يهددنا، نحن دولة لديها الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».
وأطلق وزير الشؤون الإستراتيجية، المقرب من نتنياهو، يوفال شتاينتس سلسلة تهديدات للفلسطينيين عبَّرت عن حجم القلق من خطوتهم الأخيرة.
وأعلن شتاينتس أنه ينبغي الرد «بخطوات حازمة ورادعة، مثل تجميد تحويل الأموال للسلطة، بل والتوجه نحو حل السلطة وتحييدها».
لكن التصريحات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل المعركة الانتخابية شيء، والأفعال شيء آخر. فمعاهدة روما التي تستند إليها المحكمة الجنائية الدولية شيء مخيف بسبب انضمام 139 دولة لها من ناحية وبسبب سماكة ملف الانتهاكات الإسرائيلية القانون الدولي، خصوصاً الاستيطان والجدار الفاصل والتعذيب. ومن الجلي أن المطلعين على خفايا الأمور في إسرائيل يؤمنون بأن انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية أقرب إلى «امتلاك سلاح يوم القيامة»، وهو بمثابة إعلان حرب.
ولهذا سارع نتنياهو إلى عقد اجتماع عاجل سياسي - أمني - قضائي في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب لبحث أبعاد الخطوة الفلسطينية وسبل الرد عليها. وخرج نتنياهو من الاجتماع ليطلب من المحكمة الجنائية الدولية أن «ترفض مطلقاً الطلب المنافق للسلطة الفلسطينية، بسبب أنها ليست دولة، وأنها كيان يقيم تحالفاً مع منظمة إرهابية، حماس، التي ترتكب جرائم حرب، فيما دولة إسرائيل دولة قانون وجيشها الأكثر أخلاقية في العالم يحافظ على القوانين الدولية».
وأثار الاجتماع انتقادات شديدة في إسرائيل، نظراً إلى أن نتنياهو لم يدعُ ليبرمان الذي تشرف وزارته على العلاقات الدولية إلى الاجتماع. ومعروف أن هناك نوعاً من القطيعة بين نتنياهو وليبرمان على خلفية صراعهما السياسي، ولكن مسألة مواجهة الخطة الفلسطينية قضية إستراتيجية. وادَّعى المقربون من نتنياهو أن ليبرمان لم يحضر لأن نتنياهو يريد الإمساك بهذا الملف وإدارته بطريقته.
ومعروف أن المؤسسة القضائية الإسرائيلية بدأت قبل شهور في إعداد أرضية لمذكرات دفاع لدى المحكمة الجنائية الدولية عن ضباط وجنود إسرائيليين توافرت للفلسطينيين ضدهم قرائن على ارتكاب جرائم حرب.
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن المداولات لدى رئيس الحكومة قادت إلى وجوب بذل الجهد في المحافل الدولية ولدى الدول المؤثرة لإقناع المحكمة الجنائية بأن لا صلاحية لها لمحاكمة إسرائيل، سواء لأن إسرائيل لم توقع على معاهدة روما أو لأن فلسطين ليست دولة. ومن المعتقد أن إسرائيل ستحاجج أمام العالم بأن لديها منظومة قضائية حازمة يمكنها التحقيق في انتهاكات القانون الدولي إذا وقعت انتهاكات كهذه.
ومن المؤكد أن نقاش الأمس ليس كافياً، وأن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر سينعقد قريباً لمناقشة هذه المسألة. وهناك من يرى أن الفارق كبير بين انضمام الفلسطينيين للمحكمة وبين تقديمهم طلبات بالتحقيق في قضايا. ولكن مصادر فلسطينية قالت إن الرئيس عباس وقع أيضاً طلبات للمحكمة الجنائية للتحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل ابتداءً من 13 حزيران الماضي والتي تشمل قتل الفتى محمد أبو خضير والحرب الإسرائيلية على غزة.
ويؤمن خبراء قانون دولي في إسرائيل أن انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية يضع إسرائيل في موضع بالغ الإحراج. ويستذكرون مثلاً قرار المدعية فاطو بنسودة بشأن قضية سفينة مرمرة حول وجود أساس بارتكاب جرائم حرب على متنها وهو ما يشهد على خطورة وضعية إسرائيل أمام المحكمة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد