نجيب نصير: الدراما السورية تذهب في اتجاه معاكس للتنوير
عندما أقبل الكاتب نجيب نصير باتجاهي وكنت واقفاً أمام مشفى دار الشفاء الدمشقي بانتظاره خمنت ومن خلال مراقبتي له أنه يعاني من آثار الديسك فقلت له ممازحاً: يبدو أننا سنجد أنفسنا مضطرين إلى تغيير اسم هذا المرض لنطلق عليه اسم «داء الكتّاب» فابتسم وقال هذه أمراض المهنة يا صديقي وأنتم الصحفيين لستم بعيدين عنها فبلاؤنا واحد.
فانتبهت وإذ بي أمشي ويدي ساندة لظهري ورغم ذلك لا يجد نصير متعة تضاهي وتعادل لذة الكتابة والبناء الدرامي وحوار الشخصيات مع اعترافه أن هذا الجهد الذي يبذله في كتابة هذا العمل الدرامي أو ذاك يتحول إلى «بضاعة» يبيعه «بالمصاري» ويمضي إلى حال سبيله، والحديث مع الكاتب نصير له نكهة مختلفة فأنت أمام رجل يبدو أنه تجوّل كثيراً في دروب المعرفة المتشعبة، لا يحمل الأوهام التي يحملها غيره ويعترف أن النص التلفزيوني الذي يكتبه لن يغير العالم ويعترف أن الدراما السورية تعاني أزمة نص وأزمات أخرى عديدة ويرى أن أزمة النص ملازمة لهذه الدراما منذ بداياتها في السبعينيات من القرن الماضي بسبب ما سمّاه الاستسهال عندما يتعلق الأمر بالكتابة للتلفزيون من مثل الأدباء الذين كانوا أول من كتب السيناريو التلفزيوني ويضيف نصير: رغم أن هؤلاء الأدباء كانوا رواداً ومبدعين وكانت لديهم الجرأة لولوج هذا الحقل الإبداعي وكانوا بالفعل المؤسسين والممهدين للطريق إلا أن نصوصهم كانت ساذجة من الجانب «التقني» لأن تركيزهم انصب على الجانب الفكري حيث جرى التعامل مع الدراما وكأنها «منشور» ويستطرد: بعد هذه الفورة الكبيرة في الإنتاج دخل الحقل الدرامي العديد من الكتّاب الذين لا يعرفون شيئاً عن تقنيات علم السيناريو وهو فن «حداثي» له علاقة بالرواية والمسرح وحتى الشعر رغم أنه ليس هذا ولا ذاك.
ولم يبتعد نصير كثيراً عن آراء العديد من كتاب الدراما السوريين عندما أكد وبشكل جازم أن النصوص الدرامية اليوم خاضعة لشروط وتوجه المحطات الباثة والشارية للأعمال الدرامية وإرضاء هذه المحطات هو الشرط الأساسي ويضيف: مثلما كانت الدراما مفصلة على قياس الرقابات الخليجية في عقد الثمانينيات هي اليوم مفصلة على قياس أمزجة القائمين على المحطات الفضائية وهي أيضاً محطات خليجية لأنها الوحيدة القادرة على دفع الأرقام العالية.
وكلما كنت قادراً على إرضاء هذه الأمزجة ناجحاً.
كما يرى نصير أن الأزمة الكبرى التي تتجلى في الإنتاج الدرامي «هي علاقتنا مع التراث والماضي، والتاريخ جزء من هذا التراث حيث لم نستطع الوصول إلى علاقة علمية مع هذا التراث ومازلنا نعيش حالة من الوهم وليس لدينا الجرأة على مواجهة هذا التراث كما هو لدرجة أن بعض المسلسلات المعاصرة هي تاريخية في الطرح والرؤية والهدف، كما لا ينكر نجيب نصير وجود تراجع فكري مقلق في النصوص التلفزيونية السورية في العامين الأخيرين ويلقي اللوم على الكتّاب الذين لا يملكون أدوات الكاتب الدرامي «بحيث يحطمون العديد من القيم الفكرية في ظل غياب وعي هؤلاء عن نتائج ما يفعلونه ومع عدم وجود تصور لنتائج ما يكتبونه وخاصة أنهم يتعاملون مع فن جماهيري» ولم يعفِ نصير المحطات والشركات المنتجة من المسؤولية وراء هذا التراجع.
ويرى نصير أن الدراما السورية تذهب باتجاه معاكس للتنوير وهذه هزيمة لكل الكتاب والمخرجين والأساتذة الذين كانوا وراء الجانب التنويري الذي كانت تلعبه هذه الدراما، ويضيف: هناك هزيمة حقيقية وعنوان هذه الهزيمة هو «باب الحارة» أليس من المستغرب أن الدراما التي قدمت في عام 1972 مسلسل «حارة القصر» ثم مسلسل «أسعد الوراق» وهي أعمال تنويرية بامتياز تعود لتقدم في عام 2008 مسلسل باب الحارة؟
أنا أعتقد أن نظرية الجمهور «عاوز كده» ليست صحيحة لأن الجمهور يبحث دائماً عن الأعمال الجميلة والتنويرية، كما يؤكد نصير أن «دراما البدو» التي بدأت بالازدهار من جديد هي «دراما مفصلة على مزاج الممولين» وهي من الناحية الفكرية تعد خطوة إلى الوراء رغم أني لست ضد التنوع بشرط أن تقوم هذه الدراما على خطط إعلامية وأعتقد أنهم غير معنيين بذلك لأن الخطط الإعلامية هي جزء من التنوير.
ويبدو أن نصير غير متحمس إطلاقاً لفكرة تأسيس اتحاد أو جمعية لمؤلفي الدراما تحاول الدفاع عن حقوقهم لأن «الاتحادات والنقابات لا تستطيع ضبط المهنة معرفياً لأن معيار النوعية لا يأتي إلا بالتجربة والمنافسة أنا أعتقد أن النقابات والاتحادات تحولت إلى ما يشبه الدوائر الحكومية وأصبحت عقبة إدارية ليس أكثر وحول تركيزه مع والكاتب حسن سامي يوسف على تناول مناطق السكن العشوائي في أكثر من عمل أكد نصير أنه لا توجد قصدية من وراء ذلك ويضيف: منذ بدء شراكتي مع حسن سامي يوسف ونحن نحرص على تقديم الأعمال المعاصرة التي تتناول البعد الإنساني وأعتقد أن الحارات العشوائية مغرية من هذا الجانب لأن العلاقات الإنسانية في هذه المناطق لا تخضع لما يسمى الحياء الاجتماعي أي ليس هناك تسامح وسلام اجتماعي والقاطن في هذه المناطق يعتبر «ليس أحد» لأنه لا يوجد له عنوان.
ويعتبر نصير، حسن سامي يوسف أستاذه ويتحدث بشغف عن يوم الثلاثاء وهو موعد اللقاء الأسبوعي بينهما حيث يلتقيان في مكتب نصير في الساعة الثانية يراجعان الأمور المتعلقة بالعمل ومن ثم ينتقلان للغداء في مطعم دمشقي محدد ويكملان اليوم في مقهى وسط العاصمة ويؤكد نصير أن حسن سامي يوسف «قادر على ضبط ما ننجز معاً من الناحية التقنية لأنه يملك أدوات هذا الضبط فهو من الذين درسوا علم السيناريو أكاديمياً» وقد أثمر هذا التعاون أكثر من سبعة أعمال ويضحك نصير ويقول: هذه الشراكة حيرت الكثيرين ودائماً يسألون كيف لم تختلفا ويبدو أنهم يتمنون أن نختلف.
ويعرج نصير على النقد حيث يرى أننا «نفتقد للنقد الحقيقي ليس لأسباب إجرائية وإنما لأسباب لها علاقة بثقافتنا فهي ثقافة غير نقدية وغير حوارية إما أن تكون مع أو ضد، إما إلى جانب القدح أو المدح، ليس لدينا ثقافة نقدية تفكك وتعيد البناء نحن لا نحتمل النقد ولا نقبل أن نضع العربة وراء الحصان ويعتقد أن العلاقة بين الكاتب والمخرج في الدراما السورية ستبقى ملتبسة حتى يقتنع الطرفان أنهما ليسا في هوليوود وأنهما يقدمان دراما في عالم ثالث متخلف علاقاته الحقوقية والمهنية متخلفة ويعتقد أيضاً أن مستوى المخرجين السوريين الثقافي والمعرفي متدنٍ، ويستثني نصير من هذا التوصيف المخرج هيثم حقي وما تبقى أميون لا يستطيعون اللحاق بالحالة التي يريدها المؤلف لأن إمكانياتهم العقلية والفنية لا تساعدهم على ذلك ولأن أدواتهم متخلفة أو لأن طريقة استخدامهم لهذه الأدوات متخلفة.
ويرى أن الأجور التي يتقاضاها كتاب الدراما «مخجلة» ويصف العقد الموقع مع المنتج بـ«المهين» للكاتب ولا يعترض على فكرة أن الكاتب هو الحلقة الأضعف في العملية الإنتاجية لأننا «كمجتمع عربي نخضع لما هو مستورد من القيم وخاصة قيم الشهرة والبريستيج العالي لذا تذهب الشهرة للممثل والمطرب ويبقى الكاتب وراء الضوء وهذا الأمر انعكس على الأجور لذا لا تجد الكاتب الذي يبحث ويراجع لأن هذا الجهد غير مدفوع الثمن وهذا أدى إلى الاستسهال وضعف النصوص وبالتالي تراجع الدراما في هذا الجانب.
ويبدو أن موقف نجيب نصير من تناول التاريخ من خلال الدراما لم يتغير فهو ضد مجمل الأعمال التاريخية التي ظهرت لأنها لامست التاريخ من جانب واحد وهو التمجيد «وأنا ضد النظرة التمجيدية للتاريخ ويضيف: إذا أردنا تناول التاريخ فيجب أن يكون بنظرة نقدية كما يفعل الغرب ولا يرى نصير مصلحة في فتح معارك مدفونة في التاريخ، ويسوق مثالاً على ذلك المسلسلات التي تناولت الأندلس التي كتبها الدكتور وليد سيف ويراها «نوعاً من التحريض العاكس لقيمنا وكأننا نبرر للعرب الاستعمار أي يحق لهم ذلك ولا يحق لغيرهم وهو تناقض فكري فعندما تؤكد على حق العرب بالأندلس كأننا نوحي أن من حق اليهود احتلال فلسطين» ويدعو نصير إلى تعزيز فكرة أننا شركاء في الحضارة الإسبانية الموجودة اليوم وليس الأندلسية لأنها ذهبت واندثرت. نجيب نصير ضد الرقابة بالمطلق لأنه «ضد الوصاية على المواطنين والمجتمع الذي لا يستطيع أفراده فرز العملة الرديئة فليستقل» ويرى أننا «مهيئون تماماً لكل شيء وقادرون على استيعاب كل شيء تقول عنه الرقابة أنه غلط» ويضيف: في هذا الإطار أمامنا استحقاقات إما أن نكون واعين لها وإلا سنواجهها بأضعاف حجمها.
ويرى نصير أننا يجب أن نبتعد عن فكرة حصر الشرف في الجانب الجنسي فقط «ما معنى أن تكون نساء المجتمع شريفات ولا تستطيع وليست لديك القدرة على تأمين الخبز للناس».
نصير انتهى من تأليف عمل بعنوان «العار» بالاشتراك مع حسن سامي يوسف ويتناول قصة فتاة تعيل أسرتها وعندما تعشق و«تحبل» تتحول إلى مجرد عار بنظر مجتمعها.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد