هدنة غزة: تشاؤم في القاهرة
قبل أقل من 24 ساعة على موعد انتهاء هدنة الأيام الخمسة، تبدو العودة إلى القتال بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أقرب من التوصل إلى اتفاق على وقف نار ثابت وإعادة إعمار غزة وفك الحصار عنها.
فإسرائيل، كما تبدو الأمور حتى الآن، لا تريد قبول الورقة المصرية لكنها تأمل أن تسهل الفصائل الفلسطينية الأمر عليها وتعلن رفضها لهذه الورقة. ويبدو أن مصر تتحرك بِحَثٍّ وغطاءٍ دوليَّين واسعَين لفرض هذه الورقة على أساس ضمان ازدهار غزة وأمن إسرائيل ومنع العودة إلى القتال ثانية.
ومن الواضح أن الورقة المصرية بصيغتها الأخيرة التي تتضمن أحد عشر بنداً وتقوم على أساس مرحلتين إحداهما لتثبيت وقف النار وفتح المعابر والسماح بإعادة إعمار القطاع والثانية بعد شهر وتشمل مسألة الأسرى وجثامين الجنود الإسرائيليين ومناقشة قضايا الميناء والمطار ونزع سلاح غزة، باتت معتمدة دولياً.
وتقترب الورقة من المطالب الفلسطينية في ظل ضمانات دولية وخصوصاً أميركية، لكنها لا تمنح إسرائيل صورة النصر الذي تريده؛ فقد اعترض الجيش الإسرائيلي على مسألة تأجيل مناقشة قضية جثامين الجنود الإسرائيليين إلى المرحلة الثانية، كما اعترض وزراء اليمين على ما اعتبروه خضوعاً لحماس بإبرام اتفاق معها. ودعا وزراء في الكابينت الإسرائيلي إلى رفض أي اتفاق مع حماس والعمل بطريقة الاتفاق مع العالم ضد حماس.
وفي هذا السياق، عرض وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينت قيام إسرائيل بفتح المعابر من طرف واحد، وبالتالي تلبية المطلب الدولي بفك الحصار عن غزة وعدم إبرام أي اتفاق مع حماس. وتؤيد وزيرة العدل تسيبي ليفني الاتفاق مع الأسرة الدولية والمحيط العربي وذلك من دون إشراك حماس. ولكن يبدو أن الثلاثي الذي يقود السياسة الإسرائيلية تجاه غزة، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون ورئيس الأركان بني غانتس، يريد اتفاقاً لا يمنح حماس مزايا كبيرة. ولهذا السبب فإن الوفد الإسرائيلي الموجود في القاهرة يحاول الحصول على تعديلات لمصلحة إسرائيل في الورقة المصرية، وربما يكتفي بصيغة ما تعيد جثامين الجنود في المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق.
وأطلق نتنياهو أمس، في مستهل جلسة الحكومة، رسائل صريحة وإيحاءات. فقد أوحى أن الاتفاق ليس في متناول اليد ولكن إسرائيل حققت انتصاراً على حماس. وشدد على أن حكومته لا تنوي السماح لحماس بأن تغطي على هزيمتها العسكرية بتحقيق انتصار سياسي.
وقال نتنياهو إن «الوفد في القاهرة يعمل وفق تعليمات واضحة: الإصرار بشدة على متطلبات إسرائيل الأمنية. فقط إذا توفرت تلبية واضحة للاحتياجات الأمنية سنوافق على التوصل إلى تفاهمات».
ويبدو أن هذا هو التوجيه المعطى لأعضاء الوفد الإسرائيلي في القاهرة حيث يرد على لسان الوفد موقفان: إذا لم يتحقق اتفاق فإن الرد الإسرائيلي سيكون شديداً، وإذا لم تستأنف النيران فسيتم فحص احتمالات التقدم نحو تسوية الوضع.
ورد متحدثون بلسان حماس على تصريحات نتنياهو، معتبرين أن كلامه حول الانتصار العسكري عديم الأساس وهو للاستهلاك الإعلامي وبقصد تجنب غضب الجمهور الإسرائيلي والتغطية على إخفاقاته.
وأكد سامي أبو زهري أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن هو أن يشعر الفلسطينيون بالأمن أولاً وبزوال الحصار المفروض عليهم.
وقد حاولت إسرائيل خلال أيام الهدنة التظاهر بتقديم تسهيلات للفلسطينيين بينها السماح لصيادي القطاع بالإبحار ولكن إلى عمق ثلاثة أميال فقط. كما سهلت دخول معونات وشحنات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم ومرضى عبر معبر إيرز. لكن الجميع يعلم أن ليس في هذه التسهيلات ما يحل المشكلة الأساسية المتصلة بحق التنقل وفي الاستيراد والتصدير الذي يكفل وجود حياة اقتصادية ولو بالحدود الدنيا. كما ليس في التسهيلات الإسرائيلية ما يحقق التواصل بين شطرَي السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع.
وعموماً، استأنفت مصر مفاوضاتها مع الوفدَين الإسرائيلي والفلسطيني في القاهرة في ظل تهديدات متبادلة وإشاعة أجواء التشاؤم حول فرص التوصل إلى اتفاق. وأشيع أن مصر، وتحسباً لفشل المفاوضات، طالبت الطرفَين بتمديد الهدنة إلى شهر تحل فيه كل قضايا الخلاف للمرحلة الأولى، وتبدأ فيه مفاوضات المرحلة الثانية. لكن لا يبدو أن أحدا في الجانب الفلسطيني على استعداد لقبول هذا الاقتراح إذا لم يرتبط بضمانات لتحقيق المطالب التي رصدتها الورقة المصرية.
وأشار مصدر إسرائيلي رفيع المستوى أمس، إلى أن الاحتمالات عالية بأن تفشل المفاوضات وأن لا يتم التوصل إلى اتفاق. وبحسب كلامه، فإن الاتفاق لا يحقق لأي من الطرفين إلا القليل، لذلك فإن من مصلحة إسرائيل عدم التوصل إلى اتفاق لأن هذا يمنحها القدرة على المبادرة بهجمات على القطاع وقتما تشاء.
وتعتقد إسرائيل انها تستطيع تجاوز غضب العالم من خلال السماح بإدخال كل المساعدات الإنسانية. وقال هذا المسؤول إنه «لحظة يشير المصريون أيضاً إلى تقبلهم وضع عدم الاتفاق، فإن المشكلة الأخيرة تكون قد زالت ويمكننا الذهاب إلى وضع التهدئة. وحينها تحافظ إسرائيل على الهدوء ما دام هنالك هدوء، لكنها سترد بشدة إذا أطلقت النار نحو إسرائيل».
وفي كل حال، فإن إسرائيل لم ترد بعد بشكل نهائي على المقترح المصري. وتشعر إسرائيل بثقل الضغوط الدولية عموماً، والأميركية خصوصاً، من أجل التوصل إلى اتفاق ومنع العودة إلى القتال. ولا تخفي المصادر الإسرائيلية رغبتها في أن يعلن الفلسطينيون عن رفضهم للورقة المصرية. فعدم الاتفاق يوفر على إسرائيل خلافات داخلية شديدة داخل الحكومة وفي الشارع أيضاً.
ومعروف أن تل أبيب شهدت في اليومين الأخيرين تظاهرتَين كبيرتَين: إحداهما لأنصار اليمين ضد الاتفاق مع حماس، والأخرى لأنصار اليسار ضد الحرب على غزة.
وتقريباً، كان وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس الوحيد بين الوزراء الذي كرر اشتراط التوصل لاتفاق بنزع سلاح غزة. وفي نظره: «علينا الإصرار على مسألة نزع السلاح. فالمطار هو مثل السوق الحرة للصواريخ. ومستقبلاً سوف نجد هنا صواريخ سكود وزلزال... إن الأمر الأهم في نظري هو أن تغدو غزة منزوعة السلاح. وطالما لم يتحقق ذلك، فإن الوضع سوف يتفاقم ميدانياً».
أما بينت فطالب بوقف المباحثات في القاهرة والكف عن التفاوض مع حماس والانتقال فوراً إلى المسار من طرف واحد.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد