هذه «أسمهان»... فأين الأيقونة؟
يمكن اختزال سيرة أسمهان (1912ـــ1944)، بأنها أيقونة الجسد والصوت، وبأن المغنية الفاتنة لفتت الانتباه إليها ضمن هذين المسارين اللذين كانا يلتقيان ويفترقان تبعاً للشخصيات التي أسهمت في أحداث حياتها القصيرة العاصفة، وخصوصاً أنها عاشت في فترة مضطربة سياسياً (ما بين الحربين العالميتين). كل هذه الخلفيات قادت المغنية الشابة، في نهاية المطاف، إلى مصير تراجيدي، انتهى بفجيعة موتها الغامض في حادثة الترعة الشهيرة. الصورة المتخيّلة لأسمهان كما أبرزها مسلسل «أسمهان» للمخرج شوقي الماجري (تناوب على كتابته أكثر من كاتب سيناريو) غرقت في النصف الأول من العمل بتفاصيل عائلية، وخصوصاً في ما يتعلق بحكاية زواجها من ابن عمها الأمير حسن الأطرش. وهنا، عاشت صاحبة «يا طيور» حيرة الانتماء ما بين لقبين «آمال الأطرش»، و«أسمهان»: الشغف بلقب «أميرة» من جهة، وعشقها الغناء من جهة ثانية. هذا الاضطراب والتناقض في شخصيتها وضعها أمام خيارين، أحلاهما مرّ. لكنها انتصرت أخيراً لحياة القاهرة بكل مباهجها ومفاتنها، تحقيقاً لبوهيمية نشأت عليها، ورغبة عميقة في مزج رغبات الجسد برغبات الصوت بالتمرّد على قدرها كلما استطاعت ذلك. المسلسل الذي كتب نسخته الأولى ممدوح الأطرش، وهو ينتمي إلى عائلة المغنّية (قبل أن يساهم أكثر من كاتب سيناريو في كتابة العمل)، كان حريصاً على تمجيد حسن الأطرش (يؤدي دوره عابد فهد)، بوصفه شخصية وطنية. وتجاهل شغف الشاب بامرأة مدينية فاتنة، اضطرت الموافقة على الزواج منه لظروفها المعيشية الصعبة أكثر من افتتانها بابن العم. والدليل أنها بمجرد تحسّن ظروفها كمغنّية طلبت الطلاق منه، لتعيش حياتها المشتهاة التي طالما أجلّتها سابقاً (هل أراد ممدوح الأطرش إرضاء العائلة على حساب وقائع أخرى؟). فهي ما إن طوت هذه الصفحة، حتى اقتحمت المناخ الفني في مصر بكل أطيافه، وإذا بمحمد عبد الوهاب يطلب منها مشاركته غناء أوبريت «قيس وليلى»، كما اقترح عليها محمد القصبجي ألحاناً ساحرة ستؤكد بصمتها في عالم الغناء. لكن ما هو مستغرَب حقاً يكمن في تجاهل المسلسل شخصية أم كلثوم تماماً (إلى الحلقة السادسة عشرة)، علماً بأنها كانت من أبرز منافساتها في هذه الحقبة، إضافة إلى صعود نجم مغنية أخرى هي ليلى مراد. الأمر الذي يطرح قدرة العمل الفني على تجاوز ما تسمح به الرقابات العائلية قبل الرقابات الرسمية، حين يتعلّق الموضوع بسيرة شخصية عامة. يقيناً أن سيرة أسمهان المسكوت عنها في المسلسل أكبر بكثير مما هو معلن، فصاحبة «غرام وانتقام» كانت «مانشيت» ساخناً لصحف الثلاثينيات والأربعينيات لجهة تجاوزها قواعد السلوك الاجتماعي آنذاك، وانخراطها في حياة اللهو والبوهيمية والتهوّر، ومحاولة لفت الانتباه إلى شخصيتها النافرة، للانتقام ربما من حياة الحرمان التي عاشتها مطلع حياتها في مصر. لا شكّ في أن المسلسل حاول معالجة جوانب من سلوكية أسمهان، ولكن من دون أن يتعمّق في الأسباب والدوافع، واكتفى بملامسة الشخصية من الخارج، وخصوصاً أن سلاف فواخرجي التي لعبت دور أسمهان ظلت تتصرف كطفلة مدللة، لا كأنثى مثيرة ومشتهاة، وهو ما أثّر سلباً في تلقّي العمل. ولعلّ من الأخطاء الفادحة الأخرى الإشارة إلى إجادة أسمهان اللهجة الدرزية بمجرد زواجها، مع العلم أنها لم تعش طويلاً هناك. الأرجح أن تهيمن لهجتها المصرية أكثر في حواراتها مع ابن عمها (عاشت أربع سنوات متقطعة في سوريا، معظمها في دمشق). ولعل المساحة التي أفردها العمل لشخصية فؤاد الأطرش (يؤدي دوره الممثل فراس إبراهيم، وهو شريك في إنتاج المسلسل)، كانت فائضة عن حاجة السيناريو. وخصوصاً أن أسمهان نسيت أمره فعلياً منذ أن هجرت بيت العائلة وانتقلت للعيش في فندق «مينا هاوس» في القاهرة. وربما من المهم الإشارة هنا إلى أن السيناريو كان محكماً في معظم جوانبه، نظراً لاشتراك مجموعة من الكتّاب في إنجازه، وكذلك توافر المادة الدرامية الخام عن حياة أسمهان المليئة بالأسرار والألغاز. كما أن الرؤية الإخراجية لشوقي الماجري، وخصوصاً لجهة الإيقاع المونتاجي، خلّصت العمل من بعض الشوائب التلفزيونية في الإطالة.
كيف سينتهي مسلسل «أسمهان»؟ وهل سنقع على مفاجآت درامية في النصف الثاني من العمل؟ وخصوصاً أن الأحداث المثيرة في حياة هذه المغنّية، ستبدأ من الآن فصاعداً، لجهة الاشتباك مع قضايا ساخنة مثل علاقتها بالاستخبارات الأجنبية وصراعها مع الملكة نازلي، وحادثة غرقها في الترعة، وهل ستُقيّد ضد مجهول، أم لصنّاع المسلسل وجهة نظر في النهاية التراجيدية لأسمهان؟
21:00 على «الجديد»
18:30 على «السورية»
19:44 على «art حكايات زمان»
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد