هكذاتخجل المواهب في سوريامن نفسهاوهكذاتضيع الأحلام في سوق العمل
لم يكن يتجاوز عمر أمينة محمود الحادية عشرة عندما كانت تلتجئ إلى غابة قريتها «عوينة الريحان» لتدرّب صوتها على مهارات «الميجانا والعتابا». ومن أجل تناغم صوتها مع الآلات الموسيقية مستقبلاً، كانت تدق على وعاء قديم من «التنك». كان صوتها يملأ أرجاء الغابة، وكان أصدقاؤها يشبـهونها بنجوى كرم، لإتقانها مواويل وأغاني الأخيرة بحرفية كبيرة.
كانت أمينة تحلم بأن تصبح مغنية مشهورة، لكن الأيام مرّت، وأمينة صارت مدرسة لغة إنكليزية. لم تتمكن هذه الصبية الموهوبة من تحقيق حلمها، بسبب ثقافة «العيب والحرام» التي لاحقتها منذ الصغر. كانت تسمع هذا التعبير من الأهل والأقارب دائماً، لا سيما عندما كانت تغني في البيت أو في المدرسة. كانت عائلتها المحافظة تقول لها بأن على الموهوبات بيع كرامتهن إذا أردن الوصول إلى القمة. وهكذا، تولّدت لديها عقدة الخوف من الإقدام على تنمية موهبتها، خاصة أنها لم تلق التشجيع من أحد.
وإذا كانت أمينة أخفت مواهــبها خوفاً من كلام الناس، فإن الأمر لدى حليم صالح، 31 عاماً، مختلف. حيث إنه تحفّظ على موهبة الصوت لديه خوفاً من التعرض للسخرية من أبناء قريته: «كثيراً ما كنت أحضر حفلات غنائية يؤديها شباب من قريتي، وعند نهاية الحفلة كان الآخرون يهزأون منهم، لا بل يقلدونهم بسخرية»، على حد تعبير حليم.
كان حليم يغنّي في المرحلة الابتدائية، وذات مرة أحضر له معلمه هدايا من مدينة اللاذقية، من أجل تشجيعه على المضي قدماً في مجال الفن. «كنت ألقّب حليم باسم «أبو سلمو» نسبة إلى الفنان الشعبي المشهور في مدينة اللاذقية السورية، وقد كان يسرّ كثيراً بهذا اللقب. لكن للأسف تخلى عن موهبته تفادياً لسخرية الناس»، كما يشرح أستاذه القديم.
عادة عدم إظهار المواهب الغنائية والراقصة منتشرة بكثرة بين أوساط الشباب السوري، وفي أحيان كثيرة يصاب بعضهم بالحرج والانزعاج عندما يوجه له سؤال، مثل: أين أصبحت موهبتك؟ حرج تجده في كل مكان، فمثلاً، عندما يكون هناك عرس، تلتزم الفتيات الموهوبات بفن الرقص بعدم تحريك الأرداف كثيراً، ليقتصر الأمر على هزّ الأكتاف وتحريك الأيدي فقط. ويكفي التجول قليلاً بين المعازيم أو التوقف عند الطاولات لسماع عبارات القدح والذم بحق الشابات اللواتي يكن على حلبة الرقص: «ألا تخجل من الرقص بهذه الطريقة غير الأخلاقية؟! لو كانت ابنتي لكنت حرمتها من حضور الأعراس مدى الحياة»، على حد تعبير أم فراس شهوان، أثناء حضورها لحفل زفاف.
وبلمح البرق، التزمت إيفا علي، الطالبة في قسم التاريخ، بقاعدة الرقص التقليدية (عدم الهزّ)، حيث ذهبت إليها صديقتها لتخبرها بما سمعت. إيفا تحزن في كل مـرة تحضر زفافا لأنها تسمع كلمات نابية بحقها: «أنا أحب الرقص الذي يعيش في جسدي وروحي، أعبر عن حزني وسعادتي بالرقص»، كما تقول. وتضيف: «لولا العادات والتقاليد لأصبحت راقصة.. وهذه الرغبة ستبقى حرقة وغصة في قلبي».
ورغم إن هذه التقاليد تلعب دوراً كبيراً في تستر الشباب السوري على مواهبه، إلا إن للمدارس دورها في ذلك أيضاً. مثلا، ورغم وجود مادة للموسيقى والفنون في المدارس، إلا إنها لا تدرّس من قبل مختصين. في أحيان كثيرة يتولى مدرس اللغة الإنكليزية أو الفرنسية مهمة إعطاء الموسيقى. «هذا ما يجعلنا نتجاهل مادة الموسيقى ونضحك على من يقوم ليؤدي أغنية»، على حد تعبير عامر برقاوي، الطالب في الصف الثاني ثانوي. وبرأي عامر، لو كان لمواهب الشباب أهمية لدى الجهات التربوية لكانت خصصت في كل مدرسة أستاذاً لتعليم الموسيقى.
غير إن رنيم السباعي، الطالبة في قسم اللغة العربية، ترى بأن الأمر لا يحلّ بتخصيص أستاذ للفن والموسيقى في المدارس، «كون أستاذ الموسيقى قد لا يكون صوته جميلاً ولا يفهم بفنون الصوت، وحتى عزفه على البيانو يقتصر على دو ري مي فقط»، كما تضيف الفتاة التي ترى أن مدرسي الموسيقى يأخذون مهمتهم كتسلية وليس كواجب عليهم الالتزام به من أجل تحفيز مواهب الشباب.
يضاف إلى ذلك عدم وجود كتب خاصة بالفنون في المدارس، ولا وجود لنشاطات تحفّز الشباب على سلوك طريق الفن في حياتهم المهنية، على حد تعبير رنيم.
عفراء محمد
المصدر: السفير
التعليقات
مجتمع ياحراااااااااااااااااااام
نحن نعيش على
ARTISTA
إضافة تعليق جديد