وطن المال من درعيّة آل سعود إلى درعيّة آل روتشيلد والأمّة الملعونة
أسد زيتون: عندما انعطفت بنا الحافلة القادمة من دمشق عندَ تحويلة حمص لتستقلّ الطريق العام إلى الساحل , لا أدري كيفَ استولى على حسّي وإدراكي أنّها قفلت عائدةً إلى دمشق دونَ أدنى شكّ على الرغم من استغرابي الشديد , حتّى زالَ هذا الالتباس من رأسي إثرَ حوارٍ مع رفيق الطريق وهدأةٍ ونفَسٍ عميق , ليتبيّن لي أنّها في الوجهة الصحيحة , وعلى أنّ هذهِ الظاهرة شائعة الحدوث والتي يُعبّرُ عنها الرجل بأن يقول ( قَلَبَ رأسي ) , ليست خطيرة في مثل هذا الحال , ولكنّها إذا انتقلت من المستوى الحسّي إلى المستوى الفكري والوجداني في الخيارات الكبرى والقرارات المصيريّة , فإنّ حافّة الهاوية لن تعبأ ابداً بأيّ التباسٍ يُلقي بصاحبهِ إلى التهلكة ...
علّمتني هذهِ الحادثة أن أضعَ نقاطَ علاّم على الطريق يمنةً ويُسرةً , ذهاباً وإيّاباً , وأحفرُ السمتَ على المُتشابهات حتّى إذا حجَبَت عنّي الغيوم علامات السماء لا أضلّ وجهتي , كما ذكّرتني بصراعِ رجلين في فيلم هنديّ , أحدهما طيّب وكريم ولديه ولدٌ خائن وشرّير , والآخر خبيثٌ ولئيم ولديه ولدٌ صالحٌ ووفيّ , ليتبيّنَ في نهايةِ الفيلم أنّهُ جرى استبدالُ الولدين في المشفى إذ ولدا في نفس اليوم ونفس الساعة , وعلى الرغم منَ الحبكة الدراميّة الساذَجة في السينما الهنديّة ومفاجآتها الكاريكاتيرية في الإثارة والتشويق , إلاّ أنّها طالما كانت قادرة على اعتصار القلوب والعيون وحبسِ الأنفاس وإيقادِ براكين الغضب وتحويلِ حممها الملتهبة إلى تربةٍ خصبةٍ لمشاعرِ الحبّ النبيل والتضحية والوفاء , وقلّما شاهدتُ فيلماً هنديّاً دونَ أن يتركَ على شفتيَّ ابتسامةً معجونةً بالرضا والألم والفرح والحزن كتعويذةٍ هندوسيّة ضدّ جموحِ الرغبات وشياطينِ الأفكار المضطربة ....
لستُ أدري أيّها السادة كم منَ الأشياءِ في واقعنا وأفكارنا وآرائنا قلَبَ رأسنا حيالَها إثرَ انعطافةٍ ما أو خطفةٍ ما أو قبضةٍ من أثَرِ الرسول , فأطربنا خوارُ عجلِ السامريّ وسحرَنا بريقُ المكر والفتنة والدهاء من عينيّ سالومة , ودغدَغنا رنينُ أساورِ الذهب في معصميها وخلخالِ رجليها , حتّى ازدَرَتْنا القرونُ تلوَ القرون وامتطانا الشقاء ...
أعرفُ جيّدا مشاعرَ الذهول والقرف والاشمئزاز التي تنتابكم جرّاء الحال الذي وصلنا إليها , وربّما تعتقدون أنّ البشريّة لم تعرف يوماً مثل هذهِ الوحشيّة التي تمارسُها قطعانَ الربيعِ الوهّابيّ , ولا مثلَ هذا السفالة والنذالة والانحطاط على منابرِ الرابع عشر من شباط وهذا حقّكم , ولا أعرفُ إن كنتم تشاركونني ملاحظتي لخيبةِ قناة الجديد ذات العلامة التجاريّة والجودة الفائقة , وقد أنشبت مخالبَ اتّصالاتها ونصَبَت شباكَها على طولِ الشارعِ العريض في الضاحية الجنوبية مع أوّلِ هزّةٍ للانفجار وحتّى آخر قرقرةٍ من مذيعيها لتصَيُّدِ جملةٍ ما أو لفظةٍ أو حتّى حرفٍ يُغّذونَ بهِ جموحَ السنيورة وفريقه اللقيط ليلوكوه عِوَجا ويغزلوا منه خيوط بيتِ العنكبوت الوهّابيّ ...
شارعٌ هنا وآخر هناك , شخصيّةٌ هنا وأخرى هناك , على طرفَي نقيضٍ لا ينتمي أحدهما إلى الآخر بشيء ولا يجمع بينهما شيء على الإطلاق اللهمّ إلاّ دلالة الآضداد , فهل نستطيعُ أن نجدَ المنبتَ والأرومةَ الأصليّة لكلّ منهما أو أنّ يومَ الفصلِ كانَ ميقاتا ...
شئنا أم أبينا فقد تحرّكت صفائح الزلزال ولن تهدأ ولن تستقرّ إلاّ بالإجابة الصريحة والواضحة على الأسئلة الأكثر حرجاً في تاريخنا , فهي الدالةُ الوحيدة التي تقبلها قادماتُ الأيّام , وهي الشيفرةُ الصحيحة التي يجب إدخالها للخروج من نفقِ الهلاكِ , لكيلا يمسي الدِّينُ دَيناً للشياطينِ علينا فنحملُ برحمةِ السماء لعنتنا الأبديّة , وأعتقد أنّ هذا ما عناه ويرمي إليه الرئيس الأسد بعلمانيّة الدين ومرجعيّته الأخلاقية الإنسانية لتستقيمَ معهُ كرامة الإنسان وحريّتهِ فيكون مسلماً ومؤمناً أو مسيحيّاً ومؤمناً , وهذا ما قامَ ويقوم بهِ سماحةُ المفتي أحمد بدر الدين حسّون إذ فرّق بينَ الإمامة والخلافة ونقلَ نقطة خاء الخلافة إلى باءِ بسم اللهِ حلفاً على التقوى وصالح العمل يزيلُ الشبهةَ ويطوي الخلاف , ليُلاقي بذلك ما قامَ بهِ السيّد علي الخامنائي إذ حرّمَ الإساءةَ لزوجات الرسول والتعرّض لرموزِ السنّة عام 2010م , للحيلولةِ دون استثمار الأعداءِ المتربّصين بنا في الإجابات الخاطئة التي ركَبَت العقولَ والنفوس طيلةَ القرون الماضية , فمزّقتنا شرّ مُمَزّق وشكّلت التربة الخصبة لآلامنا ومآسينا وربطتنا إلى نير التخلّف والجهل والتبعيّة ...
وأرى أنّ ما يجري في هذا الإطار ما هوَ إلاّ استكمالٌ صحيح لما بدأهُ الإمام عليّ حينَ استطاعَ تفكيكَ ألغامِ السقيفة , فكان خيرَ وزيرٍ وناصحٍ ومشير للخلفاء الثلاثة أبي بكرٍ وعمر وعثمان , وحتّى أنّ الخليفة عمر تزوّج من ابنتهِ ولم يكن يقطعُ أمراً دونَ مشورتهِ , كما في حليةِ الكعبة وفتح بلاد فارس وبيت المقدس , وكانوا جميعهم يحيلونَ إليهِ المسائلَ والقضايا المعقّدة والمستعصية ليحلّها ويقضي بها , وبعدَ مقتل عثمان تدافعَ الناس إلى عليّ ليبايعوه فرفض وقال لهم : ( أنا لكم وزير خيرٌ لكم مني أمير ) لكنّهم أصرّوا وأجمعوا عليه , وحتّى قبل مقتلِ عثمان كانت علاقة الإمام عليّ بالخلفاء الثلاثة علاقة طيّبة كما تثبتها كتبُ التاريخ ويجمِعُ الرواة , وقد أطلقَ أسماءَهم على ثلاثةٍ من أبنائهِ , فهل يستقيمُ لذي عقلٍ أن نتقاتلَ ونتذابحَ ألفاً وأربعمائةِ عام لأجلِ من عاشوا جنباً إلى جنب طيلةَ حياتهم على هذهِ الشاكلة من الصحبة والوزارة والعلاقة الوثيقة المدعّمة بأواصرِ القربى , وأيّاً تكُنِ الذرائع فهي ليست مبرّراً لمن أحبّوا عليّاً وفضّلوهُ على الخلفاءِ الثلاثة أن ينقضوا ما أبرمَه ورضيَ بهِ , ولا لمن أحبّوا الخلفاء الثلاثة وقدّموهم عليه أن ينقضوا ثقتَهم به ونزولَهم عندَ مشورته وتعظيمهم له وامتثالهم لنصحهِ , وليس بمقدور أي سنيّ أن لا يكون من شيعةِ عليّ ويبقى مسلماً , ولا بمقدور أيّ شيعيّ أن لا يسير على سنّةِ الرسول المصطفى ويبقى مسلماً , ولن يضرّ الشيعة والسنّة إذا اتفقوا على ذلك أن يختلفوا كيفَ يشاءون دونَ خلاف ....
وإذا أردنا الحقيقة يجب أن نخرجَ من تحتِ هذا الإرث الثقيل ونحتكمَ إلى العقل بعيداً عمّا وجدنا عليهِ آباءنا وأجدادنا , سيّما أنّ مفهوم الشيعة والسنّة لم يكن قيدَ التداول حتّى خروج معاوية على الإمام عليّ مُتَذرّعاً بدمِ الخليفة عثمان , مطالباً بتسليم قتلتهِ شرطاً للقبول ببيعة عليّ والدخول في طاعته , وهو وأمثاله سبب انتقادِ الناس لعثمان إذ ولاّهم وآثرهم دونَ المسلمين لخاصّية القربى والصحبة رغم اشتهارهم بالبذخ والتبذير , ولو أيقنَ معاوية بإبقاءِ عليّ لهُ على ولاية الشام لما خرجَ عليهِ , ولو فعلَها عليّ لما بقيَ من إمامتهِ شيء , ولكنّ الإمام عليّ سارَ سيرتهُ المعهودة وردّ قطائعَ عثمان إلى بيت المال , ودارت حرب صفّين وقيلَ يومَها شيعةُ عليّ وشيعةُ معاوية , وكان التحكيم الذي أفرزَ الخوارج عن المسلمين كمُعتَقد , في ثاني ظاهرة عرفها المسلمون من هذا النوع بعدَ المرتدّين , بينما اقتصرَ أمرُ معاوية على المطالبة بقتلة عثمان وهوَ أمرٌ يكون بالدليل والبيّنة لا بالاتّهام جزافاً ابتغاء هدفٍ آخر , لذلك وجدناهُ حين برز إليه من معسكر الإمام جماعةً من الفرسانِ الأشدّاء ونادوهُ أن خذنا بدمِ عثمان تجاهلهم وغاب عنِ المشهد لأنّهُ أراد أن لا يفقد الذريعة , لا بل أنّ الحسن اشترط على معاوية في الصلح أن يحكمَ بكتابِ الله وسنّةِ رسولهِ وسيرة الخلفاء الصالحين ويكون الأمرُ بعدَهُ شورى , لكنّ داهيةَ العرب أضافَ إلى دهائهِ ما تعلّمهُ خلالَ صحبته لكعب الأحبار فنكصَ بعهدهِ ودبّرَ مقتلَ الحسن بالسمّ ليبقى الأمر بعدَهُ لولدهِ , وسارَ يزيد على نهجِ والدهِ وزاد عليهِ , والتحقَ الحسينُ بأخيهِ شهيداً فكانا كشعبتي (ذوالفقار) الذي حمى جدّهما يومَ أُحد , بينما ما يزال رمحُ حبشيّ وسكّين هند إرثاً لأحفاد يزيد ..
وهذا يعني باختصار ووضوح أنّ مفهوم ولايةِ أمرِ المسلمين تمّ إفراغهُ من محتواه الديني على يدِ معاوية وولدهِ يزيد لصالحِ أطماعِ الحكم وعقدة الملك العقيم , وكانت كربلاء الحدّ الفاصل بين السلطان الدينيّ والسلطان الدنيويّ , ولا يصحّ مطلقاً أن نقول الخلافة الأموية والخلافة العباسية أو سواها , بل الدولة الأمويّة والدولة العباسية وهلمّ جرا ...
ويبرزُ لدينا معطى هام جدّاً يجب أخذهُ بعين الاعتبار لاستكمال الصورة الواقعيّة للمأساة بعيداً عن المبالغات الروائيّة والعاطفيّة التي ساهمت في تأجيج الصراع , إذ إنّ أبناء الرسول قضوا في حياتهِ قبلَ أن يتزوّجوا وينجبوا وكذلك أحفادُه من بناتهِ قضوا باكراً عدا أحفادهِ من فاطمة , وكان المسلمون يسمّونهم الأُسَر العلويّة الشريفة نسبةً للإمام عليّ وكانوا زينة الناس ظاهراً وباطناً حملوا كنوزَ العلم الذي ورثوه عن جدّهم في صدورهم , فكانوا مصدرَ القلق والخوف الأكبر لكلّ مَن تقمّصَ الخلافة لِمَا لهم من مكانةٍ روحيّةٍ ودينيّة وعلميّةٍ عالية في وجدان المسلمين , وكانوا الهدف الأوّل على لائحتهِ , فعانوا من أشدّ أنواع الاضطهاد والملاحقة والسجن والقتل , وحتّى أنّ العباسيّين الذين ثاروا على الأمويّين انتقاما لآل البيت , انقلبوا بجلوسهم على كرسيّ الحكم وتحرّكَت فيهم المشاعر ذاتها التي طغت على الأمويّين فأقرّوا المذهب الذي حاربوه , وساروا سيرةَ سابقيهم في تثبيتِ ملكهم والقضاء على منافسيهم وفي مقدّمتهم أحفاد الرسول , واحتفظ القدر بالمفارقات التي تعوّدَ أن يخبّئ فيها سارَهُ وأسراره , فكان الناسَ يميلون إلى حمايتهم والتكتّمِ على أمرهم حيثما حلّوا خلال ملاحقتهم ومطاردتهم , كما كانوا يتفاخرون بتزويجهم تقرّباً وتباركاً بنسبهم الشريف , حتّى إذا وصلت إليهم عيون السلطان انتقلوا إلى مكان آخر فيقيمون ويتزوّجون ويُزوّجون حتّى نمت شجرتهم في جميع الأصقاع , سيّما في أمّة الفرس المتباهية بتكريمِ الرسول لسلمان الفارسيّ حتّى ألحقهُ بآلِ بيته , وزاد من توهّج هذه الرابطة الروحيّة لأهلِ فارس أنّها وجدت في شخصيّة الأمام السجّاد عليّ بن الحسين ما يصلُ إرثها وعزّها ومجدها الغابر بمستقبلها الذي تصبو إليه في ظلّ الإسلام لجهةِ والدتهِ ابنةُ آخر ملوك فارس التي زوّجها الإمام عليّ لولدهِ الحسين وقدّمَ مهرها لبيت المال , والحقيقة أنّهم أصابوا بالفعل بدلالة التقدّم العلميّ والحضاري والحجّة النوويّة البالغة , مقابل حجّة التكفير والذبح والتقطيع وجهاد النكاح وأكل الأكباد ...
لعلكّم مثلي أيها السادة ترغبون بالتفلّتِ من هذا الإرث الجهنميّ المقيت لأعراب النفاق والشقاق , والتنزّهِ قليلاً في أوروبا التي لم تفوّت على نفسها فرصةَ الاستفادةِ من تجربة الأمويّين والعباسيّين وتوسّعاتهم الكبيرة باسم الجهاد والدعوة حتّى أحرزوا مُلكاً عظيماً وجمعوا ثرواتٍ أسطوريةً باسم الفيء والغنائم والزكاة والجزية وهي موارد لا تنضب وتزداد بازدياد رقعةِ الحكم , وهو الأمر الذي حدا بمنظومة السلطة والحكم في أوروبا متمثّلةً بالتحالف بينَ الكنيسة و الملوك والأباطرة باستنساخ هذهِ التجربة , فمالوا عن حملاتِ التبشير إلى حملات الجهاد المقدّس لاستعادةِ بيت المقدس , وهم بذلك استبدلوا أجملَ ما طُبّقَ باسم المسيحيّة بأسوأ ما طُبّقَ باسم الإسلام , فقاموا بتنصيرِ السلاف والمجر والفايكنغ الوثنيّين لتوفيرِ وحشد المقاتلين الذين أعطتهم الكنيسة الوعد الكنسيّ بالخلاص وأغرتهم بالغنائم الوفيرة , وحتّى أنّهم جنّدوا الأطفال في الحملة الصليبيّة الرابعة , والحقيقة أنّهُ طيلةَ عهودِ الدولة الرومانيّة المسيحيّة لم ينل بيت المقدس هذا الاهتمام بعكس طرق التجارة والقوافل , وباستثناء كنيسة القيامة فإنّه لا شيء ذا أهميّة يُحسب لهم , لا بل قاموا بتحويل جبلِ الصخرة الذي يقدّسهُ اليهود ويسمّونه (جبل الهيكل) إلى مزبلةٍ للمدينة تُرمَى فيها الأوساخ والأقذار , وبقيَ على هذهِ الحال حتّى تسلّم الخليفة عمر بيت المقدس منَ الروم بموجب العهدة العمريّة التي تنصّ فيما تنصّ على عدم دخول اليهود إليها كشرطٍ لتسليمها , ولكنّ اليهوديّ كعب الأحبار كانَ قد اندسَّ بلباسِ الإسلام في خلافةِ عمر وكان معهُ يومَها , وهو من أرشدَهُ إلى مكان الصخرة في جبل الهيكل , فرُفِعَت القمامة عنها وتمّ تنظيفها وبناء مسجدٍ من الخشب عليها يتّسع لألف مصلّي , وحين أشارَ كعب أن يتمّ وضع المحراب بحيث يجمع قبلة موسى ومحمّد , تنبّه له الخليفة وقالَ لهُ : ( لقد ضاهيتَ اليهوديّة يا أبا إسحاق ) والصخرة هي التي نام في ظلها يعقوب (إسرائيل) في طريقهِ إلى بيت خالهِ ورأى بشارةَ فرجٍ ورفعة وتكاثرُ أهلٍ ومال في المنام , وكعبٌ هذا هو أيضاً مَن أخبرَ عمرَ أنّه سيُقتل بعد ثلاثة أيّام وكان ذلك بالفعل , ويبدو أنّه الأرومة الأصل التي استلهمتها أجهزةُ المخابرات في إدارة المتنبّئين والمُنجّمين أمثال حايك ومايك وليلى , وربّما هو أيضاً من دسّ حديث الدرع الذي قيلَ أنّ الرسول المصطفى رهنهُ عند يهوديّ من المدينة لقاء طعام اشتراهُ منهُ ولم يكن يملكُ ثمنه , فالدرع يرمز له اليهود إلى النبيّ داؤود الذي ألانَ الله له الحديد وكان يصنع الدروع , وإليه أيضاً ترمز النجمة السداسيّة أهمّ رموز اليهود التي يُسمّونها (ماجين داويد) أي درع داوود وهي نفسها خاتم سليمان , ولاحقاً تمّ بناء المسجد من الحجر وترميمهُ من قبل الأمويّين والعباسيّين والفاطميّين إثرَ ثلاث زلازل أصابتهُ حتّى استيلاء الصليبيّين على القدس عام 1099م فجعلوهُ مقرّاً لهم وإسطبلا لخيولهم , ثمّ مقرّاً لفرسان الهيكل الذينَ أطلقوا عليه ( معبد سليمان ) , وكأنّ كعباً آخر للأحبارِ قد اندسّ أيضاً تحت الصليب , وغير بعيدٍ عنهم كانَ فرسان مالطا يعملون كأطبّاء وممرضّين بعد أن بدؤوا كمنظمة خيرية لرعاية الحجّاج , وبنوا مشفى القدّيس يوحنّا في القدس فلقّبوا بفرسان المشفى وكانوا العين التي ترصد وتراقب وربّما العقل المدبّر أيضاَ , إذ أنّهم بعد اعتراف الكنيسة بهم عام 1113م لم يخضعوا لأي سلطة سواءً كانت دينيّة أو مدنيّة , وهم اليوم دولة معترف بها دولياً ولكنّها بلا أرض وبلا شعب يقودها السيّد الكبير وتشرف حصريّاً على عملِ الصليب الأحمر الدوليّ في كلّ بقاع الأرض , وعلى العديد من المنظمات الدوليّة التي كادت تبكي العالم على ما يعانيه أبو صقار الوديع الرقيق المسالم البريء ورفاقهِ العزّل المساكين من وحشيّة النظام السوريّ آكل الأكباد , لولا أن تبيّنَ حتّى للعميان أنّ الأمر معكوسٌ تماماً , وأنّ تلك المنظّمات أخطأت بين حليب الأطفال والمساعدات الإنسانية وغاز التدفئة للنازحين السوريّين وبين القذائف الصاروخيّة والمتفجرات وأجهزة الاتصالات وغاز السارين لمجاهدي سدوم ...
لم يكتفِ اليهود بدسّ حديث الدرعِ للإساءة إلى نبيّ الإسلام بل أضافوا قصّةً أخرى بأنّ يهود بني قينقاع اشتروا من المشركين مايدّعونَ أنّهُ درعَ الرسول وقد غنموهُ في موقعة أُحد يومَ هزمَ خالد بن الوليد المسلمين وكانَ ما يزالُ مشركاً , فتوارثوهُ جيلاً بعدَ جيل حتّى وصلَ إلى عائلة التاجر اليهودي مردخاي موشى في البصرة وهو الجدّ المؤسّس للعائلة السعوديّة أواسط القرن الخامس عشر فاستطاعَ بدهائه وخداعهِ لركبٍ من أحد عشائر قبيلة العنزة قدمَ من نجد إلى البصرة لشراء الحبوب أن يتسلّلَ إلى نجد كأحد أفراد قبيلة العنزة أبعدتهُ خصومةٌ عشائرية عن أهلهِ وربعهِ , وانتهى بهِ المطاف بعد فتن وغدر ومكر وزيجات وقتال إلى بناء الدرعيّة لهُ ولعائلتهِ وأنصارهِ الذينَ اشتراهم بالمال والخداع في موقع الرياض حالياً واستخدم قصّة الدرع الذي وصل إلى عائلتهِ دعايةً لجذب الأتباع وزرعَ نطافهِ القذرة في أرحام الأعراب فكانوا آل سعود ...
لم يرد في القرآن أيّ ذكرٍ في الحمد لبني إسرائيل باسم اليهود , بل ذُكِرَ مَن عُطِفَ منهم على المؤمنين بالذين هادوا كما في الآية الكريمة ( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين .. ) البقرة/62 بينما بقيَ اسم النصارى الذي عُرِفَ به المسيحيّون كما هو , وورد ذكرهم في غيرِ موضعٍ دونَ ذمّ ( هُوْداً ) كما في الآية الكريمة ( أم تقولونَ إنّ إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل ءَأنتم أعلم أم الله ... ) البقرة/140 , ولم يرد اسم اليهود إلاّ ذمّاً , أمّا ما يدّعونهُ من أصل التسمية بنسبتهم إلى يهوذا أحد الأسباط فإنّ هذا غير صحيح قياساً إلى ما يذهب الناس بنسبتهم إلى العظماءِ من أسرهم لا إلى من خملَ ذكرهُ , وكان الأَولى تسميتهم موسويّين نسبةً إلى النبيّ موسى صاحب الشريعة , ولا أجدُ أنّ سببَ تسميتهم باليهود أنّهم قالوا إنّا هُدنا إلى الله أي تبنا وما هو إلاّ تخريج ضعيف لأنّه ينطبق على جميع من آمنَ بالله وليس لقومٍ سواهم بعكس الذين كانوا أنصار المسيح إلى الله دونَ غيرهم فسمّوهم نصارى , لذا فإنّه على الأرجح أطلقَ عليهم اسم اليهود نسبةً إلى يهوذا الإسخريوطي الذي غدر بالسيّد المسيح بعدَ أن كانوا يُعرفونَ ببني إسرائيل كنسبةٍ قبليّة , حتّى صار اسم اليهود من الشتائم عندَ العرب فكانوا يقولون لمن ليسَ لهُ عهد يا ابنَ اليهوديّة .. ولأهل الغدر والخداع قومٌ يهود , وهذا نجدهُ أيضاً في نهجِ البلاغة إذ يقول الإمام ِ في كلامٍ له عن أحد الذينَ بايعوه ونقضوا العهد ( .. إنّها كفٌّ يهوديّة .. ) , وكما هو معروف فإنّه لم يتمّ تدوين الكتاب المقدّس إلاّ بعد قرون من عصر السيّد المسيح , ولمّا درجَ بنو إسرائيل على احتكار الشريعة لهم دونَ سواهم باعتبارهم أبناء الله فإنّهم لم يضمّوا إليهم أحداً , وهنا تبرز عقدة شعب الله المختار كظاهرة سابقة لعقدة الطائفة الناجية حتّى دعا السيّد المسيح جميع الأمم وانطلقَ تلامذتهُ بها في أصقاع الأرض وأوصلها بولس إلى روما فانكسرَ هذا الاحتكار وانتشرت الدعوة إلى عبادة الله ومن لم يؤمن من بني إسرائيل بالمسيح سُمّيَ يهوديّا بنسبتهِ ليهوذا الخائن وهذا الأرجح عندي في أصل تسميتهم باليهود , ولاحقاً قبل اليهود بهذه التسمية وتفاخروا بها , كما أنّ فكرة الأرض الموعودة لهم هي نفسها فكرة الدار الآخرة التي يُجازى بها الإنسان على أعمالهِ حيثُ خلود المؤمنين في النعيم الأبديّ , وتمّ الخلط بينها وبين ميل بنو إسرائيل إلى الانتقال من حالة البداوة التي عاشوها منذ زمن النبي يعقوب إلى حياة التمدّن والزراعة والتجارة , وقد عُرفوا بتحريف الكتب بما يوافق مصالحهم , وليسَ معنى العبرانيّين إلاّ البدو الرحّل الذين يلحقون الماء والكلأ لرعي مواشيهم , وهي الحياة التي انتقل إليها إبراهيم الخليل ومن آمنَ بهِ حينَ سئمَ دعوة الناس إلى عبادة الله وهم عاكفون على عبادةِ الأصنام والكواكب وتأليه الملوك وغارقون في الملاهي والمفاسد وارتكاب المعاصي فأخبرهُ الله بأنّهُ لن يؤمن إلاّ من قد آمن , وبرحيلهِ حلّ العذاب على القوم , واستمرّت كلمة الحقّ في أبناء إبراهيم وأحفادهِ تكريماً لتخلّيهِ عن متارفِ الدنيا في سبيل هذهِ الكلمة التي أتمّها الله بالقرآن الكريم مروراً بالتوراة والإنجيل فشملت رحمتها الضعيف والقويّ وتنزّلت أحكام شريعتها لتستوعب جميعَ أحوال الخلق على شكل برامج مفتوحة للتشريع ومواكبة كلّ طورٍ جديد ولكن الذين أعاروا جماجمهم للشيطان انغلقوا دونها على مكنونات جهلهم وقبحِ نفوسهم ..
عندما سعى اليهود لدى الرومان لقتل يوحنّا المعمدان ويسوع الناصريّ واضطهاد المؤمنين به , لم يكونوا ينالون من دمٍ آخر أو عرقٍ آخر بل من أقربائهم وأبناءِ جلدتهم رغم أنهم هم أيضاً لم يكونوا بعيدين عن سيوف الرومان ومجازرهم , أي أنّهم كانوا يفعلون كما فعلَ بالأمس شيوخ الناتو وقطعانهُ تماماً , وبعد أن تنصّرَ الرومان انقلبَ السحرُ على الساحر , وصبّوا جامَ غضبهم على اليهود فكانوا الأمّة الملعونة والمشكلة الكبرى لأوروبا طيلة العصور الماضية , ولاقوا أشدّ أنواع الاضطهاد والتنكيل واشتهروا ببذل أعراضهم وكرامتهم في سبيل الحفاظ على حياتهم وأنفسهم بتوجيه من حاخامات اليهود المرتبطين بتحالف وثيق مع أصحاب المال والثروات منهم , وكانوا يعيشون في أحياء منغلقة في أوروبا وروسيا بسبب احتقارهم ونبذهم من قبل الناس لما عُرِفَ عنهم من الجشع والطمع والغدر والخيانة , لتنمو في داخلهم مشاعر الحقد والكراهية والنقمة والرغبة المجنونة بالانتقام , وهيَ الحال التي يحرص على بقائها حاخاماتهم وأثريائهم إذ أنّها مصدر سلطتهم على هذا القطيع , فساهمت هذه العوامل في تشكيل الشخصيّة العامّة لهذا المجتمع التي تَعتبرُ المال وطنها وقدس أقداسها , وقد وجدَ يهود أوروبا في توجّهِ فرسان الهيكل إبان الحروب الصليبيّة لاستثمار فائض أموالهم وثرواتهم الطائلة التي جنوها من قرصنة طرق التجارة في الربا المحرّم كنسيّاً فرصةً لا تعوّض فنشأت علاقة سريّة قويّة تشدّ أواصرها المصالح المشتركة , وبعد عودةِ فرسان المعبد إلى أوروبا مهزومين اتُّهِموا بالخيانة وحاربتهم الكنيسة ووجدَ ملوك أوروبا الفرصة المناسبة للانقضاضِ عليهم والاستيلاءِ على ثرواتهم الهائلة ومقاطعاتهم الكبيرة والواسعة في أوروبا , فبقي قسمٌ كبير من ثرواتهم وكنوزهم عند شركائهم اليهود الذين طردوا من بلدٍ إلى آخر واستخدمهم ملوك أوروبا لمآربَ شتّى وجعلوا منهم شمّاعةً لتعليق الأخطاء والمفاسد والهزائم , ولكنّ الفرصة الذهبيّة أتتهم عندما خيّرَهم ملكُ فرنسا عام 1306م بين الخروج نهائيّاً من فرنسا أو الدخول في الدين المسيحي أو القتل , فتوجّه قسم منهم إلى الأندلس حيث التسامح الإسلامي واختار الباقون الدخولَ في المسيحيّة , فتسلّلوا إلى الكنيسة وصار منهم قساوسة لهم شأن كبير في توجيه الأحداث , كما استمرّت العلاقة السرية مع من تبقَّى من فرسان المعبد ليكونوا نواة التنظيم الماسوني الذي بدأت أولى محافلهِ بالظهور في اسكتلندا أواخر القرن السادس عشر , والحقيقة أنّ هذا التنظيم المدهش بدقّتهِ وسريّته وبأُطِره الجذّابة وشعاراتهِ البرّاقة كان حصان طروادة الذي حمل أفظع الشرور للإنسانية وكانَ اليهود المُتنصّرين أبرز المتسلّلين إلى جوفهِ وشكّلوا تنظيماً شديد السريّة خفيّ الأهداف داخل هذا التنظيم وتداخلت وتماهت معهُ مصالحُ أصحاب المال والثروات الكبيرة وتجار الحروب والقراصنة وجيوش المرتزقة , وفي هذه المنظومة المعقّدة انصبّت جهود علماء عباقرة وأدباء وفنانين انخدعوا بالشعارات الطنّانة والأهداف المعلنة ليكونوا أساس النهضة الفكريّة والثورة الزراعية في إنكلترا التي أدخلت الآلة والمحرّك والبخاري وآلة حفّار البذور وماكينة الدرس والحصد وصولاً إلى صناعة القطارات والسفن البخاريّة , وأدخلوا الأسمدة الكيماويّة إلى الزراعة فازدادت المحاصيل الزراعية بشكل متصاعد , واستفادت إنكلترا من أسطولها البحريّ الكبير بحكم حدودها المائيّة فطوّرته واتجهت إلى الاستكشاف والاستعمار في الجزر البعيدة لتأمين الأسواق لتجارة الصوف والذهب والحرير والتوابل ولاحقاً لمنتجاتها الزراعيّة والنسيجيّة فوصلت إلى أمريكا وإفريقيا وأستراليا والهند , وأنشأت شركة الهند الشرقيّة في آسيا وشركة الهند الغربية في أمريكا وأسّست أوّل مستعمرة لها في فرجينيا بعد انتصارها على الأسبان , وستتطوّر المنتجات الزراعية وآلاتها وستنطلق الثورة الصناعيّة بدءاً من الحاجة لتصنيع الفائض من الإنتاج الزراعي خاصّة وتصديرهِ وستتصاعد وتيرتها مع التحديث المستمر للسفن والقطارات ومع الحاجة إلى تطوير السلاح لحماية المصالح وتكريس قوّة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى بعد أن ضمّت إنكلترا واسكتلندا وأيرلندا الشمالية وويلز عام 1800م , وكانَ عصر العقل في بريطانيا عصراً ذهبيّا لجميع أنواع العلوم والأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصاديّة ستنطلق منهُ منظومة الحضارة الفرعونية الجديدة للسيطرة على العالم وستلعب في أوروبا وتطلق شرارة الثورة الفرنسية وشعلة الحركة الشيوعيّة وتنقلها إلى روسيا مستغلّة الوجود اليهودي فيها ليركبوا موجتها وستبقى بريطانيا وأمريكا خارج أيّ تأثيرٍ لهذه الموجة الاشتراكية لتحصين وطن المال من أيّ اختراق , كما ستستولي هذه المنظومة على إرث الإمبراطوريّة الهولندية وتحوّل إمسترادام الجديدة إلى ( نيويورك ) بعد أن قامت بشراء وتجميع الفضة من إنكلترا عندما حوّل السير إسحاق نيوتن الجنيه من الفضة إلى الذهب خلال رئاسته لدار سكّ العملة في إنكلترا والتي تولاّها حتى وفاته , فكانَ أن وضِعت الأسس النقديّة في الولايات المتحدة على أساس الفضّة تحتِ رعاية بنك إنكلترا زمنا طويلاً حتّى تمّ تحويله إلى الذهب واستقلّت منظومة العمل في الولايات المتحدة لتتكامل الأدوار وتمتدّ حبال السيطرة والتأثير وأصبحَ الدولار عملةً عالميّة تخلّت عن الذهب لصالح القوّة الغاشمة وعنجهيّة الاستبداد بعدَ حربين عالميتين بسطا النفوذ الرأسمالي على مناطق الذهب الأسود الذي تحوّل إليه الدولار فاسودّ كلّ شيءٍ في هذا العالم والتهبت شرايينه الأخطبوطيّة ...
إضافة تعليق جديد