ولع النساء بالأبراج والخرافات
إلى أي مدى تتدخّل الأبراج في حياتنا؟ وهل نصدّقها ونمشي وراءها وإن كنا في أعماقنا نحار فيها ونشكك في مضامينها؟ أم إننا نقرؤها من باب الفضول والتسلية والموضة اليومية؟ وهل النساء فقط مهووسات بها، أم للرجال نصيب من حب الفضول لمعرفة ما تخبئه الأبراج؟!
تميل النساء بشكل عام إلى التعلق بالأوهام والخرافات، وإلى سرعة تصديق ما يتعلق بحياتهن اليومية، فهن كائنات شفافة ورقيقة، شديدة الحساسية والتأثر بالمحيط الخارجي، كما أن خوفهن الدائم وقلقهن من المجهول والمستقبل يجعل من الغيبيات والتوقعات هاجساً يملأ حياتهن ويشغل عقولهن. وأظهرت دراسات تركزت على أشخاص يؤمنون بالخرافات أن النساء يفقن الرجال عدداً بما لا يقل عن نسبة 2 إلى 1، في مجتمع معين، حيث لا تتمتع النساء بنفس النفوذ والهيمنة على حياتهن مثل الرجال، فينزعن للإيمان بأشياء خرافية.
فالسيدة «سهام»، وهي ربة منزل، وأم لثلاثة أطفال، هي من النساء اللاتي لا يمر يوم دون أن يقلّبن صفحات المجلات والجرائد، بحثاً عما تخبرهن به الأبراج، «ولكن للتسلية واللهو لا أكثر ولا أقل «هذا ما تعترف به. وتتابع قائلة: « العلاقة بين المرأة والأبراج علاقة قديمة، أساسها الرغبة في تمضية الوقت ودخول لعبة تزداد تعلّقاً بها، كما تبيّن لنا صدق ما نقرؤه أو على الأقل قربه مما يحدث معنا، لهذا فحين تصدق توقعات الأبراج أشعر بفرح من عرف بالخبر قبل وقوعه. كما أنني قبل زواجي تعمّدت أن أسأل عن صفات الرجل القوس، لأعرف ما إذا كان متطابقاً معي، فالدخول في تفاصيل الآخر يبدو مشوقاً ونحن على عتبة حياة جديدة غامضة عنا، لهذا درست برجه، وتعرفت إلى طباعه، وكان بحق نسخة من الكلام الذي كتب عنه».
لكن في بعض الأحيان، تصبح قراءة الأبراج طقساً يومياً لا غنى عنه، «فالصباح من دون جريدة وقراءة الأبراج لا يكون صباحاً». هذا ما تصّرح به «غنوة» وهي موظفة وعازبة تنتظر نصيبها! «علاقتي مع برجي علاقة يومية، أبدؤها مع فنجان القهوة اللذيذ، من أجل أن أعرف ما الأشياء التي يحضّرها لي نهاري الطويل، فأنا بصراحة لا أتحّرك ولا أبدأ عملي إلا بعد معرفتي لطالعي في هذا اليوم».
هذا التقّبل من قبل «غنوة» لكل ما تقرأه في برجها لم يأت من باب الإيمان الأعمى، فكل قناعة لابد من أن تركز على قاعدة تمكنها من الرسوخ فينا أكثر. «فغنوة» لا تشبّه ما تقوم به «بالعادة اليومية» لأنها باتت اليوم جزءاً مهماً من الأشياء التي تقوم بها دون تفكير.
وعن تدّخل الأبراج في تحديد علاقتها مع الناس تضحك قائلة: «من غير الممكن أن أقتنع بأن صاحب برج الحمل يناسبني، فأصحاب هذا البرج لا يتوافقون معي، وإن كانت صفات البرج في الظاهر جيدة، لكن الحمل برج خارج تماماً عن دائرة علاقاتي الاجتماعية، ولن يدق قلبي لرجل من برج الحمل حتى ولو لم يبق هناك رجال في العالم.
وتتحدث «أروى» عن علاقتها ببرجها السرطان قائلة:
«ليست الرسالة وحدها من تُقرأ من عنوانها، كذلك البشر كل يُقرأ ويعُرف من برجه، فأنا صورة عن ملامح برجي، وأحمل ميزاته التي يتصدّرها في الإتقان وتقديم الصورة في أحسن شكل، ما يجعلني لا أشكك في أيّ كلمة يقولها برجي عني. والعلاقة مع البرج لا تدخل في دائرة ضيقة اسمها «أنا» فحتى الناس يثقون بالبرج، كما أنهم يضعون ثقتهم في صاحبه، وهذا ما يحدث حين يوكلني أحدهم بعمل ما، فلسان حاله ومنذ البداية يقول (أنتِ لها) فبرج السرطان (على قد المسؤولية) ولن تخذلينا أيتها المرأة السرطان».
ولأن «أروى» لا تفصل بين البرج وحامله نراها تُكمل:
«من ينتمي إلى برج الجوزاء أبعد ما يكون عند حلقة أصحابي، أنه إنسان لا يعرف ماذا يريد، أناني ولا يفكّر إلا في نفسه، الأمر الذي يبعده عن الناس في مسألة تعاطيهم وعلاقتهم معه».
غير أن من يظن أن التعلق بالأبراج، ميل نسائي بحت فقد أخطأ التقدير فللرجل أيضاً نصيب في تلك العلاقة، غير أنه لا يعتمد عليها اعتماداً كاملاً، ولا يجعل منها محور حياته.
فيقول «زهير» وهو موظف في بنك. «مصادفة أقلّب الأبراج أمامي من دون أن أسعى إليها، وأعرف أنني في نقاط كثيرة ألتقي وبرج الدلو فأنا كما قرأت عنه، عنيد وخجول، وشاءت المصادفة أن تكون زوجتي مثلي من برج الدلو، ما يجعلنا متوافقين، كما تقول الأبراج، عن الرجل والمرأة الدلو، وهذا التوافق في نظري من قبيل المصادفة ولا يبرّر أن يبحث كل رجل عن شريكته في البرج ليحقق معها الانسجام المطلوب، فكم من عثرة تصادف العلاقة الزوجية وكم من مفاجأة، لا الأبراج ولا التوقعات بقادرة على حمايتنا منها. لهذا علينا ألا نمشي وراء وهم العلاقة بيننا وبين برجنا، إنها علاقة أوجدناها بأنفسنا ولن نجني منها إلا التسلية. وكثيراً ما قرأت في برجي «يوم ملبّد بالغيوم» من دون أن أعير هذا التنبيه أية أهمية، فهل أترك الاتكال على الله وأتكل على البرج لأحدد الأماكن التي أقصدها والتي أمتنع عنها؟!!.
وبين الجهتين يقف «ماجد» ليكشف عن علاقته ببرجه:
«أنا من برج الدلو، البرج النشيط الخجول، وفي الوقت نفسه البرج المتردد الذي لا تأتي قراراته بسرعة إلا بعد طول تفكير، وما تخبرنا به الأبراج ليس صف حكي» لكنه في الوقت نفسه «ليس معادلة رياضية ثابتة، فلكل منا قناعاته فيما يتعلق بعلم الفلك والأبراج وأعتقد أن هذه القناعات مأخوذة من تجربتنا الشخصية التي تحدّد ما نؤمن به لاحقاً»، وأنا آخذ ما أريده من كلام الأبراج وأترك ما لا أقتنع به وهكذا، فقد عملت بعض التوازن بين صدق الأبراج من جهة، واستحالة الاعتماد على ما تقوله من جهة أخرى، باعتبارها لا تمثّل شيئاً يذكر أمام قدرنا ونصيبنا في الحياة.
في نهاية المطاف هل نحن مع مقولة «كذب المنجّمون ولو صدقوا» أم نترك لنسائنا ورجالنا في هذا الزمن الصعب فسحة من اللهو المباح، يتخيلّون فيه مستقبلاً واعداً وحلولاً وفرصاً ذهبية، يعجز الواقع عن تحقيقها؟. فلربما تعززت نظرتهم إلى الحياة، وامتلأت نفوسهم غبطة وسروراً بانتظار ما هو أجمل وأحلى...
هبة الله الغلاييني
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد