يسار كما يريده اليمين
بداية، من الضرورة بمكان التمييز بين يساري وماركسي أو شيوعي، بمعنى الموقف الفكري والطبقي تحديداً، وفي النهاية السياسي. فاليساري ليس شرطاً ان يكون اشتراكياً حتى لو زعم ذلك، هذا مع أن كثيراً من القوى والمثقفين الشيوعيين والماركسيين ليسوا كما يزعمون كذلك. ولعل اليسار الذي اجتمع في الرباط، (انعقد في مدينة الرباط في المغرب يومي 20 و21 فبراير 2015 اللقاء اليساري العربي الخامس في ضيافة حزب التقدم والاشتراكية المغربي بحضور ممثلين عن 13 حزباً يسارياً من 10 بلدان في العالم العربي) هو من طراز الاشتراكية الدولية التي هي يمين عملياً، والتي أغلبها غرب امبريالي بامتياز.
ليست هذه العجالة لمناقشة مجمل بيان هذه الأحزاب اليسارية من قطريات عربية عدة، ولكن هناك قضايا وردت في البيان لا يستطيع المرء إغفالها لا سيما أنها تشي بثغرات في سياسة هذا اليسار مثيرة للنقد وتستدعيه بقوة.لعل أخطر ما في هذا اليسار أنه يسار قُطري بامتياز، مجزأ ومقسَّم بحسب القطريات
بداية لم يتحدث المؤتمرون قطعاً عن المقاومة اللبنانية ولا عن صف واصطفاف المقاومة والممانعة، وكأن هذا الفريق ليس موجوداً! فلا يمكن لمراقب حتى، مهما كان منحازاً، أن لا يذكر حزب الله في لبنان حتى لو بالنقد. فمن يعتبر الكيان الصهيوني الاشكنازي هو العدو الرئيسي للأمة العربية (طبعاً كلمة الأمة العربية او العروبة لم تمر في البيان وهذا من مخلفات التحريفية التابعة للسوفيات) لا بد أن يذكر المقاومة الشريفة والجريئة التي على الأقل صدت العدوان الصهيوني، ولا نزعجهم بالقول هزمته. ناهيك عن دور حزب الله في الدفاع عن سوريا والدوس على الحدود القُطرية. ولا يستطيع المرء وصف هذا التجاهل أو فهمه بعيداً من الشعور بالعجز أمام بطولات هذه المقاومة من جهة، ناهيك عن وجود جذر رسمي عربي قطري وتابع يشد هذا اليسار، هذا إذا لم يكن جذراً طائفياً. لذلك، طبيعي ان نقول بأن اليسار ليس المصطلح ولا الموقف الثوري بالضرورة.
ولعل ما يشي بطائفية هذا اليسار وحتى مذهبيته هو ما ورد في النص عن اليمن:
«... وفي هذا الإطار يعبر عن رفضه استيلاء مليشيات مسلحة على السلطة في اليمن، ويدعو إلى العودة إلى الحوار والتوافق لإقرار مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية تضمن حق الوجود والتعبير لكل القوى السياسية وحسم الصراع سلمياً».
لا أحد يسمي ما حصل في اليمن استيلاء على السلطة سواء بالسلاح أو بالورود. فالنص أعلاه هو انسجام مع موقف الإمبريالية ضد انتفاضة وطنية اجتماعية سياسية واجهت أنظمة الدين السياسي الخليجية التي أجهضت الحراك اليمني على مدى اربع سنوات، وهو موقف لصالح قوى الدين السياسي في اليمن بدءاً من حزب الإصلاح وصولاً إلى القاعدة. ولو وجد انصار الله طريقاً اسهل لما لجأوا إلى «زنق» هادي حتى هرب. هل سينجح انصار الله في الاحتفاظ وتوسيع تحالفهم؟ هذا أمر آخر. أما هروب هادي إلى عدن وانتقال سفيري السعودية وقطر إلى هناك، فهو تورط انفصالي قطري بوضوح. ومع ذلك يدين هذا اليسار حركة أنصار الله!
ولعل أشد البؤس إلى حد التهافت التام ما ورد عن الخليج العربي (طبعاً لم يذكر البيان كلمة عربي): «... كما يشجب المضايقات التي يعاني منها العمل السياسي عامة والتقدمي بشكل خاص في بلدان الخليج، ويتضامن مع الحركة التقدمية الكويتية لما تتعرض له من قمع وتضييق على نشاطها السياسي، ومع نضال شعب البحرين من أجل حقه في الحرية والديمقراطية والكرامة».
طبعاً، لا شك في أن نضال شعب البحرين يستحق الدعم والتأييد المفتوحين وحتى إن أمكن المشاركة. ولكن هل الدور السياسي السلطوي في بلدان الخليج العربي هو فقط المضايقات على العمل السياسي والتقدمي؟ أليس هذا غزلاً لأنظمة تمنع وتقمع اي عمل سياسي. ليست هناك من سياسة في الخليج العربي سوى سياسة السلطات الحاكمة أو العمل السري المقموع حتى القتل. فهل يوصف هذا بالمضايقات! في أنظمة لا يحق للمرأة ان تكون إنساناً بل أداة متعة احتياطية بعد «فراشات الليل»!
أما الفقرة التالية فتنم عن موقف مضاد لسوريا ولكنه يحاول التستر وراء عموميات:
«... يحيي اللقاء اليساري العربي كل القوى اليسارية والوطنية والديمقراطية والشعبية في العراق وسوريا ولبنان والأردن على صمودها ومواجهتها للإرهاب الأصولي وللطائفية، ورفضها الانخراط في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية. ويتضامن مع اليسار العراقي وكل القوى الوطنية الديموقراطية في نضالها ضد نظام المحاصصة الطائفي وفي مواجهة تنظيم داعش الإرهابي. ويدعم اللقاء قوى اليسار في لبنان في معركتها الكبرى لإلغاء النظام الطائفي وإرساء نظام ديمقراطي تعددي حقيقي، يسمح لكل قوى الشعب بالحضور في المؤسسات المنتخبة بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفي واللاديمقراطي. كما يدعم القوى اليسارية وكل القوى الديمقراطية في سوريا في وقوفها ضد التدخل الأجنبي، وسعيها لإيجاد حل سياسي وطني ديمقراطي للأزمة السورية يضمن وحدة شعب وارض سوريا».
فما يحصل ضد سوريا يستحق بنداً خاصاً، بل البند الرئيسي من جهة، ويستحق تسمية الأسماء بمسمياتها، اي الأنظمة والقوى التي تشن حربا على سوريا وتسمية قوى المقاومة في سوريا سواء النظام او الجيش او الشعب أو حزب الله او المتطوعين العرب. فما يدور في الساحة السورية هو خطير ومفصلي لا يجوز التعامل معه بهذه الدرجة من التسطيح الذي يبدو حيادياً، وهو في الحقيقة منحاز لمعسكر الثورة المضادة حتى لو نقدها ببعض الكلمات. إن التعاطي باستخفاف مع الحرب المعولمة ضد سوريا ومع صمود سوريا هو موقف معادٍ للمقاومة والممانعة. أما حصر الحديث عن سوريا في ما يسمى اليسار والقوى الديمقراطية، فلسوء الحظ، هؤلاء ليسوا ربما قيد وزن خردلة حين نقرأ الفعل والفاعلين السوريين في مواجهة الثورة المضادة. هذه الدرجة من الاستخفاف تنم عن قهر داخلي اساسه العجز بدل نقد الذات على تقصيرها وهذا في احسن الأحوال.
ثم هل كل القوى اليسارية في سوريا هي حقاً ضد التدخل الأجنبي؟ أليس التروتسكيون مع العدوان بلا مواربة؟ هل هذا موقف هذا اليسار؟
أما الحديث عن اليسار العراقي ككتلة واحدة فهو عين الخلط. فالكثير من اليسار العراقي هتف وتعاون مع المحتل الأميركي ومع القيادة الطائفية الحاكمة، فهل هذا الخلط عفوي ايضاً؟
جميل أن يُذكر نضال اليسار في لبنان ضد الطائفية، ولكن أليس من حق المقاومة أن تُذكر وهي تتصدى حقيقة لثلاثي الثورة المضادة وخاصة الصهيوني؟ أم ان حزب الله ليس بنظر هذا اليسار سوى حزب طائفياً مقيتاً!
لعل أخطر ما في هذا اليسار، أنه يسار قُطري بامتياز. مجزأ ومقسَّم حسب القطريات. لذا لا تجد في خطابه كلمة عربي أو وطن عربي قطعياً سوى ما ورد في عنوان البيان. والمسألة هنا ليست مسألة تعصب قومي، ولكن خطابهم ذو دلالة على انحصار قطري.
ليس هذا النقد للمتعة او المماحكة، بل على الأقل مساهمة متواضعة ليلتقط القارئ خطورة الخطاب المنافق والمساوِم الذي يهدف حصر اليسار في خطاب يميني بغلاف يساري.
عادل سمارة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد