الكاتب خطيب بدلة يعتذر عن خطأ لم يرتكبه
خطيب بدلة: وُضِعتُ، أنا محسوبَكم كاتبَ هذه الأسطر، خلال الأيام الماضية، في موقع الإنسان الذي يحب بلده إلى حدود العشق، ويتنفس هواء حبها مع النسيم العليل، ولكن، فجأة، يأتيه مَنْ يسأله على حين غرة:
- هل حقاً أنك تحب بلدك؟! أم أنك لا تحب بلدك؟!!!!
فيجد نفسه، يا حبة عيني، في موقع المدافع عن نفسه، الذي يحاول أن يثبت لسيل جارف من السائلين المستفهمين أنه، بالفعل، يحبها..!!
وأؤكد أن نسبة كبيرة من الناس الذين وجهوا إلي هذا السؤال، حول هذا الموضوع، هم من الذين يحبونني، ويعرفون أنني أحب بلدي، وأن هذا الحب من العلامات الفارقة في شخصيتيَّ الإنسانية والأدبية، ولكن هؤلاء المحبين (زمغتهم) الأقاويلُ التي شرع (بعضُ) الأشخاص الذين لم أكن أعرف أنهم يكنون لي الكثير من الضغينة، ولا أدري سبباً لهذه الضغينة، فلجؤوا إلي يسألونني عن حقيقة الموقف، فذكرني سؤالهم بقول المتنبي في سيف الدولة الحمداني:
ما لـي أكَتِّمُ حُبَّاً قد برى جسدي وتَدَّعي حُبَّ سيـف الدولة الأممُ
إن كان يجمعُنا حُـبٌّ لغـرتـه فليت أنَّا بقدر الحُـبِّ نقـتـسمُ
المهم أن المسألة، بالنسبة إلي، باختصار، هي التالية:
لأنني، أنا محسوبَكم، أكتب على نحو ساخر، وأحياناً على نحو ضاحك، وأمتلك بعض الجرأة الفنية، فقد دأب عددٌ كبير من المواقع الإلكترونية على نقل مقالاتي، ونشرها، وأحياناً يضع بعض القراء عليها تعليقات أغلبُها جيدة، ومشجعة، وأقلُّها سيئة، وللطرافة أذكر لكم أنني وُصِفْتُ، خلالها بكلمات من قبيل (خطيب بدلة كلب! عميل أجهزة.. إلخ).. وأنا لا أنزعج من هذا الأمر، وسبق لي أن صرحتُ بأنني أوافق على نقل أي مقالة لي- كما هي- شريطة ذكر المصدر، وخلال السنوات الماضية، وجدتُ- بالبحث في جوجل- مقالات لي منشورة على مواقع إلكترونية أعرفها، ومواقع إلكترونية لم أسمع بها، بعضها قابلة للفتح، ومعظمها مشفرة.
وللتوضيح أكثر أقول: إنني أكتبُ زاوية (حديث الصباح) في جريدة البعث السورية، صبيحة كل يوم إثنين، وفي يوم الإثنين الماضي (14 / 2 / 2010) كان عنوان زاويتي هو "عيد الحب في إدلب"، (سأثبت نصها الكامل في نهاية هذه المقالة)..
الموقع الإلكتروني (syria all) أخذ مقالتي المعنونة (عيد الحب في إدلب)، في اليوم نفسه، ووضع لها مقدمة ورد فيها ذكر كلمة (اللواطة)، وقرن هذه الصفة بمحافظتي التي أعشقها، وذلك من قبيل الدعابة..
وكانت دعابة ثقيلة، بالطبع، وسمجة، وغير موفقة، وبعيدة عن الواقع والمنطق. ولأن ابن بلدنا الأستاذ عدنان عبد الرزاق هو صاحب الموقع فقد اتصلت به واستوضحته عن الأمر، فأخبرني أن ثمة من أرسل إليه هذا التعليق، وهو قد تسرع فنشره معتقداً أن الأمر سيؤخذ على سبيل المزاح، فطلبت منه حذفه، ووعدني بذلك.
في اليوم التالي، وأنا في مديرية الثقافة بحلب، ضمن ندوة قصصية، أعلمني أحد أصدقائي عبر الموبايل أن المقالة سببت ردود فعل غاضبة (وأنها لم تحذف بعد)، وأن صديقنا المشترك الأستاذ بسام القاضي قد تناول الموضوع محتجاً على الإساءة لشعب إدلب، وصديقنا المشترك الآخر الأستاذ أيمن عبد النور تناول الموضوع ذاته على نشرة (كلنا شركاء).
بعد عودتي إلى إدلب اطلعتُ على ما نشر، وعلقت عليه بأنني غير مسؤول عما حصل، ولكن هذا لم يكن كافياً، وفي اليوم التالي قدمت قناة (الأورينت) تحقيقاً عن الموضوع ذاته، واتصلوا بي هاتفياً من دبي، وأوضحت لهم حقيقة الموقف.
وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ عدنان عبد الرزاق نشر على موقع (syria all) اعتذاراً لشعب إدلب عن الموضوع..
الآن، إن رأي محسوبكم كاتب هذه الأسطر هو التالي: إن الخطأ الذي ارتكبه موقع (syria all) بحق أهلنا في محافظة إدلب، هو خطأ بالغ السوء والإزعاج، ولكنه غير مقصود، ومن خلال معرفتي بالأستاذ عدنان عبد الرزاق أنه إنسان طيب، ومتواضع، وخدوم، وحب للبلد، ومن خلال عمله في صحيفة البعث وفي موقع (syria all) يبدي استعداده دائماً لتقديم أية خدمة لأي إنسان من البلد.
وأنا بدوري، ومع أنني لم أرتكب أي خطأ بحق أهل بلدي، أعتذر لهم، ويمكنهم أن يلاحظوا أن مقالاتي نفسها التي دارت حولها القضية كُتبت بهاجس حب إدلب وأهلها.
ـــــــــــــــــــ
نص مقالتي في البعث، حرفياً، هو:
عيد الحب في إدلب
يمكن للإنسان الإدلبي أن يكسب القضا بالرضا، ويمضي يوم عيد الحب في إدلب!
قال أحدهم: من أين طلعتم علينا بنغمة عيد الحب، وما حُبْ؟! إنْ هي إلا عادة غربية.
قلنا له: أمرك، هي غربية، أو لعلها شرقية، أو شمالية، أو جنوبية، أو من إحدى الجهات التي لا تستطيع البوصلة أن تلتقطها. المهم أن فيها ذلك الشيء الذي نكاد نفقده، ونعلن اسمه في مكبرات المساجد، طالبين له الرحمة والسلوان، ثم نصلي عليه صلاة الحاضر، الغائب.. أعني الحب.. قل لي بصراحة: أأنت ضد الحب؟
قال: لا والله.
قلنا له: إذن اتركنا نساهر يوم الرابع عشر من شباط، ونودعه على طريقة عمر الخيام الذي كان يُرعبه مرورُ الزمن، فقال:
أتدري لماذا يُصبحُ الديكُ نائحاً
يرددُ لحنََ الموتِ في غُرَّةِ الفجرِ
ينادي: لقد مرَّتْ من العمر ليلةٌ
وَهَا أنتَ لم تشعرْ بِذَاكَ ولا تدري
أو على طريقة الأخوين الرحباني اللذين كانا يحسبان العمر بالدقيقة، فلا يسمحان ليوم منه أن يُهْدَرَ إلا على سبيل المغامرة، بدليل أنهما كتبا في أغنية (سهار) التي لحنها محمد عبد الوهاب:
وما دام إنك هون- يا حلم ملو الكون- شو هم ليل وطار؟- وينقص العمر نهار!.. بس سهار.
يمكنك أن تمضي عيد الحب في إدلب، مع أن هذه المدينة العزيزة لم يعد فيها مكان صالح للسهر وإمضاء بضع ساعات صاخبة.. وجراسين المطاعم يتناوؤون من الأبواب والشبابيك عسى أن يغيثهم المولى بمسؤول، برتبة محافظ أو شيء من هذا القبيل، وبصحبته ضيوف من خارج المحافظة أو من داخلها، ليتراكضوا أمامه وخلفه، باعتبار أن فاتورته تغطي جزءاً من تكاليف المطعم الثابتة.
ليس من الضروري أن تمضي عيد الحب في مطعم، أو ملهى. إركب سيارة وجُل في شوارع إدلب، تَرَ ما يسليك ويُطربُك.. وبالتالي يمكنك أن تُعَيِّد.
قال لي الميكانيكي أبو صبحي، بعدما انتهى من إصلاح سيارتي:
- سأصحبك، في مشوار، القصد منه تجريب السيارة، والتأكد من أن إصلاحها تم على ما يرام.
قلت: على كيفك.
وخرجنا من قرب مرآب سومر على المحلق الشرقي. وصلنا إلى منتصف الطريق المزفت، فوجدنا شيئاً عجيباً: إنه عمود كهربائي مزروع في وسط الطريق العام المزفت مثل الخازوق!
قال أبو صبحي: إن من يرى هذا العمود من بعيد سيتوقع أنا أي سيارة ماشية، إذا سها سائقها لمحة بصر، سيصدمه، أما الذي يقترب منه فسيرى أن العمود مضروب من جهة الجنوب ومائل باتجاه الشمال.
وقال إنه تقصد أن يريني هذا المنظر وهو يعلم أني لي يداً في الصحافة، وتوقع مني أن أذهب إلى مجلس المدينة، أو إلى شركة الكهرباء، فأعلم المسؤولين عنه لكي يقتلعوه ويغيروا مكانه، أو أكتب عنه في صحيفة إدلب المحلية، وهو لا يعلم أن معظم محافظات فيها صحف محلية تابعة لمؤسسة الوحدة.. عدا إدلب الخضراء.
قلت له، بجدية تامة: شغلته بسيطة، إن ضربة تأتي العمودَ من الشمال، إذا كانت قوتها تعادل قوة السيارة التي ضربته من الجنوب، سوف تُرجعه عمودياً على الأرض كما كان حينما زرعوه في وسط الطريق، لأن الدارس لمبادىء الفيزياء الأولية يعرف أن محصلة قوتين متساويتين متعاكستين هو الصفر!
وقلت لأبي صبحي إن وجود هذا العمود في وسط شارع إدلبي يعطي للمدينة أهمية خاصة، فأهلها لا يوجد ما يدعوهم لأن يسافروا إلى قلعة سمعان ليروا العمود الأثري الذي كان يجلس فوقه الناسك سمعان العمودي، أو إلى مدينة سرمدا ليتفرجوا على عمودها الأثري، ولا حتى إلى مدينة سراقب ليتفرجوا على العمود الخاص بتقوية الإرسال الإذاعي، فلديهم عمود خاص بهم! ولا أحد أحسن من أحد!
وإذا كنت، يا صاحبي، ستستعيض عن تناول الطعام والهيصة والدبكة في عيد الحب، بالفرجة على الأشياء المسلية، فما عليك إلا أن تقف أمام مبنى اتحاد الحرفيين، وتنظر إلى الغرب مسافة مئة متر، إلى ما قبل المبنى الإداري لنادي أمية، لترى داراً عربية ذات زاوية نابقة إلى وسط الشارع عند تقاطع ثلاثة طرق، وهي أشبه ما تكون بذلك العمود الظريف المزروع في وسط (كروزة) المحلق الشرقي، والسائق القادم من الغرب، أو من الشرق، أو من الشمال، إذا كان يخاف على نفسه من الوقوع في حادث أليم، سيقف وينزل من سيارته ويتناوأ على الشارع من الطرفين الآخرين، ثم يصعد إلى سيارته، ويقرأ آية الكرسي على نية النجاة، ثم يعبر الطريق.. (يفعل ذلك خشية أن يصاب بأذى، وهو يعرف أن الواقع الصحي في إدلب لا يوجد أسوأ منه في القطر العربي السوري).
ذات مرة وجهت لأحد موظفي مجلس المدينة السؤال التالي: لماذا لا يستملكُ مجلسُكم هذا البناء ويزيله حفاظاً على أرواح البشر؟
قال: إنه ملك لمجموعة من الورثة.
قلت: ماذا تقول؟ أنا واثق، والله يشهد على كلامي، أن مجلسكم الموقر، لو كان في إدلب قلعة أثرية، وأراد أن يستملكها، لاستملكها وأزالها من الوجود.
التعليقات
الأشجار المثمره ترمى بالحجاره
إضافة تعليق جديد