زيارة السفيرين ... قانونياً ... وسياسياً
الجمل ـ عبد الله علي: نصوص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة عام 1961 واضحة في تنظيم حق السفراء في التنقل ضمن أراضي الدولة التي يعملون بها، وفي تحديد الضوابط التي تحظر عليهم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة.
فالمادة 26 من هذه الاتفاقية تنص على:
((مع ما تقضي به القوانين والتعليمات من المناطق المحرمة أو المحدد دخولها لأسباب تتعلق بالأمن الوطني – على الدولة المعتمد لديها أن تمكن لكل أعضاء البعثة الحرية في التنقل والمرور في أراضيها)).
أما المادة منها 41 فتنص على:
((مع عدم المساس بالمزايا والحصانات , على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها , وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدولة.
كل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها)).
وبالتالي فإن زيارة السفير الأمريكي والفرنسي إلى مدينة حماة، محكومة بنص هاتين المادتين. وهنا لا بد من ملاحظة ما يلي:
1- بالنسبة للمادة 26 التي تتحدث عن حرية أعضاء البعثة الدبلوماسية في التنقل والمرو، فإنها اشترطت عدم مخالفة ذلك للقوانين والتعليمات من المناطق المحرمة أو المحدد دخولها لأسباب تتعلق بالأمن الوطني. وبما أن مدينة حماة ليست منطقة محرمة ولم يصدر أي قرار يمنع دخولها لأسباب تتعلق بالأمن العام، فإن زيارة السفيرين قد تكون موافقة للقانون الدولي، إلا إذا كانت وزارة الخارجية السورية قد وضعت تعليمات خاصة لتنقل السفراء وأبلغتها إليهم. فعندئذ تكون الزيارة مشمولة ببند مخالفة التعليمات التي يقصد بها تعليمات وزارة الخارجية بشكل خاص كونها الأكثر تعاملاً مع سفراء الدول الأجنبية.
2- حتى لو كانت الزيارة متوافقة مع مضمون المادة 26 لكنها تنطوي على مخالفة جسيمة للمادة 41 من اتفاقية فيينا التي تحظر على أعضاء البعثة الدبلوماسية التدخل في الشؤون الداخلية للدولة التي يعملون بها، وأن يبحثوا المسائل التي تدخل في مجال اهتمامهم مع وزارة الخارجية حصراً.
وبما أن الثابت هو قيام السفيرين بزيارة مدينة حماة التي تشهد احتجاجات ضخمة ضد السلطة، وتزامنت هذه الزيارة مع انطلاق مظاهرة في ساحة العاصي، حيث شوهدت سيارة السفير الأمريكي بين المتظاهرين، فإن هذا التصرف يعتبر حسب قواعد القانون الدولي مخالفة للأعراف الدبلوماسية. ناهيك بعد ذلك عما يقال عن اجتماع السفير مع شخصيات سياسية معارضة أو مع "مخربين" فإن المخالفة تثبت بمجرد تواجده في مكان المظاهرة دون حاجة لأي تبرير آخر.
لكن وبغض النظر عن مخالفة هذه الزيارة للقانون الدولي أو الأعراف الدبلوماسية، وعلى فرض أنها مباحة قانوناً، فإنه مما لا شكَّ فيه أنها ترقى إلى مستوى "الغزوة" الحقيقية للحصن الشعبي والسياسي الذي يسوِّر دولة الممانعة في سورية، ويضرب بعمق مزاج الشارع الرافض للأسلوب الأمريكي في التعامل مع الدول الأخرى بفوقية وعنجهية، كما يمس الشعور الوطني الذي جرحه وما زال ما جرى في العراق ولبنان من ويلات وصراعات دموية بسبب التدخل الأمريكي.
لذلك حسب اعتقادي، كان من الخطأ موقف بعض رجال المعارضة من هذه الزيارة ولا سيما منهم لؤي حسين وميشال كيلو اللذين لم يدينا ولم يرحبا بهذه الزيارة صراحةً، واستخدموا عبارات دبلوماسية لا تعطي جواباً شافياً. وكان الأجدر بهم أن يسارعوا إلى إدانة السفير الأمريكي بغض النظر عن العلاقات الشخصية معه، وأن يرفضوا ما تنطوي عليه هذه الزيارة من شبهة التدخل في الشؤون الداخلية على الأقل، إن كانوا لا يرون فيه إثباتاً كاملاً للتدخل.
أما موقف اتحاد تنسيقيات الثورة المعبر عنه في البيان الصادر عنها حول هذه الزيارة، فهو مدان جملة وتفصيلاً، ويوحي مرة أخرى بالضعف السياسي الذي تعاني منه هذه التنسيقيات وعدم قدرتها على فهم الواقع وإدراك نقاط القوة والضعف فيه، وذلك لما يلي:
1- أشادت التنسيقيات بزيارة السفير الأمريكي على حماة، محاولة تفسير الزيارة على أنها دعم أمريكي لثورتها واستغلال هذا الدعم لتظهير نفسها على أنها مركز قوة قادر على الاستقطاب. لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب السوري بكافة فئاته يحمل مشاعر وطنية مضادة لأي تدخل خارجي وخاصة الأمريكي وأنه لا ينظر بعين الاحترام إلى أي حراك يكون لأمريكا يد فيه. مما يضع على المحك مصير هذه التنسيقيات إن لم يكن سياسياً فعلى الأقل شعبياً. وما أفادته بها الزيارة من قوة خارجية فإننا نرجح أن تخسرها على الصعيد الداخلي.
2- الاعتراف في البيان الصادر عن اتحاد التنسيقيات، بأن حماة شهدت زيارات من قبل السفيرين قبل الاحتجاجات، مما يوحي بدورهما في تأجيج هذه الاحتجات في مدينة بقيت هادئة لعدة أشهر.
3- في الفقرة الأخيرة من بيانه أعطى اتحاد التنسيقيات صورة عن نفسه أنه يمتلك زمام السيطرة على المدن السورية وذلك من خلال الدعوة التي وجهها إلى كافة الدبلوماسيين العرب والأجانب لزيارة أي مدينة يريدون وأن ((اتحاد التنسيقيات سيسّهل زيارة أي شخص لأي محافظة من محافظات سورية حيث سيتلقى ترحيباً واستضافة تعبّر عن حقيقة الشعب السوري الحر)). ويبدو أن نص هذا البيان كتب تحت الشعور بنشوة القوة التي أحس بها اتحاد التنسيقيات جراء زيارة السفيرين، متناسياً أنه يثبت بشكل أو بآخر أن لديه من القوة المسلحة ما يمكنه من ضمان أمن من يدعوهم. قد يرى البعض هذا التفسير غير صحيح لكن من ينظر في الموضوع بالجدية التي يستلزمها وأن الحديث عن سفراء وزيارات إلى مناطق متوترة لا يجد بدَّاَ من الميل إلى هذا التفسير.
4- تسليم سفير أمريكا ملفاً عن أحداث حماة، يعني بشكل أو بآخر أن التنسيقيات تطلب التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية السورية بل وتستعجله. ومن الغريب أن التنسيقيات التي ادَّعت في بيانات سابقة رفضها للتدخل الخارجي توجه دعوة حارة إلى الولايات المتحدة من خلال هذا الملف لحزم أمرها ووضع يدها في الشأن السوري. وهذا التناقض لا يمكن فهمه إلا بطريقتين: إما أن التنسيقيات تتبنى لغة مراوغة في بياناتها، وإما أنها لا تعرف معنى التدخل الخارجي.
وختاماً فإن هذه الزيارة ومفاعيلها مرشحة لمزيد من التصعيد، والأغلب أن هذا التصعيد سوف يتجسد ضمن الساحة الداخلية، دون أن يؤثر كثيراً على العلاقات الأمريكية السورية التي عرفت الكثير من المطبات على مدار تاريخها، لكن الجديد هو أنها تأخذ هذه المرة طابع "اللعب عالمكشوف".
التعليقات
لطالما أصبح اللعب على المكشوف
نهاية النهاية
مبروك لكم يا رجال الثورة
عفية سارية
زيارة السفيرين
إضافة تعليق جديد