نيران مصر ابتلعت هالة «الجزيرة»
الدور الفعّال الذي أدّته في «ثورة يناير» والتعاطف مع مكتبها الذي حُرق في ميدان التحرير قبل حوالي أسبوعين (22/11/2012)، لم يمنع النشطاء المصريين من انتقادها بحدة بسبب تراجعها الكبير في تغطية «مليونية الانذار الأخير» أول من أمس الثلاثاء. «الجزيرة مباشر مصر» لم تعد تروق للثوار، والبدائل باتت متاحة اليوم خصوصاً بعد فورة القنوات التي شهدتها المحروسة بعد الثورة فيما عملية خلط أوراق تشهدها الساحة الإعلامية اليوم.
ليس هكذا تغطي «الجزيرة مباشر مصر» الميلونيات الكبرى، لكنّ الميلونية حاصرت هذه المرة الرئيس محمد مرسي في القصر الجمهوري، والقناة متهمة منذ عامين بانحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد تنحي مبارك. لكنّ ذلك لم يمنع الميدان من الترحيب الدائم بالمحطة القطرية ومراسليها الأشهر بين الثوار مقارنة بالقنوات المصرية التي ظلت طويلاً تقدم تغطيات باردة للأحداث الكبرى، وتحديداً تلك الأحداث التي يشتعل فيها الصراع بين الشارع والنظام سواء حين كان المجلس العسكري واليوم الرئيس مرسي الممثل لجماعة الاخوان المسلمين في قصر الرئاسة.
لكن الصورة اختلفت بشدة أول من أمس الثلاثاء، مئات الالوف من المصريين ساروا من كل أنحاء القاهرة باتجاه قصر الاتحادية في مصر الجديدة ليصل صوتهم للرئيس مرسي في عقر داره بعدما رفض الاستماع لما يقال في ميدان التحرير. لكنّ «الجزيرة» قدمت تغطية باردة اعتمدت طوال الوقت على الحوارات الثنائية في الاستديو. وعلى غير العادة، خفّفت تواجدها بين المتظاهرين ونقل مواقفهم على الهواء مباشرة. نقل المواقف هنا كان يعني أنّ الرئيس مرسي سيسمع ما لا يرضيه، فحجم الغضب ما زال كبيراً من تصرفاته السياسية برأي معارضيه الذين يحتمون بشرعية ميدان التحرير. حتى عندما مارس مراسل القناة دور محامي الشيطان في محاورة بعض المتظاهرين، إذ سألهم «هل قرأتم الدستور؟» وطبعاً كانت الاجابة «لا»، فرد: «لماذا تعترضون أصلاً؟». قال ذلك وهو يعلم أنّ لا المؤيدون ولا المعارضون للدستور قرأوه بعد لأن الخلاف أصلاً يتركّز على الطريقة التي صيغ بها، إلى جانب الثغر الموجودة في النص نفسه ولم تصل بعد للشعب نتيجة الصدام الحالي مع النظام وضيق الوقت. هكذا، تبرهن «الجزيرة» مرة أخرى كيف تخفّف من قيمة الحدث إذا كان يتنافى مع سياستها التحريرية الحالية. النشطاء الغاضبون يؤكدون أنّ دعم قطر لمرسي يؤثر على توجهات «الجزيرة»، بل على الموقع الذي تضع فيه القناة كاميراتها حتى يظهر مدى امتلاء الميدان أو فراغه، لكن خيبة الأمل من مواقف القناة لم تقتصر فقط على الشاشة الموجهة إلى المصريين. اشتبك نشطاء مع مقدم الأخبار في قناة «الجزيرة» الاخبارية جمال ريان عبر تويتر. إذ فاجأهم الإعلامي الفلسطيني الأردني بموقف معاد للتظاهرات المنددة بالاعلان الدستوري. وكتب عبر تويتر « لو كنت مكان الرئيس المصري محمد مرسي، لفعلت كما فعل الرئيس الأميركي جورج بوش الأب حين أنزل الجيش في لوس انجليس لوضع حد للفوضى». وهاجم ريان الاعلام المصري ووصفه بالمنفلت لأنّه يحرض على الفوضى رغم أنّ الاتهام نفسه كان يطارد «الجزيرة» نفسها خلال أيام الثورة المصرية. لكن ريان لم يدرك بعد أنّ تراجع «الجزيرة» هذه المرة لم يصب الثوار بالاحباط بسبب توافر البديل. إذ إنّ كل القنوات المصرية الخاصة التي شعرت بالخطر وبتهديدات نظام مرسي، انتفضت لتغطية المسيرات إلى قصر الاتحادية، وعادت الشاشات لتنقسم من جديد وتوفر للمشاهدين نوافذ لرؤية ما يجري في ميدان التحرير، وعند القصر الجمهوري وأمام مبنى ماسبيرو (مبنى التلفزيون الحكومي) حيث انتشرت التظاهرات في محيطه من جديد لتؤكد على استمرار انحيازه للنظام. وللمرة الأولى، تستخدم القنوات المصرية الخاصة امكانات لم تكن متوافرة إلا لـ«الجزيرة»: سيارات تتحرك وسط المسيرات وتنقل لقطات منها عبر الهواء مباشرة، وسيارات أخرى تمركزت أمام القصر الجمهوري انتظاراً للمواجهة التي انتهت بوصول المتظاهرين بسهولة إلى أسوار القصر.
قنوات «أون. تي. في» و«النهار» و«الحياة» و«سي. بي. سي» نجحت في الصمود والتغطية. وهنا لم يعد أحد يهتم بالتساؤل عن سرّ كثرة الرسائل القصيرة المؤيدة لمرسي في شريط «الجزيرة مباشر مصر»، ولا الاتصالات الهاتفية التي يصب معظمها في الاتجاه نفسه. لكنّ مقدم البرامج في المحطة أيمن عزام أوجد بعض التوازن لموقف القناة. عندما قال له أحد المتصلين إنّ الرسائل التي تصل إلى القناة تعبّر عن حجم التأييد الشعبي لمرسي، رد عزام بأنّ ذلك ليس مقياساً، مشيراً إلى أنّ هناك من يبعث عشرات الرسائل من الرقم نفسه. أيضاً، كانت «الجزيرة» متهمة منذ فترة بالسماح بالتلاعب في استطلاعات الرأي الالكترونية التي تخصّ الدستور على موقعها، وسرعان ما أعلنت رسمياً أنّ نتائجها غير دقيقة. أما التلفزيون المصري فقد حاول أن يكون متوازناً قدر المستطاع لكنّه كالعادة فشل في كسب ثقة المشاهد، خصوصاً عندما فتح الهواء لمداخلات تذكّر الجمهور بتلك المفبركة التي كانت تؤيد مبارك خلال الثورة ومواصلة. مثلاً، اتصل صحافي مغمور بـ «النيل للأخبار» قبل يومين ليؤكد أنهّ كخريج للأزهر لا يرى أنّ مرسي حنث بالقسم الخاص باحترام القانون والدستور، فقراراته الأخيرة «هدفها الحفاظ على القانون لكن من وجهة نظر الرئيس المنوط به حماية البلاد»!
احتجاب مؤجل
قبل ساعة واحدة من سريان احتجاب الستّ ساعات، تراجعت عنه القنوات التي دعت إليه وهي «أون. تي. في» و«دريم»، و«سي. بي. سي». وكانت المحطات الثلاث قد اتفقت على تسويد الشاشات لمدة ست ساعات تبدأ في السادسة مساء حتى منتصف ليل أمس الأربعاء احتجاجاً على القرارات الديكتاتورية للرئيس المصري محمد مرسي بعدما احتجبت أكثر من 11 صحيفة يومية وأسبوعية أول من أمس الثلاثاء. لكنّ الأحداث المتلاحقة التي شهدها محيط قصر الاتحادية وهجوم أنصار الرئيس على خيام المعتصمين، دفعا النشطاء والمشاهدين إلى مطالبة القنوات الثلاث بالاستمرار في البث حتى تظل النوافد مفتوحة على ما يجري في الشارع. فيما أصدرت قناة «النهار» بياناً مبكراً أكدت فيه على أنّ دعوة الاحتجاب غير مناسبة في توقيت يحتاج فيه المصريّون إلى المعلومة لحظة بلحظة.
محمد عبد الرحمن
المصدر: الأخبار
التعليقات
هالة
إضافة تعليق جديد