«احتلوا وول ستريت»... تتحدّى أوباما وcnn
من صورة لتمثال الحرية الشهير حاملاً كاميرات مراقبة بدلاً من الشعلة، مروراً بتحوير شعار حملة باراك أوباما «نعم نستطيع» إلى «نعم نحن نقتل»، وصولاً إلى التلاعب بصور صناع القرار الأميركي من خلال شعار «الرأسماليّة تضرّ بالصحّة»، تظهر صفحة «احتلوا وول ستريت» الناطقة بالإنكليزية كصوت مختلف على فايسبوك. تحاول كسر هيمنة الإعلام الأميركي التقليدي، معتمدة أسلوب التكثيف البصري من خلال النشر النشط للروابط والصور الفوتوغرافية وتصاميم الغرافيك والكاريكاتور... كلّ المواد المنشورة على الصفحة التي يبلغ عدد متابعيها نحو 430 ألفاً، تقدم نقداً لاذعاً للسياسيات الأميركيّة، تخلق أثراً تراكمياً في ذهن المتلقي.
وفي الوقت الذي يساهم بعض الإعلام الغربي بتعميم منظور شبه موحد للأحداث والمصطلحات مثل «الربيع العربي» و«الثورة» و«الشعب» و«الديموقراطية»، تقدّم الصفحة منظوراً مختلفاً تماماً. منذ تأسيسها في العام 2011، تجاوزت حدود اهتماماتها الجغرافية شارع وول ستريت الأميركي. ولم تعد تكتف بنشر صور اعتقال الناشطين الأميركيين وضربهم، بل توجهت أنظارها لما يحدث في كل من مصر وتونس وسوريا والبحرين والعراق وأفغانستان وفلسطين، مركزّة بذلك على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلى جانب الأزمات الداخلية والاقتصادية التي يعانيها المجتمع الأميركي.
ينال الرئيس الأميركي باراك أوباما القسط الأكبر من السخرية والهجوم، إلى جانب أشهر صناع السياسة الأميركية مثل وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلنتون، والرئيس الأميركي السابق جورج بوش. ويندرج في قائمة أعداء الصفحة أيضاً: إسرائيل، الشركات المتعددة الجنسيات، المصارف، المؤسسات الإعلامية الضخمة وفي مقدّمتها «سي أن أن»، إلى جانب العولمة والأفكار النمطية، النزعة الاستهلاكية ومفهوم الديموقراطية كما تسوق له الولايات المتحدة الأميركيّة.
للصفحة أيضاً حلفاؤها: بعض الشخصيات الأيقونيّة التي اشتهرت بمناهضة العولمة والوقوف في وجه السياسات الأميركية كنيلسون مانديلا، أو المغني الجمايكي بوب مارلي، ومغني الروك الأميركي جيم موريسين، ومارتن لوثر كينغ وغيرهم. وانضمّ إليهم مؤخراً الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، والذي حظي خبر موته باهتمام الصفحة لعدة أيام.
وفيما يخص الشأن العربي، تقدم الصفحة منظوراً خاصاً للحكم على أحداث «الربيع العربي». تنتقد بصورةٍ أساسية ازدواجية المعايير الأميركية التي تسلط الضوء على الأحداث في بعض الدول العربية كتونس وسوريا ومصر واليمن وليبيا في الوقت الذي تغفل فيه ما يجري في البحرين، الذي يشكل ملفاً هاماً في الصفحة. وتنفرد صفحة «احتلوا وول ستريت» بعرض صور من تظاهرات البحرين، وعنف النظام البحريني في قمع الحركة الاحتجاجية، كما تهاجم وسائل الإعلام التي تعتم على ما يحدث هناك. ونشرت الصفحة رابطاً لمقال نشر في صحيفة «غارديان» البريطانيّة، يشير إلى أنّ «سي أن أن» تتلقّى تمويلاً من الحكومة البحرينيّة، ما يجعلها تمنع عرض شريط تسجيلي عن قمع المتظاهرين هناك.
تنتقد صفحة «احتلوا وول ستريت» أيضاً الحرب على العراق وأفغانستان، وتسلط الضوء على بعض ممارسات «الجيش الحر» أو «جبهة النصرة» في سوريا، معتبرةً أن الدعم الأميركي للمعارضة المسلحة رفع منسوب العنف في البلاد. تهتم الصفحة كذلك بالصراع العربي الإسرائيلي والحرب على قطاع غزة.
إلا أن تغطيتها المختلفة تلك جعلتها ضحية إدارة الفايسبوك التي قامت بإغلاق 6 حسابات للمشرفين على صفحة «احتلوا وول ستريت» خلال الشهرين الماضيين. واعتبر المشرفون على الصفحة بأن إدارة «فايسبوك» تحاول منعهم نشر الحقيقة حول ما يجري حقاً في البحرين وسوريا، إلى جانب منعهم نشر صورة تحتوي كلمة «غزّة».
ربما يبقى حاجز اللغة، حائلاً دون وصول صفحة «احتلوا وول ستريت» الناطقة بالإنكليزيّة، لعدد أكبر من المتابعين العرب. هذا ما أدىّ إلى إنشاء صفحات عربية تدعم تلك المبادرة، وتنقل وتترجم عنها بعض الروابط، إلا أنّها لا تزال متأخرةً في اللحاق بالصفحة الأم.
قد يرى البعض أن الصفحة تذهب بعيداً في انتقاداتها للمجتمع الدولي والسياسات الأميركية وبعض جوانب ثورات «الربيع العربي»، وربما كانت لتتهم من قبل المتشددين بتبني نظريّة المؤامرة، أو الدعم للأنظمة الديكتاتورية، لو لم تكن تتحدث من قلب المجتمع الأميركي. إلا أنّ ذلك كله لا يحول دون الاعتراف بحقيقة أن الصفحة قدمت منذ إنشائها وحتى الآن جهوداً استثنائية في محاولة كسر هيمنة وسائل الإعلام، وإظهار ما أغفلته كاميرا التلفزيونات بأسلوبٍ ساخر ومبتكر، بعيداً عن الجمود الذي يسم العديد من الصفحات والقنوات الرسمية.
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد