«العجز» عن إخراج إيران: إسرائيل محشورة في خياراتها
لم تعد زيارات الوفود الروسية إلى إسرائيل، والعكس، مجرد زيارات روتينية متبادلة على أساس علاقات طبيعية، بل هي أيضاً جزء من حراك سياسي إقليمي، متصل بالتطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها الساحة السورية. في هذا الإطار، تندرج سلسلة اللقاءات بين الطرفين، وصولاً إلى زيارة الوفد الروسي الأخير الذي اجتمع مع المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب والقدس، وضمّ المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون سوريا ألكسندر لافرانتيف، ونائب وزير الخارجية سيرجي فيرشينين.
أتت هذه الزيارة بعد مواصلة إسرائيل اعتداءاتها الجوية، وأحدثها الجولة الصاروخية الأخيرة التي استهدفت مطار دمشق، وفي ظلّ ارتفاع درجة التوتر بين إسرائيل وسوريا، وتبادل رسائل التهديد الكلامية والعملانية، التي يحرص الطرف الروسي على أن لا تُترجم تصعيداً واسعاً. ولم يعد استقبال المسؤولين الإسرائيليين للوفود الروسية من موقع الندّية أو اللامبالاة إزاء ما تطرحه تلك الوفود من مواقف واقتراحات تتصل بمستقبل الوضع على الساحة السورية. وقد تعزَّز هذا الانطباع في تل أبيب في ضوء الانكفاء الأميركي المتواصل.
تحرص تل أبيب على تجنّب التصادم العسكري المباشر والواسع مع أطراف محور مكافحة الإرهاب، بما فيها روسيا. وفي الوقت نفسه، لم تعد تستطيع تجاهل الموقف الروسي وشبكة علاقاته ومصالحه. وهي تحاول التحرّك بين الحدّين على أمل أن تحدث خرقاً ما في تقاطع المصالح بين إيران وروسيا. في المقابل، يحاول الروسي الموازنة في أدائه بين الطرف الإسرائيلي ومحور المقاومة. فمن جهة لا يريد مواجهة واسعة، ومن جهة أخرى يريد الحفاظ على علاقاته الوطيدة مع كلّ من تل أبيب وطهران. وعلى هذه الخلفية، تتنوّع مواقفه التي تؤكد على العلاقات الوطيدة مع إيران، وتوجيه رسائل طمأنة لإسرائيل.
وكنموذج من هذا التنوع (الذي يمكن أن يكون له أكثر من تفسير)، يندرج ما صدر عن الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي طالبت إسرائيل بوقف هجماتها على «دولة سيادية، في هذه الحالة سوريا». والموقف نفسه أبلغه مسؤولون روس للسفير الإسرائيلي في موسكو، غاري كورن. وقبل ذلك أيضاً، يأتي وصف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، الاعتداء الجوي الإسرائيلي ما قبل الأخير بـ«الاستفزازي». لكن، فيرشينين، المشارك في الوفد الروسي الأخير، اعتبر أن روسيا ليست حليفة لإيران، وأن بلاده ملتزمة بأمن إسرائيل، وهو ما شكّل رسالة طمأنة لتل أبيب في سياق المحادثات الثنائية التي تجري معها.
في ظلّ هذا التداخل الذي تتميز به العلاقات الروسية، من الواضح أن الاعتداءات التي تنفذها إسرائيل لم تعد تقتصر في أهدافها على كونها ترجمة «للمعركة بين الحروب»، وإنما تهدف أيضاً من زاوية أخرى إلى ممارسة ضغوط مدروسة على الطرف الروسي لدفعه إلى محاولة نزع مبرّر الضربات، المتمثّل بالتمركز الإيراني وفق التعبير الإسرائيلي. في المقابل، تشكّل المواقف والردود المضادة من قِبل سوريا، ومحور المقاومة، ضغطاً مضاداً على الطرف الإسرائيلي، وبما يدفع الروسي إلى التوازن في خياراته السياسية. ضمن هذا الإطار، تبدو إسرائيل محشورة في خياراتها على الساحة السورية، خصوصاً بعدما ثَبُت أن الخيار العسكري الذي تنتهجه لن يؤدي إلى تحقيق الأهداف المؤملة منه. في هذه الأجواء، أتى وصف الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في هذه الفترة بـ«التصعيد والتعقيد»، وتوقّعه أن تصعّد إيران ردّها على التدخل الإسرائيلي في سورية.وفي سياق متصل، أكد قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، اللواء أمير إيشيل، في كلمة له أمام المؤتمر السنوي لـ«معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، أنه على رغم القوة العسكرية الإسرائيلية الكبيرة، إلا أن «قدراتها لن تخرج الإيرانيين من سوريا». لكنه استدرك بالقول إن روسيا هي التي تستطيع القيام بذلك، مضيفاً أن «هناك احتمالاً كبيراً بأن تنقلب روسيا علينا». ولفت إلى أن البديل المباشر عن توجيه ضربة قاسية للنظام السوري، وروسيا غير معنية بذلك، هو «ما نفعله في استهداف التمركز الإيراني ونقل الوسائل القتالية إلى حزب الله، وهناك بديل آخر هو إخراج إيران من سوريا. ولكن ذلك لن يحصل بفضل عملية عسكرية، وإنما بواسطة عملية سياسية بقيادة روسيا». وقدّر إيشيل أن «التصعيد بشكله الحالي لن يؤدي إلى مواجهة شاملة، لأن روسيا لن تسمح بذلك، الأمر الذي سينشئ ميزان ردع متبادل بين إسرائيل وإيران»، مضيفاً أن «العمليات التي تنفذها إسرائيل ضد إيران تهدف إلى تحريك عملية خلق ضغوطات سياسية واسعة على إيران». وكما هي حال المسؤولين الإسرائيليين، الذين يحمّلون واشنطن المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع الإقليمية، رأى إيشيل أن البديل الأمثل هو أن «تنشط الولايات المتحدة في الساحة الدولية»، مستدركاً بأن «هذا الأمر لن يحصل.
الأخبار
إضافة تعليق جديد