«كتيبة الحرية الدولية» في سوريا: «فتيان الزنك» أم مرتزقة؟

تقول الكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش في رواية «فتيان الزنك»، التي تتحدث عن المقاتلين الأمميّين في حروب الغير، «أنت لا تفكر في الحرب، أنت تبدأ في التفكير بعدها».
ووفقاً لتوماس هيغهامر، مدير أبحاث الإرهاب في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، فإن سوريا الآن تمثل «أكبر حشدٍ للمقاتلين الأجانب في التاريخ»، وفيما ركزت الإحصائيات على أعداد الأجانب المنضوين تحت الرايات الإسلامية في سوريا، تبقى الفصائل الكردية، والأجانب ضمنها، مستبعدةً من البحث والإحصاء.
وتعد «وحدات حماية الشعب والمرأة» الكردية، أحد أبرز الفصائل المقاتلة في الميدان السوري من حيث التنظيم والقدرات العسكرية مستفيدةً، منذ إعلان تشكيلها، من الدعم الغربي لها عبر اللعب على أوتار التناقضات السياسية الدولية، وقد نجحت هذه الوحدات عن طريق الترويج لنفسها كحركةٍ يسارية تقاتل الإرهاب والتطرف في استقطاب المقاتلين من كافة أنحاء العالم للانضمام إلى صفوفها، حيث أطلقت حملةَ تجنيدٍ على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» تحت عنوان «سنقدّر جيداً قدومكم للمشاركة في محاربة داعش».
مع مطلع عام 2015 بدأت أعداد من المقاتلين الأجانب بالوصول عبر تركيا للانضمام للوحدات الكردية، وفي البداية تم دمج هؤلاء ضمن التشكيلات المقاتلة مع الحرص على تدريبهم ورفع مستوى خبراتهم العسكرية ضمن معسكراتٍ أشرف عليها مدرّبون من أميركا وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي، أما المتخصصون في المجالات الطبية فقد نُظّموا ضمن فريقٍ طبي يقدّم خدماته في ميدان المعركة.
بازدياد أعداد المقاتلين الأجانب وارتفاع مستوى كفاءتهم القتالية، بالإضافة إلى وصول بعض من يحملون خبرةً عسكرية في الأصل، بات لزاماً تنظيمهم والاستفادة من اندفاعهم عبر تشكيل وحدةٍ خاصة بهم، وهو ما تمّ بالفعل منتصفَ عام 2015، حيث أُعلن في مدينة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة تشكيل «كتيبة الحرية الدولية» لتضمّ كافة المقاتلين من غير الكرد، وقد باشرت الكتيبة أعمالها القتالية على الجبهات كتشكيل عسكري مستقل واتخذت معسكراً لها في مدينة رأس العين ذاتها.
وتشير مصادر خاصة، أن الكتيبة تضمّ في الوقت الحالي حوالي 300 مقاتل، وتنقسم إلى لواءين ضمن تشكيل الكتيبة، لواء «بوب كرو» وينسب الاسم لزعيم نقابي بريطاني، ولواء «هنري كرازوكي» نسبةً إلى قائد شيوعي فرنسي، أما قيادة الكتيبة فقد أُسندت لفتاة كردية في الثلاثين من عمرها، اتّخذت «دنيز» اسماً حركياً لها ويُجهل اسمها الحقيقي.
وتوضّح المصادر، أن عامل اللغة وصعوبة تعلّم اللغة الكردية فرض أن تكون الكتيبة شبه مستقلّة، حيث يعمل المقاتلون ضمن تشكيل الكتيبة فقط، إلا أنهم يأتمرون عبر «دنيز» بأمر قيادة الوحدات، من حيث التوجيه إلى الجبهات والالتزام بالزي العسكري للوحدات الكردية بالإضافة إلى اتخاذ أسماءٍ حركيّة كردية.
لاحقاً، وعند إعلان تشكيل «قوات سوريا الديموقراطية «قسد» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تم دمج الكتيبة ضمنها واعتُبرت القوة الضاربة لها، فشاركت في كل المعارك التي خيضت ضد تنظيم داعش، ونعت الكتيبة العديد من عناصرها في معارك منبج كالمصري بادين الإمام يحيى والأميركي ميشيل اسرائيل والألماني أنطون ليستشيك والكثير غيرهم، كما تكشف المصادر، أن الكتيبة تشارك حالياً في المرحلة الثانية من عملية «غضب الفرات» التي أطلقتها «قسد» بهدف إطباق الحصار على الرقة، وتقف الكتيبة الآن على مشارف مدينة الطبقة في الريف الغربي للرقة.
ويلتزم أفراد الكتيبة بقدرٍ كبيرٍ من السرية من حيث التنقل ووضع اللثام والتواصل مع الصحافة، حيث كان من الصعب جداً التواصل معهم أو الحصول على معلوماتٍ من خلالهم، إلا أن قيادة الكتيبة وافقت في النهاية على الإجابة عن بعض الأسئلة فقط وصرّحت بأن «أفراد الكتيبة هم متطوّعون دوليّون من كافة أنحاء العالم، جاؤوا لدعم «ثورة كردستان السورية» واستقلال الكرد في إقليمٍ خاص بهم في سوريا، وأنهم في الغالب شيوعيون واشتراكيون وبعض اللاسلطويين».
وبالسؤال عن موقف الكتيبة في حال المواجهة بين الجيش السوري والوحدات الكردية، كانت الإجابة «نحن جزء من الوحدات الكردية ، وسوف نتبع أوامر قادتنا على هذا الأساس».
ويبقى من الصعب الوصول إلى إحصائيةٍ دقيقة عن العدد الحقيقي للأجانب الذين شاركوا في القتال إلى جانب الوحدات الكردية في سوريا، حيث إن الكثير منهم يغادر إلى بلاده بعد القتال لفترة محدودة، ومن غير الواضح إن كانت محدوديّة مدة القتال نابعةً من أن المشاركة تأتي لدعم قضية عادلة، كما يبرّر المقاتلون، أم مقابل منافع مادية ينتهي القتال بانتهائها، أم كنتيجةٍ طبيعية لانكشاف حقيقة التضليل الذي تعرّضوا له.
ويذكر هنا أن بعض أفراد الكتيبة، واجهوا الاعتقال عند العودة إلى بلدانهم، كالدنماركية يوانا بالاني التي اعتُقِلت لدى عودتها إلى الدنمارك وتواجه عقوبةً بالحبس قد تصل إلى عامين وفقاً لمحاميها.
قضية «فتيان الزنك» أو المقاتلين الأمميّين في سوريا، تعيد للأذهان ظاهرة مشاركة الأجانب في حروب الغير خلال القرن المنصرم، وتطرح إشكالاً أخلاقياً بشأن مشروعيّة هذا من عدمه، فسوق التبريرات لهذا الأمر قد يقود إلى اعتبار جهاديي تنظيم «داعش» أبطالاً أيضاً، لتشابه الدوافع والتبريرات من حيث محاربة «الطغيان»، كلٌّ من وجهة نظره، على الرغم من اختلاف التوجّهات الفكرية بين دينية ويسارية أو غيرها، وتبعاً لذلك قد يختلف التصنيف أيضاً، «فتيان الزنك» أم مرتزِقة.

قتيبة صالح

المصدر: السفير