«لورنس» السوري: قراءة جديدة للتاريخ؟

16-06-2008

«لورنس» السوري: قراءة جديدة للتاريخ؟

بدأ منذ أيام في منطقة الكسوة، جنوب دمشق، تصوير أوّل مشاهد مسلسل «لورنس العرب» من تأليف هوزان عكو وإخراج ثائر موسى، وإنتاج شركة «طارق زعيتر وشركاه» وStar TV Film (صلاح طعمة). يؤدّي دور البطولة في العمل الفنان جهاد سعد الذي يجسّد دور توماس إدوارد لورنس. ويشارك أيضاً عدد من النجوم السوريين كرنا أبيض التي تؤدّي دور سارة أرنسون، الفتاة اليهودية عشيقة جمال باشا السفّاح. وكانت سوزان نجم الدين المشغولة ببرنامج «جار المشاهير»، قد اعتذرت عن دور سارة أرنسون، لأنه لم يعجبها.
وتطلّ في المسلسل مرح جبر في دور سمية (امرأة نصف تركية ـ نصف عربية، كانت سكرتيرة الأمير فيصل)، وزهير رمضان (جمال باشا السفّاح)، وعبد الرحمن أبو القاسم (يؤدّي شخصية عودة أبو تايه)، ومازن الناطور (يظهر في شخصية الأمير فيصل)، وسعد مينة، وعبد الحكيم قطيفان، والكويتي فيصل العميري، وصباح عبيد، وعمرو القاضي، وسلاف معمار، وحسان يونس.
المسلسل الذي كان في البداية أحد مشاريع شركة «رواج» الكويتية (محمد العنزي)، ينضم إلى قائمة المسلسلات السورية الكبيرة التي يتبنّاها المنتج الأردني. وهذه المرة بمشاركة شركة سورية حديثة، تعنى بتنفيذ الإنتاج. ويتزامن ذلك مع تقاسم منتجين عرب مع منفّذين سوريين أعمالاً عدة. كما يلحظ ذلك الاهتمام بالأعمال التي تتناول شخصيات تاريخية أو سيراً ذاتية. إذ بدأ قبل أيام أيضاً تصوير عمل كبير يتناول حياة أسمهان، وتدور أحداثه في فترة تاريخية مقاربة.
المخرج ثائر موسى درس السينما في بولونيا، وأنجز عدداً من الأفلام القصيرة، والأعمال التلفزيونية. كما عمل مخرجاً في «أوربت» (1994 ـ 1998)، وشغل موقع مدير دائرة المخرجين في التلفزيون السوري.
في «لورنس العرب»، يرافق موسى مدير التصوير الفرنسي فرانسوا كوبي، كما جرت الاستعانة بفريق ماكياج إيراني، ستكون من أولى مهمّاته إيصال جهاد سعد إلى ملامح قريبة من توماس إدوارد لورنس. يُقدم العمل بلهجات عدة مثل اللهجة البدوية، والشامية، وبعض الحوارات باللهجة العراقية والمصرية. وكذلك هناك بعض الحوارات باللغتين الإنكليزية والتركية. والمشاهد التي تمّ تصويرها تدور أحداثها في صحراء سيناء، وفي مستشفى في القاهرة.
يبدأ العمل من عام 1914 حين كان لورنس (1988 ـ 1935) لا يزال يعمل مساعداً في عمليات التنقيب عن الآثار، شمال سوريا. تلك كانت الفترة التي عكف فيها على تحسين معرفته باللغة العربية. وقد بدأ نجمه يلمع حين أمر اللورد كتشنر بإجراء مسح عسكري شامل في سيناء. وتمّ استدعاء لورنس من كركميش للمشاركة في المهمة، لإضفاء الطابع الأثري ـ لا العسكري ـ على أبحاثها. هكذا، ذهب لورنس في أول مهمة له. وانطلقت عملية المسح في وقت مبكر من عام 1914، وبعدما أنهى لورنس مهمته هناك عاد مع صديقه في رحلة إلى القلاع في بلاد الشام. ثم بدأت الحرب العالمية الأولى، عاد بعدها لورنس مرة أخرى من لندن للمنطقة العربية في حزيران (يونيو) 1916، والتقى الشريف حسين. وبعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة العربية الكبرى، ستبدأ من هناك الأحداث التي تعد أكثر أهمية في حياة لورنس، والتي حملته لاحقاً ليدخل التاريخ. كما سيمر العمل على مفاصل مهمّة في الثورة العربية، كعلاقة لورنس بالملك فيصل وما كانت تربطهما من طموحات متماثلة في ما يتعلق بالمزيد من التطوير للثورة العربية والانطلاق بها قدماً. وكذلك التطورات التي شهدتها الثورة مثل ظهور بطل عربي جديد يتمثل بزعيم قبائل الحويطات المخضرم الشيخ عودة أبو تايه الذي بدا للورنس مقاتلاً، يحمل هالة القرون الوسطى الرومانسية.
ويصل المسلسل إلى الأيام الأخيرة التي قضاها لورنس في دمشق، والتي تكشفت الخديعة التي تعرّض لها العرب من البريطانيين الذين تنكروا لفيصل وللعرب. وهكذا، وجد لورنس نفسه وحيداً منبوذاً من حلفائه العرب ومخذولاً من حكومته. ولم يعد أمامه غير مغادرة دمشق خائباً، بعدما نضبت الينابيع الرئيسية للحركة العربية بالنسبة إليه، تاركاً وراءه ذكريات أليمة ومبهجة من حرب دخلها حالماً، وخرج منها مخذولاً مزيناً برداء الخديعة.
هذه الرؤية التي يقدمها العمل ـ حسب بيان الشركة المنتجة ـ تبدو متعاطفة مع رجل الاستخبارات البريطاني الشهير، وأحد أعمدة المؤسسة الاستعمارية. وهي قريبة من رؤية فيلم Lawrence of Arabia (1962) للمخرج البريطاني الكبير ديفيد لين، وقد أدّى دور لورنس فيه الممثل بيتر أوتول. كما كانت تلك المشاركة الهوليودية الأولى للنجم عمر الشريف، فيما ظهر أنطوني كوين بدور عودة أبو تايه.
إلا أنّ صاحب كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» شخصيّة معقدة، ومتعددة الوجوه. فهو الحالم والمغامر، البطل التراجيدي (توفي لورنس بحادث دراجة نارية في عام 1935) والمستشرق. فهل سينجح المسلسل بمقاربته، بطريقة جديدة تعكس قراءة عربية لتجربته، وتحيط بتعقيدات شخصيته؟ ثم هل سيمنع المشاهد نفسه من المقارنة بين الفيلم وبطله والمسلسل وبطله، على رغم اختلاف الإمكانات والظروف. ليست المسألة أن الفيلم كلَّف 14 مليون دولار، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، بل ما هي الإضافة التي سيقدمها المسلسل؟ وهل هو احتفاء بلورنس كبطل عربي، أم معالجة تعي السياق التاريخي للأحداث، على رغم الدور الكبير للورنس كفرد؟ وأخيراً هل سينجح المسلسل في التقاط أبعاده النفسية، وشخصيته كمثقف غربي قلق، كان يخدم إمبراطورية ومصالح استعماراتية، كما يتردد! أضف إلى ذلك، أن الشبه الكبير بين لورانس والممثل بيتر أوتول ـ خلافاً لما هي الحال مع جهاد سعد ـ لا يعني أنّ الممثل السوري سيعجز بالضرورة عن إعطاء الانطباع المطلوب.

منار ديب

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...