أسباب زيارة أوباما لغانا والتنافس الفرنسي - الأمريكي على إفريقيا
الجمل: نقلت التقارير والأخبار والمعلومات قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة غانا، وبرغم أن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية أشارا من قبل إلى هذه الزيارة، فإن الكثير من الشكوك والتساؤلات بدأت تبرز إلى السطح حول أبعاد الزيارة، فإفريقيا تتضمن 53 دولة منها 9 دول غربية اكتفى منها أوباما بزيارة مصر، و44 دولة غير عربية اختار منها غانا!
* لماذا غانا؟ أبرز التساؤلات:
تقع غانا في غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي من الجهة الجنوبية، وتعتبر من أكثر بلدان إفريقيا فقراً وفساداً، إضافة إلى تميزها بالصراعات العرقية والعنف السياسي الإثنو-ثقافي والإثنو-عرقي الدامي المرتفع الشدة.
لا توجد في غانا مصالح أمريكا والمصالح الأمريكية توجد حصراً في نيجيريا حيث تسيطر شركات النفط الأمريكية والبريطانية على الموارد النفطية النيجيرية التي تعتبر الأكبر في إفريقيا، إضافة لذلك توجد مصالح نفطية أمريكية في كل من غينيا الاستوائية وأنجولا والكونغو وزائير وتشاد، ومصالح أمنية عسكرية في جيبوتي وجزيرة فرنانديو-برنسيب وفي كينيا كذلك، وتوجد مصالح أمريكية كبيرة في جنوب إفريقيا حيث تحصل أمريكا على الخامات المعدنية واليورانيوم بكميات كبيرة.
ولكن برغم ذلك، فقد اختار أوباما أو بالأحرى اختارت الإدارة الأمريكية غانا لتكون ساحة للزيارة، وما هو مثير للانتباه أن أوباما سيكتفي فقط بزيارة غانا ويعود فوراً إلى أمريكا دون أن يزور نيجيريا أو غينيا الاستوائية، حيث تتمركز المصالح الأمريكية إضافة إلى أن هذه البلدان تقع على مرمى حجر من غانا.
* الأبعاد غير المعلنة لزيارة غانا:
لم يعد خافياً على احد أن الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة وضعت ما أطلقت عليه تسمية استراتيجية إفريقيا وهي استراتيجية تهدف إلى وضع القارة الإفريقية تحت نطاق مظلة الهيمنة الأمريكية المباشرة، وقد أكدت العديد من مراكز الدراسات الأمريكية أن استراتيجية إفريقيا تتضمن السعي الأمريكي لتحقيق الأهداف الآتية:
• السيطرة على الموارد النفطية والمعدنية والزراعية.
• فرض الخطاب الثقافي – الاجتماعي الأمريكي على شعوب إفريقيا.
• تحويل القوة التصويتية (53 دولة) الإفريقية في المنظمات الدولية لصالح التوجهات الأمريكية.
وعلى خلفية هذه الأهداف سعت الدبلوماسية الأمريكية إلى تأسيس ما يمكن أن نطلق عليه "جدول أعمال إفريقيا"، والذي يتضمن الأجندة الآتية:
• القضاء على النفوذ الصيني وقطع الطريق أمام احتمالات أي تقدم جديد في العلاقات الصينية – الإفريقية.
• إضعاف النفوذ الفرنسي بما يتيح في نهاية الأمر إخراج فرنسا من إفريقيا والقضاء على المنظومة الفرانكفونية الموجودة في إفريقيا بما يتيح القضاء على "القوة الناعمة" الثقافية الفرنسية واستبدالها بأمركة الدول الفرانكفونية.
• تحقيق الحضور العسكري القوي في إفريقيا بإسقاط القوة العسكرية البرية عن طريق إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في الدول الإفريقية وإسقاط القوة العسكرية البحرية عن طريق نشر الأساطيل وقع البحرية الأمريكية في السواحل الإقليمية الإفريقية.
• نشر منظومة الشركات الأمريكية العابرة للقوميات في إفريقيا بما يتيح ربط الأسواق الإفريقية بالسوق الأمريكي ويقضي على منافسة الشركات الفرنسية والصينية والبرتغالية والروسية.
• بناء التحالفات السياسية الأمريكية – الإفريقية ضمن منظومات فرعية إقليمية داخل إفريقيا بحيث يتم فصل إفريقيا إلى أقاليم وتضع الإدارة الأمريكية الخطط والتوجهات السياسية الخاصة بكل إقليم.
• تفكيك القوام الإقليمي الإفريقي وتحديداً الاتحاد الإفريقي بما يمنع تحول القارة الإفريقية إلى كيان جيو-سياسي واحد.
هذا، وعلى الصعيد العملي يمكن ملاحظة الأداء السلوكي السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الأمريكي إزاء إفريقيا وتطوراته الميدانية التي وصلت إلى الآتي:
• الإعلان رسمياً عن قيام القيادة الأمريكية الإفريقية والتي توجد قيادتها حالياً في ألمانيا بشكل مؤقت لأن الدول الإفريقية ما زالت ترفض استضافة هذه القيادة.
• النجاح في نشر قوة المهام الخاصة الأمريكية- 150 وقوة المهام الخاصة – 151 في خليج عدن قبالة السواحل الإفريقية الشرقية.
• النجاح في نشر قوة عسكرية جوية – برية أمريكية كبيرة نوعاً ما في جزيرة فرنانديو-برنسيب المطلة على خليج غينيا الاستراتيجي.
• النجاح في التفاهم مع فرنسا لتحقيق التعاون الأمريكي – الفرنسي في الدول الفرانكفونية بما يأخذ على المستوى المعلن طابع التعاون وعلى المستوى غير المعلن السعي من أجل إخراج فرنسا من هذه الدول واستبدال نفوذها بالنفوذ الأمريكي.
• السعي من أجل عدم تهدئة النزاعات الإفريقية وجعلها تستمر ريثما يتاح لأمريكا استخدام وتوظيف هذه النزاعات بما يحقق الضبط العسكري – الأمني الأمريكي للتفاعلات في القارة.
وما هو غير واضح للعيان وفي الوقت نفسه جدير بالاهتمام يتمثل في الوجود الإسرائيلي الدبلوماسي الكثيف في القارة الإفريقية، وحالياً تقول المعلومات أن عدد الدبلوماسيين الإسرائيليين المنتشرين في العالم يبلغ حوالي 2000 منهم 1000 في إفريقيا وحدها، وبكلمات أخرى فإن نصف الدبلوماسية الإسرائيلية منهمك في بناء الروابط الإسرائيلية – الإفريقية، وتقول التحليلات أن تل أبيب ظلت تعاني من موقف الدبلوماسية الإفريقية المعادي لها، والذي وصل إلى أشده عندما قطعت كل الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل خلال حرب 1973 وأعلن الأفارقة عن قارتهم أنها خالية من الوجود الإسرائيلي وأسلحة الدمار الشامل، ولم تستطع إسرائيل العودة إلى إفريقيا إلا بعد توقيع الرئيس السادات اتفاق كامب ديفيد ومجيء السفارة الإسرائيلية إلى القاهرة، حينها أعلن وزير الخارجية المصري بطرس غالي أن إسرائيل لم تعد تحتل أراضي إفريقية باستعادة سيناء.
ولكن ما هو أخطر يتمثل في أن مخطط تقسيم إفريقيا جيو-سياسياً على أساس الخطوط العنصرية وذلك عن طريق استخدام مفهومين إقليميين هما:
• إفريقيا شمال الصحراء: البلدان العربية.
• إفريقيا جنوب الصحراء: البلدان غير العربية.
وازدواجاً مع ذلك يكثر استخدام مصلح "إفريقيا السوداء" في معرض الإشارة إلى البلدان غير العربية الواقعة جنوب الصحراء بما يدفع إلى الإدراك باتجاه وجود دول إفريقيا بيضاء في شمال الصحراء ودول إفريقيا سوداء في جنوب الصحراء، هذا وتشير المعلومات والوقائع إلى أن ظاهرة الصراع والحرب بين العرب والأفارقة أصبحت تتسع أكثر فأكثر وعلى وجه الخصوص الدول الواقعة في الخط الثقافي العربي – الإفريقي وحالياً فإن صراعات دارفور وتشاد والنيجر ومالي والصومال تدخل جميعها في هذا النطاق.
إن زيارة أوباما لغانا إن أسفرت عن نتيجة فهي استمرار وتمادي الإدارة الأمريكية الديمقراطية في توجهات الإدارة الجمهورية السابقة مع ملاحظة أن إدارة أوباما ستستخدم المساعدات الأمريكية الاقتصادية كوسيلة لترغيب الدول الإفريقية الفقيرة للقبول أكثر فأكثر بالنفوذ الأمريكي وتبديل جلودها وقمصانها الفرانكفونية والأنجلوفونية بالجلود والقمصان الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد