19-03-2018
إسرائيل بين فشل رهاناتها ... وقيد الاستنجاد بالأميركي
قبل سبع سنوات، كان يمكن تقبّل ارتباك البعض في فهم حقيقة سياق الأحداث التي بدأت في الساحة السورية، وأهدافها، وعلاقتها بالمخطط الأميركي المرسوم للساحتين السورية والإقليمية، الذي كان من الطبيعي أن يتغلغل من خلال ثغرات فعلية قائمة في الواقع السوري، ويستغل عناوين وشعارات لاستقطاب قطاعات واسعة لمصلحة المخطط الذي باتت معالمه وأهدافه أكثر وضوحاً من أيِّ وقت مضى.
الآن، يفترض أنّ الصورة باتت أكثر جلاءً للبعض، على أقل تقدير، لجهة موقع الأحداث السورية ودورها، منذ البداية، في سياق المخطط الأميركي للمنطقة.
وتحديداً بعدما تحوَّلت الولايات المتحدة إلى طرف عسكري مباشر في الصراع، وهو ما اضطُرت إلى انتهاجه بعد فشل الوكلاء في أكثر من عنوان. فقد فشل هؤلاء في إسقاط النظام السوري واستبدال آخر معادٍ للمقاومة به، ولم يعودوا أيضاً قادرين على «توفير البضاعة» المأمولة منهم، على الأقل استنزاف محور المقاومة بالمقدار الذي يمنح الإسرائيلي هامشاً أوسع في المبادرة العملانية في مواجهة المقاومة (حققوا بعض هذه النتائج في الساحة السورية، وبقدر ما). نتيجة هذا الفشل المتعدد الطبقات، عمدت الولايات المتحدة إلى اعتماد سياسة التوثب ــ حتى الآن ــ تلويحاً وتهويلاً لفرض خطوط حمراء على الساحة السورية، ووضع شروط للتسوية السياسية تهدف من خلالها إلى تحقيق ما لم يتحقق في الميدان. وفي السياق نفسه، يندرج الحضور العسكري الأميركي المباشر في بعض المناطق السورية، شرقي الفرات تحديداً، بهدف بلورة واقع ميداني يهدف إلى احتواء مفاعيل انتصار محور المقاومة، ومحاولة تغيير المعادلة التي ترتبت عن فشل الرهان على «داعش» و«النصرة» وأخواتهما.
وهكذا لم يعد بالإمكان التشكيك الموضوعي في حقيقة المعركة الدائرة على الأرض السورية، وموقعها من مستقبل الصراع مع إسرائيل، ومن المعادلات التي ترى تل أبيب أنها تمسّ عمق أمنها القومي. ولم يعد باستطاعة أحد أن يتجاهل حقيقة أن المعركة الدائرة في الساحة السورية، هي ساحة اشتباك إقليمي دولي، تشكل الدولة السورية أحد أطرافه الأساسيين، وهي هدفه أيضاً، ومن خلالها لتحقيق أهداف إقليمية ودولية أخرى... وهو ما يشكل تظهيراً وكشفاً لحقيقة الأبعاد التي انطوت عليها المعركة في سوريا منذ اليوم الأول.
لم تُخفِ إسرائيل حقيقة أنها فوجئت بالنتائج التي آلت إليها معركة سبع سنوات ــ حتى الآن ــ على الساحة السورية. وبدت أن مؤسساتها الاستخبارية والعسكرية، ومن ورائها القيادة السياسية، باتت تواجه معضلة لم تخطر بمخيلة أيٍّ من المنظِّرين والمخطِّطين والقادة. في البداية، حمل راية التبشير بإسقاط الرئيس بشار الأسد، خلال عامي 2011 و2012، وزير الأمن إيهود باراك، الذي وصف سقوطه، في حينه، بـ«البركة على الشرق الأوسط»، وبأنّه يشكّل ضربة لما سمّاها الجبهة الراديكالية الممتدة من طهران إلى حزب الله في لبنان. ثم كرر خلفه، في المنصب، موشيه يعلون، الموقف الرسمي الإسرائيلي في أكثر من مناسبة، معلناً أنّ «من غير المسموح أن ينتصر محور الشر، الممتد من طهران إلى دمشق وبيروت، في الحرب الدائرة في سوريا» (14/8/2013). ثم كرر مواقف مشابهة أمام مؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي الأخير، (كانون الثاني 2016) أنه «بين إيران وداعش في سوريا» فإن إسرائيل «ستختار داعش»، مشدداً على أن العدو الأكبر لإسرائيل هو النظام الإيراني. أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد رأى في أكثر من مناسبة أن «ضرب داعش وترك إيران، هو انتصار في المعركة وخسارة للحرب».
لكن بعد سبع سنوات، لم تحلّ البركة التي توقعها باراك على المعسكر الغربي في المنطقة، ولم تتمكن القوى الإقليمية والدولية من الحؤول دون انتصار محور المقاومة، كما توعد يعلون، ولم تحلّ تحذيرات نتنياهو المتكررة من مفاعيل القضاء على دولة «داعش»، من اجتثاثها، وتحولها إلى مجموعات تديرها الولايات المتحدة وتوظفها في هذه المنطقة أو تلك على الساحتين السورية والعراقية. وتبعا لذلك تكون إسرائيل، حتى بالاستناد إلى المعيار الذي حدَّده نتنياهو، قد خسرت الحرب. وبمعايير معادلات الصراع مع إسرائيل، صحيح أن هذه الحرب التي أنتجتها وموَّلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، أدت إلى قتل وتدمير وتهجير هائل، وإلى استنزاف الدولة السورية، إلا أن حضور محور المقاومة في الساحة السورية أصبح أكثر تجذراً، وتتعاظم قدراته في الساحة السورية ومن خلالها، وبفعل ترابط الجبهات تعززت قوة ردع محور المقاومة، ويتبلور بيئة إقليمية تشكل عمقاً استراتيجياً لمقاومة الشعب الفلسطيني.
منذ اليوم الأول لبدء الأحداث السورية، كانت أهداف تل أبيب هي نفسها التي ترفع شعاراتها الآن. لكن الذي تغيّر هو إمكانية تحقيق هذه الأهداف عبر الجماعات المسلحة. وطرأت مستجدات ميدانية وإقليمية ودولية، فرضت السعي إلى أهداف جديدة، تصبّ في الاتجاه نفسه (ما يحول دون تعزيز قوة المقاومة ويفاقم التهديد على الأمن القومي الإسرائيلي). وهو ما حددته القيادة الإسرائيلية على أعلى مستوياتها، بمنع التمركز العسكري الإيراني في سوريا، ومنع نقل منظومات صاروخية متطورة إلى لبنان، ومنع بناء قدرات هذه الصواريخ وتطويرها على الساحة السورية، ومنع وجود لحزب الله وإيران في الجنوب السوري... وهي ما سمّاها نتنياهو الخطوط الحمراء في حالتي السلم والحرب.
خلال السبع السنوات الماضية، كان حزب الله والدولة السورية يخوضان معركة وجود في مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية. أما الآن، فبات التهديد بالهجوم الأميركي ــ الإسرائيلي، بهدف منع سيادة سيطرة محور المقاومة من لبنان إلى سوريا فالعراق، وصولاً إلى إيران. وباتت إسرائيل تضع خطوطاً حمراء منعاً لتعاظم محور المقاومة في الساحة السورية. وتضع شروطاً للتسوية السياسية، بهدف منع تشكُّل جبهة عسكرية وصاروخية في الجنوب السوري تكون امتداداً للجنوب اللبناني، وهو ما فرض على جيش العدو، كما ورد على لسان وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الاستعداد والمناورة لخوض معركة عسكرية على الجبهتين السورية واللبنانية.
قبل سبع سنوات وبعدها، كان الموقع الجيوسياسي لسوريا، وما زال وسيبقى هو نفسه، وكانت سوريا وستبقى ذات أهمية حاسمة في معادلة الصراع مع إسرائيل، وفي مواجهة مخطط الهيمنة الأميركية في المنطقة، وهذا يعني ستبقى الأطماع الأميركية والإسرائيلية في الساحة السورية هي هي، وإن تغيّرت أدواتها وأشكالها من مرحلة إلى أخرى. لكن المتغير الذي استجدّ هو أن المعركة في المراحل السابقة كانت مركزة على الوكلاء. أما الآن، وبعد فشل هؤلاء، فبات الأصيل في تل أبيب وواشنطن، يهدد بالتدخل العسكري المباشر تحت عناوين متعددة... ويعتمد حتى الآن سياسة حافة الصدام الواسع. ومع الإقرار بحساسية هذا التطور ودقته وما ينطوي عليه من سيناريوات واحتمالات، إلا أنه يكشف أيضاً عن حقيقة أنّ قوى الخارج استنفدت رهانها على أوراق الداخل السوري من دون التدخل العسكري الخارجي الواسع، وهو ما فرض عليها دراسة خيارات التدخل المباشر التي تلوّح بها. وكشف أيضاً أن من بقي من الوكلاء لم يعودوا قادرين على الصمود من دون النجدة الأميركية والإسرائيلية. ومن جهة أخرى، كشف أيضاً عن أن إسرائيل التي كان يفترض أن تقوم بالمهمة كجزء من دورها الوظيفي الإقليمي، باتت هي أيضاً بحاجة إلى تدخل الجيش الأميركي كي يدافع عن جبهتها الداخلية في مواجهة صواريخ حزب الله، وإلى الولايات المتحدة كي تحميها من إيران وحلفائها... وفي مواجهة الوجود الروسي، نتيجة فشل رهان تل أبيب على أن تلعب موسكو دور الاحتواء لمحور المقاومة، وعامل كبح لتناميه وتطوره في الساحة السورية وعبرها.
وبفعل إدراك تل أبيب لمحدودية خياراتها العملانية، لم يعد قرار العدوان بحجم إحداث تغييرات جذرية في بيئتها الإقليمية يُصنع على طاولة مؤسسة القرار السياسي الأمني الإسرائيلي، على الأقل ابتداءً، ومن ثم تقدّم واشنطن الدعم والغطاء المطلوبين. بل بات أكثر ارتهاناً من أي وقت مضى، بخيارات واشنطن، ابتداءً ومساراً وخاتمة. وهو ما سيساهم في تقييد خياراتها الذاتية، نتيجة إدراكها وتسليمها بأنّ الأمر يفوق قدراتها، ويُضيِّق هامشها في المناورة أمام الإدارة الأميركية، إلا في حالة حروب اللاخيار الفعلية وليس المختلقة.
علي حيدر- الأخبار
إضافة تعليق جديد