إسرائيل تستعدّ لهبَّة طويلة الأجل.. وأثمان باهظة
دخلت الهبَّة الشعبيَّة الفلسطينية أسبوعها الرابع من دون أن تظهر في الأفق أيّ آثار حقيقية لإجراءات إسرائيل القمعية والاحترازية على حدٍّ سواء. وتواصلت عمليّات الطعن وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة في أكثر من مكان، إذ بدَّدت ما حاول رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو خلقه من ردع وتخويف الفلسطينيين بهدم البيوت وإغلاق الأحياء وتشديد العقوبات. وبدا واضحاً أنَّ مساعي الأسرة الدولية للتدخل في المنطقة بقصد استعادة الهدوء، تصطدم بعقبات جديّة لعلَّ أهمَّها أنَّ الجمهور الفلسطيني لن يقبل بأقلّ من تراجع إسرائيل عن إجراءاتها في الحرم خصوصاً، وفي القدس عموماً.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنَّ الصدامات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي تزايدت في عدة بؤر في الضفة الغربية المحتلة، وعلى السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، ما أدى إلى وقوع إصابات بالمئات. وفي المواجهات قرب بيت إيل في رام الله، أصيب جندي إسرائيلي بجروح. كما نفَّذ فلسطيني عملية طعن قرب تجمع مستوطنات «غوش عتسيون» في جنوب القدس المحتلة، ما أدَّى إلى إصابة جندي إسرائيلي، قبل أن يطلق جنود آخرون النار عليه. وهاجم يهودي يهودياً آخر في القدس بقضيب حديدي، ظناً منه أنَّه عربي.
وكتب المعلق العسكري لـ «هآرتس»، عاموس هارئيل، أنَّه في الأسبوع الثالث للهبَّة «غدا كلّ مكان أرضاً معادية»، وكان يقصد تماماً انتقال أعمال المقاومة إلى داخل الخطّ الأخضر إلى جانب استمرارها في الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية المحتلة. وأوضح أنَّ الجهد والاستعداد اللذين أظهرتهما المؤسسة الأمنيّة الإسرائيلية في الضفة الغربية، حال دون أن يصل العنف من هناك إلى المدنيين الإسرائيليين. ولكن ذلك لم يحل دون تفاقم الكراهية بين العرب واليهود، والتي قادت إلى رفع منسوب الريبة داخل إسرائيل تجاه كل من يمكن أن يبدو عربياً.
ومن الواضح أنَّ للانتشار الإسرائيلي المكثّف في الأراضي المحتلة أثماناً ستضطر إسرائيل لدفعها لاحقاً، إن لم تكن تدفعها الآن. ومن بين هذه الأثمان أنَّ الذعر والريبة صارا يشلّان مرافق معينة، ويقودان تالياً إلى خسائر بشريّة، كما جرى مع عمليات طعن وإطلاق نار من يهود على يهود ظنّاً بأنَّهم عرب. ولكن لا يقلّ أهميّة عن ذلك، واقع أنَّ استمرار الهبَّة يحرم الجيش الإسرائيلي من إمكانيَّة مواصلة تدريباته الاعتيادية، ويجرّه إلى روتين يصعب الخروج منه. ويزداد القلق في صفوف قيادة جيش الاحتلال نظراً للتقديرات باحتمال نشوب صراعات عسكرية كبيرة في المنطقة، تخشى إسرائيل ألَّا تكون مستعدة لمواجهتها. ولأنَّ التقديرات صارت تتحدَّث عن هبَّة طويلة الأجل، فإنَّ الإحساس بالخسارة في صفوف الجيش صار خانقاً. والحديث يدور عن استعداد لاستدعاء جزء من القوات الاحتياطية، إذا استمرت الهبَّة حتى كانون الأول المقبل.
ويشير المعلَّق العسكري للقناة العاشرة، ألون بن دافيد، في مقالة نشرها في «معاريف» إلى أنَّ وقتاً طويلاً سيمرّ قبل أن تبدأ الهبَّة في التراجع. وأوضح أنَّ تجارب الماضي الإسرائيلية مع الفلسطينيين، بيَّنت أنَّ الوضع يحتاج إلى سنوات قبل أن يعود مارد الانتفاضة أو الهبَّة إلى القمقم. وكتب أنَّ الجيش الإسرائيلي عزَّز، مع بدء الهبَّة، قواته في الضفة الغربية، بحوالي 11 كتيبة نظاميّة، بعضها على حساب التدريبات. ويقول إنَّه ليس في وسع الجيش الاحتفاظ بهذه القوات من دون أن يلجأ إلى تجنيد رجال الاحتياط، وهو ما يزيد الأعباء المالية على إسرائيل. وبعد أن يعدد الكثير من الأعباء العسكريّة والسياسية والأمنية، يتساءل: هل يمكننا أن نتعوّد على هذا الوضع الجديد؟ ويرد بالإيجاب. وفي نظره، فإنَّ هذا لا يعني القبول بالعيش في ظلّ الإرهاب، ولكنه يعني أنَّ الأمور ستطول.
وفي هذه الأثناء، تدرس الرباعية الدوليّة التي عقدت اجتماعها في فيينا، يوم أمس، سُبُل التعامل مع الهبَّة الفلسطينية بقصد دفعها إلى التراجع. ومن الواضح أنَّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري يلعب دوراً مركزياً في هذا التوجّه خصوصاً بعد اجتماعه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مطولاً في العاصمة الألمانية، أمس الأول، واجتماعَيْه يوم أمس، بالملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إنَّ الملك الأردني والرئيس الفلسطيني كانا يعتزمان عرض سلسلة مطالب مشتركة أمام كيري بهدف إعادة الوضع القائم في الحرم القدسي إلى ما كان عليه قبل زيارة شارون الحرم في العام 2000. وبين أبرز مطالبهما، إعادة مسؤولية إدارة الحرم القدسي، بما فيها زيارات غير المسلمين، للأوقاف الإسلامية. كما أنَّ عباس يطالب باستئناف المفاوضات، ولكن بعد أن يجمّد نتنياهو الاستيطان ويحرّر أسرى الدفعة الرابعة.
غير أنَّ من يعرف تشكيلة الائتلاف الحكومي الحالية في إسرائيل، يعلم جيداً أنَّ فرصة تحقيق المطالب الفلسطينية ضعيفة. فنتنياهو، وإن كان مستعداً لتقليص البناء الاستيطاني، إلَّا أنَّه لا يقبل إجباره على الإعلان عن تجميده وخصوصاً في القدس الشرقية. وقد تبلورت في الائتلاف جبهة مناهضة لفكرة «التنازل» للفلسطينيين والأردن وإعادة السيطرة للأوقاف الإسلامية. كما أنَّ العودة إلى المفاوضات، بحدّ ذاتها، كفيلة بتهشيم الائتلاف خصوصاً بعدما قال نفتالي بينت إنَّ حلّ الدولتين ولّى زمانه. ولا يملك نتنياهو شركاء ائتلافيين غير المتواجدين حالياً، بعدما رفض «المعسكر الصهيوني» دعوته إلى الوحدة الوطنيّة.
وهكذا، لا يبقى عملياً أمام نتنياهو مفرّ سوى المناورة في الهوامش، تارة في المسألة الاقتصادية، وأخرى في تراجعات جزئية كتسليم هذه أو تلك من المناطق «ج» وتحويلها إلى «ب» تحت إدارة فلسطينية جزئيّة. وربما أيضاً أنَّ نتنياهو، ولاعتبارات انتخابية، لا يرغب في إبداء تنازلات هنا وهناك، فيضطرّ للهرب إلى الأمام، إمَّا بتشديد رفضه المطالب الفلسطينية، أو حتى بتسخين الأجواء والانتقال إلى درجة المعارك، سواء في الضفة أو القطاع لإظهار جديّته أمام معسكر اليمين. وليس مستبعداً أن يُقدِم نتنياهو على ذلك بسبب تردّي مكانته في أوساط الإسرائيليين، وفق ما تشير استطلاعات الرأي. وهذا قد يمهّد الطريق أمام توسيع ائتلافه يميناً بإعادة ضمّ أفيغدور ليبرمان وحزبه، بعدما تلاشت أو تكاد احتمالات انضمام «المعسكر الصهيوني» إلى الائتلاف الحكومي.
وتوفي يوم أمس، شاب فلسطيني متأثراً بجروح أصيب بها قبل أسبوع في مواجهات معبر ناحل عوز شرق مدينة غزة، وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة استشهاد الشاب يحيى كريرة (20 عاماً) من سكان حي التفاح.
وأفاد القدرة بأنَّ أكثر من 120 فلسطينياً أصيبوا، حتى مساء أمس، بالرصاص الحي والمطاطي الذي أطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال مواجهات في مناطق مختلفة في القطاع. وقال إنَّ «حصيلة المصابين في المواجهات في قطاع غزة بلغت 123 مصاباً بالرصاص الحي والمعدني والمطاطي الذي أطلقته قوات الاحتلال». وذكر أنَّ «عدداً من المصابين في حالة خطرة بينهم شاب في حالة حرجة نتيجة إصابته برصاصة في البطن في المواجهات شرق خان يونس».
كما أصيب 251 فلسطينياً بجروح وحالات اختناق، خلال مواجهات متفرقة في الضفة الغربية المحتلة، في «جمعة الغضب»، التي دعت إليها الفصائل الفلسطينية.
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إنَّ طواقمها تعاملت ونقلت251 مصاباً في الضفة الغربية، بجروح إثر إصابتهم بالرصاص الحي والمطاطي وبحالات اختناق، إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، خلال مواجهات مع قوات الاحتلال.
«كسر الحدود ونحر اليهود»: أول رسالة لـ«داعش» بالعبرية
نشر تنظيم «الدولة الاسلامية» ـ «داعش»، امس الاول، شريطاً مصوّراً هو الاول من نوعه، وجه من خلاله رسالة تهديد باللغة العبرية إلى إسرائيل.
وظهر في الشريط، الذي حمل توقيع «إعلام ولاية الشام»، مسلحاً ملثماً يتحدث اللغة العبرية بطلاقة، وبلكنة اليهود الغربيين (الاشكيناز).
وقال المتحدث «هذه رسالة جادة مهمة وواضحة لجميع اليهود، العدو الأول للمسلمين. الى جميع اليهود الذين احتلوا بلاد المسلمين. إن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد، وإن كل ما حدث لكم في الماضي هو عبارة عن (لعب أطفال) مقارنة بما سيحدث لكم في المستقبل القريب إن شاء الله».
وأضاف «افعلوا ما شئتم حالياً حتى نصلكم ثم ندفّعكم عشرة أضعاف الجرائم التي ارتكبتموها، ونعدكم بأنه في القريب العاجل لن يبقى يهودي واحد في القدس او في أكنافها، وسنستمر حتى نقضي على هذا المرض في كل العالم».
وتابع «انظروا ماذا حدث لكم في بعض حوادث الدهس او الطعن من إخواننا في فلسطين. انقلبتم على رؤوسكم وأصبحتم تخافون من كل سائق يسرع أو من أي إنسان يمسك شيئاً بيده. ببساطة، هذا هو مستواكم. فكروا، ولو للحظات، ماذا سيحدث لكم عندما يأتي عشرات الآلاف من كل مكان في العالم قريباً، لكي يذبحوكم ويلقوا بكم الى القمامة بلا رحمة».
وقال المتحدث إن «حدود سايكس بيكو التي تحميكم لن تبقى، وكما أزلناها بين العراق وسوريا، سنزيلها بين سوريا والأردن وبين سوريا وفلسطين إن شاء الله».
وحذر من أن «هذا ليس كلاماً في الهواء فقط، فها نحن نتقدم نحوكم من جميع الأماكن، من الجنوب والشمال، ومن سيناء ودمشق، ومن جميع أماكن العالم».
وتابع «نقسم بأن لا تذهب نقطة دم واحدة هدراً من المسلمين الذين قتلتموهم وتقتلونهم في كل يوم، ونحن نرى هذا، ونرى جرائمكم، والحساب بيننا يطول ويطول، ونحن مستعدون لذلك في وقته القريب».
وختم «ربما تعتقدون أن هذا بعيد جداً وصعب، ولكننا نراه سهلاً وقريباً إن شاء الله».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد