اشتداد الحصار النفطي على اليمن: تحذيرات من توقّف الخدمات الحيويّة
أعلنت شركة النفط اليمنية في صنعاء، أول من أمس، عجزها الكامل عن توفير أيّ كميات من مادة الديزل للمستشفيات والقطاعات الخدمية الأساسية، مُحمّلة «التحالف» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي كامل المسؤولية عن ذلك. وحذّرت الشركة من كارثة إنسانية وشيكة جراء تعمّد «التحالف» حجز أكثر من 185 ألف طن من مادتَي البنزين والديزل منذ أكثر من 50 يوماً، لافتة إلى أن آخر سفينة مُحمّلة بمادة الديزل وصلت إلى ميناء الحديدة كانت قبل 50 يوماً. وتوقعت الشركة توقف مختلف خدمات القطاعات الحيوية بشكل كامل خلال الأيام القليلة المقبلة، بسبب عدم توفر المواد البترولية الكافية لتغطية احتياجاتها.
تحذيرات «النفط اليمنية» جاءت بعد يوم واحد من عودة أزمة مادة البنزين إلى محطات الوقود في صنعاء، وإعلان الشركة العمل بنظام الطوارئ في توزيع الكميات المتبقية من المادة، والتي وصلت على متن السفينة «آدفنشر» إلى غاطس ميناء الحديدة بتاريخ 20 آب/ أغسطس، وسُمح لها بالدخول إلى الميناء الأسبوع الماضي. ووفقاً للشركة، فإن «التحالف» يحتجز 8 سفن نفطية في عرض البحر قبالة ميناء الحديدة تحمل أكثر من 76 ألف طن بنزين، و82 ألف طن ديزل، فضلاً عن سفينة المازوت المخصصة لكهرباء الحديدة، وسفينتين أخريين لا تزالان تحت التفتيش في جيبوتي تحملان ما يصل إلى 60 ألف طن من مادتَي البنزين والديزل.
وأدت أزمة الوقود إلى تراجع الحركة التجارية وحركة النقل، فضلاً عن ارتفاع أسعار المياه الصالحة للشرب بنسبة تزيد على 100%. كما انعكست على أسعار الخضر والفواكه في الأسواق لتضاعف معاناة ملايين اليمنيين الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة. يضاف إلى ذلك أن انعدام الوقود رفع تكلفة الإنتاج المحلي في الصناعات المختلفة، وهو يهدد الكهرباء التجارية بالتوقف عن تغذية العاصمة صنعاء بأكثر من 100 ميغاوات من الطاقة. وعلى مدى الفترة الماضية، تعمّد «التحالف» منع دخول أيّ كميات من مادة الديزل التي تُعدّ عصب الحياة في اليمن لاعتماد مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية عليها في توليد الطاقة وريّ المزارع وتشغيل المعدات الثقيلة. وعلى رغم أن وزارة النفط في حكومة الإنقاذ عملت، بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة والقطاع الخاص، على الإفراج عن الكميات المحتجزة من الديزل لتغذية السوق، إلا أن «التحالف» ردّ على تلك المساعي بتشديد الحصار ورفض التعاطي مع المساعي الدولية والمحلية الهادفة إلى إحداث انفراج.
قيادة صنعاء، خلال لقائها الثلاثاء الماضي المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، طالبت الأمم المتحدة بالتدخل العاجل للإفراج عن السفن المحتجزة، بعدما كان رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، قد توعّد، في كلمته بمناسبة الذكرى الـ 57 لثورة 26 سبتمبر، بعدم السماح «لدول العدوان بابتزاز الشعب اليمني واختلاق الأزمات»، مشدداً على أن «احتجاز سفن الوقود جريمة لن تمرّ من دون عقاب». هذا الوعيد أعقبه، بصورة مفاجئة ومتأخرة، إعلان نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، أمس، استعداد الرياض للقبول بالمبادرة التي أعلنتها «أنصار الله»، بالقول: «التهدئة التي أُعلنت من اليمن تنظر إليها المملكة بإيجابية، كون هذا ما تسعى له دوماً، وتأمل أن تُطبّق بشكل فعلي». لكن، وعلى رغم الإعلان السعودي غير الواضح بعد لناحية جدّيته، فإن المساعي التي تُبذل في سبيل تخليص الكميات الكبيرة المحتجزة من الوقود لا تزال من دون نتائج إيجابية. فـ«التحالف»، بعدما برّر احتجاز تلك السفن بتلقيه بلاغات من اللجنة الاقتصادية التابعة لحكومة هادي في عدن، أرجع أخيراً منع دخول السفن إلى الحديدة بأن الميناء يستخدم لأغراض عسكرية، وهو ما نفته «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» التي تدير الميناء. وقالت المؤسسة، في بيان الخميس، إن «تلك الادعاءات تهدف الى تبرير الانتهاكات التي يرتكبها العدوان»، معتبرة تصريحات المتحدث باسم «التحالف» تركي المالكي «اتهاماً صريحاً لفريق الأمم المتحدة الموجود في الميناء منذ أشهر، ويقوم بمهماته في مراقبة تنفيذ اتفاق السويد»، مشيرة إلى أن رئيس الفريق الأممي أكد في أكثر من بيان عدم وجود أي قوات أو أعمال عسكرية في موانئ المؤسسة.
«التحالف»، من خلال احتجازه واردات الوقود، تعمّد أيضاً رفع تكلفة تلك الواردات نتيجة ارتفاع غرامات التأخير التي تتصاعد، ما يضاعف أعباء المواطن اليمني. ووفق مصدر ملاحي في ميناء الحديدة، تحدث فإن الغرامات التي يتعمّد التحالف أن تتراكم تُقدّر بما «بين 15 - 20 ألف دولار لليوم الواحد، تضاف إلى الكلفة (دمريجات) لهذه المواد»، ما يترتب عليه زيادة أسعار مختلف السلع التموينية والغذائية الأساسية. وفيما رفعت الأزمة سقف المطالب الشعبية بضرورة الرد القاسي، وضاعفت التأييد الجماهيري لأي ضربات قادمة لأهداف نفطية سعودية، فإنها استدعت إدانات من أكثر من 63 منظمة حقوقية ومدنية وناشطة، وصفت ما يقوم به «التحالف» بـ«الجريمة المنظمة التي ترقى إلى جريمة إبادة جماعية»، وطالبت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالضغط على دوله للسماح بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة من دون أي اعتراض. من جهتها، اتهمت مصادر اقتصادية، حكومة هادي و«التحالف»، بالاتجاه إلى فرض عقاب جماعي على كلّ اليمنيين من خلال افتعال أزمات مشتقات نفطية في الشمال والجنوب «بعد خروج البنك المركزي في عدن من تحت سيطرة حكومة هادي، ما أدى إلى تجمد نشاطه في ما يتعلق بطلبات استيراد المشتقات النفطية لتوفير احتياجات السوق المحلي»، لافتة إلى أنه «لم يُعلَن منذ قرابة الشهرين سوى عن عملية مصرفية وحيدة بالعملة الصعبة لتجار المشتقات النفطية لتغطية واردات البلاد».
خالد بن سلمان: نقبل الهدنة
على نحوٍ لافت ومفاجئ، أعلن نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، أن بلاده تنظر بإيجابية إلى مبادرة «أنصار الله» لتحقيق الهدنة. لكن يبدو أن الرياض لا تزال تسعى إلى هدنة جزئية فقط، وهو ما ترفضه صنعاء التي شكّكت أمس في الإعلان، مستدلّة باستمرار الغارات وتشديد الحصار البحري. وقال ابن سلمان في سلسلة تغريدات: «التهدئة التي أعلنت من اليمن تنظر إليها المملكة بإيجابية، كون هذا ما تسعى له دوماً، وتأمل أن تطبق بشكل فعلي كما أكد ذلك سيدي سموّ وليّ العهد». وأضاف: «آن الأوان ليقف اليمنيون، كل اليمنيين، ونحن معهم، صفاً واحداً أمام مشروع الفوضى والفتنة والدمار الإيراني، وأن يقدموا مصلحة وأمن اليمن وسلامة واستقرار وازدهار شعبه الكريم على أي مصالح أخرى». متهماً الإيرانيين بأنهم «يقللون من قيمة اليمنيين بالحديث نيابة عنهم بأنهم من يسعى للتهدئة في اليمن في إطار حملة التضليل والكذب التي لا تنطلي على أحد».
ويبدو أن حديث ابن سلمان تتويج لحراك يجري في الكواليس يستهدف التوصل إلى وقف لإطلاق نار. إذ نقلت وكالة «رويترز» عن خمسة مصادر أن «المملكة تدرس بجدية شكلاً من أشكال وقف إطلاق النار». ونقلت عن مصدر يمني أن السعودية فتحت اتصالاً مع رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، مهدي المشاط، عبر طرف ثالث، «لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق». وأفاد مصدر آخر بأن السعودية تدرس عرض صنعاء الذي «يستخدمه دبلوماسيون غربيون لإقناع الرياض بتغيير المسار»، فيما قال دبلوماسي أوروبي: «يريد الأمير محمد بن سلمان الخروج من اليمن، لذا علينا أن نجد سبيلاً له للخروج مع حفظ ماء الوجه».
(الأخبار، رويترز)
إضافة تعليق جديد