الأمن والنفط واللاجئين محور مناقشات المؤتمرين في بغداد
الجمل: استضافت العاصمة العراقية بغداد، يوم أمس المؤتمر الإقليمي لمناقشة أساليب وسبل استقرار العراق، وما كان لافتاً للنظر في هذا المؤتمر يتمثل في الآتي:
• حضور سوريا وإيران:
ظلت الإدارة الأمريكية تردد باستمرار عدم رغبتها في إجراء أي لقاء مباشر مع المسؤولين السوريين والإيرانيين، وظلت تتذرع بالكثير من المبررات والشروط الاستعلائية الطابع، كذلك تجاهلت الإدارة الأمريكية تنفيذ توصيات لجنة بيكر- هاميلون (مجموعة دراسة العراق)، والتي شددت على ضرورة التفاهم مع سوريا وإيران.
إن جلوس الإدارة الأمريكية في مؤتمر الأمس مع سوريا وإيران يعتبر بحد ذاته مؤشراً لتراجع الإدارة الأمريكية عن غلوائها، بعد أن وجدت نفسها في مواجهة العديد من المصاعب مثل: ضغوط الرأي العام الأمريكي- قرار الكونغرس الرافض للسياسة الأمريكية تجاه العراق- ارتفاع نفقات الحرب وضغوطها المتزايدة على الميزانية الأمريكية- عدم القدرة على ضرب إيران- انتقاد الأوروبيين لسياسات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط.. وغير ذلك.
• التحركات الإعلامية:
تعرضت أجهزة الإعلام الأمريكية ومراكز الدراسات والبحوث في الولايات المتحدة للمؤتمر باعتباره الخيار الأمثل الذي يمكن أن يفتح الباب للإدارة الأمريكية لحل الأزمة العراقية.. وما كان جديراً بالملاحظة هو إجماع الإعلام الأمريكي بما في ذلك الصحف والمجلات وشبكات الإعلام التابعة لجماعة المحافظين الجدد، وعلى ما يبدو فإن قبول جماعة المحافظين الجدد كان قبولاً تكتيكياً، لأنهم المشرفون على إعداد وإدارة الاجتماع (السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زاده كان ممثلاً للجانب الأمريكي، وهو عضو بارز في جماعة المحافظين الجدد).
• التوقيت:
يأتي توقيت هذا الاجتماع متزامناً مع عدة أحداث ووقائع أبرزها:
- في أمريكا:
بدأت حملة الانتخابات الرئاسية، حيث يحاول الجمهوريون تجميل صورة الحزب الجمهوري التي أفسدتها إدارة بوش، كذلك تحاول جماعة المحافظين الجدد أن تتوصل إلى تسوية خلافاتها داخل الحزب الجمهوري مع جماعة المحافظين القديمة التي يتزعمها بوش الأب، وجيمس بيكر وغيرهما.. والهدف من ذلك هو أن لا تفقد جماعة المحافظين الجدد سيطرتها ووزنها داخل الحزب الجمهوري، وأن تحتفظ بقدرتها على اختيار مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة القادمة.
طالب الرئيس بوش بدفعة إضافية جدية من القوات الأمريكية بحيث يتم إرسال حوالي 8 آلاف جندي أمريكي للعراق، إضافة إلى الدفعة الإضافية السابقة التي بلغت 28500جندي.
كذلك طالب الرئيس بوش الكونغرس الأمريكي بالموافقة على المزيد من المليارات كتمويل إضافي لميزانية الحرب العراقية.
- في منقطة الشرق الأوسط:
* أكملت القوات الأمريكية حشودها واستعداداتها لضرب إيران في كل المناطق البرية والبحرية المحيطة بإيران.
* استعدادات إسرائيلية متزايدة للتحرش بسوريا، وإيران، وحزب الله.
* تهديد تركيا بدخول جيشها إلى الأراضي العراقي، وضرب عناصر وقواعد حزب العمال الكردستاني الموجودة في شمال العراقية. ويعتقد الأتراك بأن توجيه ضربة وقائية ضد الأكراد في هذا الوقت بالذات يعد أمراً ضرورياً لإحباط وإفشال العمليات العسكرية التي درج حزب العمال القيام على القيام بها داخل تركيا خلال فترتي الربيع والصيف.
* تزايد الكراهية في الشارع العربي للسياسات الأمريكية، خاصة في البلدان الحليفة لأمريكا وإسرائيل (تحالف المعتدلين)، وأصبحت أنظمتها تواجه الإحباط الشعبي والمعارضة المتزايدة بسبب انكشاف زيف الوعود الأمريكية بحل مشاكل الصراع العربي- الإسرائيلي، وأيضاً بسبب تمادي إسرائيل في عدم احترام حقوق الإنسان العربي الفلسطيني.
* عدم نجاح مخطط عزل سوريا، والاحتمالات الكبيرة بأن تؤدي مشاركة سوريا في قمة الجامعة العربية القادمة إلى توحيد الصف العربي بمزيد من التشدد والرفض للسياسات الأمريكية.
- دولياً:
* بدأت بعض دول العالم تتحدث عن ضرورة أن تعقد الأمم المتحدة مؤتمراً دولياً حول العراق.
* برزت المزيد من الصعوبات في تنفيذ مخطط المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري.
* تصاعد الحرب الباردة بين الصين وروسيا من جهة، وأمريكا من الجهة الأخرى، وفي حالة تصاعد هذه الحرب الباردة أكثر فأكثر، فإن تداعياتها على الأوضاع الميدانية في العراق يمكن أن تكون كارثية التأثير على القوات الأمريكية، وذلك لأن حصول الميليشيات العراقية على الشحنات والقذائف الصاروخية المتطورة، سوف يعزز قدرتهم على تدمير الدبابات والدروع الأمريكية، وبالتالي تفقد القوات البرية الأمريكية ميزة تفوقها الميداني في العراق، وتواجه نفس المصير الذي واجهته القوات الإسرائيلية على يد مقاتلي حزب الله في حرب الصيف الماضي.
انعقد المؤتمر في المكان والزمان المحددين، وحضرته الأطراف الرئيسية، وأخبر السياسي الكردي هوشيار زيياري وزير الخارجية العراقي، الصحفيين والمراسلين بأن المؤتمر قد قرر تكوين عدد من اللجان المناط بها دراسة المسائل الآتية:
* مشكلة الأمن.
* مشكلة اللاجئين.
* مشكلة إمدادات النفط.
وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر سبقته تصريحات الكثير من الزعماء العراقيين المطالبة بعدم إعطاء أي دور للأطراف الخارجية في حل الأزمة العراقية. وخلال انعقاد المؤتمر توترت الأجواء أكثر فأكثر بين زلماي خليل زاده، وممثلي سوريا وإيران، بسبب المطالبة الصريحة لأمريكا بضرورة وضع حد زمني لانسحابها من العراق.. كذلك تحدثت الصحف العراقية الصادرة صباح اليوم عن المؤتمر، وركّز معظمها على انتقاد أداء وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، بسبب تفاؤله المفرط بنجاح المؤتمر.
الصحف الأمريكية تباينت ردود أفعالها إزاء المؤتمر، فصحيفة الواشنطن بوست، تحدثت عن اتهام مندوب إيران للأمريكيين باختطاف الدبلوماسيين الإيرانيين الستة، وتحدّث الممثل الإيراني عن الفشل الاستخباري الأمريكي.
أما صحيفة الواشنطن تايمز، اليمينية الاتجاه، فكان رأيها أكثر تطابقاً مع توجهات الإدارة الأمريكية، وقالت بأن محادثات الاجتماع استهدفت (عدوى) العنف العراقي، وقالت الصحيفة بأن العنف الدائر في العراق حالياً، بسبب تدخل دول الجوار في الشأن العراق، يتطلب وقفة دولية حازمة للحد منه.
وعموماً نقول: بعد الاجتماع تحدّث عضو جماعة المحافظين الجدد والسفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاده، قائلاً بأن المحادثات كانت بناءة، وبأنه سوف يتم عقد اجتماع آخر في اسطنبول خلال شهر نيسان المقبل.
إن تفاؤل زلماي خليل زادة والإدارة الامريكية بإمكانية تحقيق النجاح هو تفاؤل تعكسه الورقة التي أصدرها البيت الأبيض الامريكي، ونشرها على موقعه تحت عنوان (تقفي وتتبع استراتيجية تحقيق النصر في العراق، وتتمثل أبرز عناصر الاستراتيجية في الآتي:
• ان الحرب في العراق هي جزء من الحرب ضد الإرهاب.
• ان المعركة في بغداد سوف تكون بمثابة المعركة الحاسمة.
• وضع بعض الإضافات الجديدة:
- إنشاء 40 محطة امنية مشتركة ونشرها في سائر أنحاء بغداد.
- تدريب القوات العراقية بواسطة القوات الأمريكية.
- زيادة عدد القوات الأمريكية.
- تكليف (الحكومة العراقية) بتنفيذ بعض المهام.
• مطالبة المجتمع الدولي بالمساهمة وتقديم المساعدة للعراق.
بعد استعراض استراتيجية البيت الأبيض الجديدة وإضافاتها يمكن القول بأن اجتماع الأمس يأتي ضمن (عملية إدارة الأزمة) التي تقوم بها الإدارة الأمريكية، وهو أمر تعكسه أجندة الاجتماع التي اشترطت أن يتناول الاجتماع مواضيع: الأمن، اللاجئين، إمدادات النفط، وهي الجوانب التي تريد الإدارة الأمريكية من الآخرين تقديم مساعداتهم فيها، وذلك حتى يتسنى للإدارة الأمريكية تحقيق السيطرة الكاملة على العراق والعراقيين.. وبكلمات أخرى تريد الإدارة الأمريكية من الآخرين أن يقوموا بتثبيت البقرة العراقية لكي يتسنى للإدارة الأمريكية حلبها، وهو ما رفضه الآخرون في مؤتمر الأمس.. وبرغم ذلك تحدث السفير الأمريكي عن مؤتمر اسطنبول المقبل، فهل يا ترى ينجح مؤتمر استطنبول في تحقيق ما عجز مؤتمر الأمس تحقيقه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد