الإعلام الغربي : "تدخل روسي في سوريه"

11-09-2015

الإعلام الغربي : "تدخل روسي في سوريه"

الجمل ـ *ايريك دريتسير ـ ترجمة رنده القاسم:
من واشنطن إلى الإعلام الغربي ، يتحدث الجميع عن تقارير تتعلق بتدخل روسي محتمل في سوريه. من جهة، تكاثرت هذه المعلومة بشكل يستدعي دراستها كحالة عن نظام البروبوغندا الغربي، مع تكرار تقرير واحد من آلاف المصادر ، و من ثم بناء تقارير استنتاجيه حوله، و بهذا تم تصنيع حقيقة لا يمكن دحضها بناء على وجهات نظر الإعلاميين و الناطقين الغربيين.
و من جهة أخرى، تثير التقارير الجديدة أسئلة مهمة حول دوافع كل من الولايات المتحدة و روسيا، و كذلك الأطراف الأخرى المعنية بالصراع في سوريه.
و بالبحث في هذا الفصل الجديد من الحرب الدائرة في سوريه، تعلو نقطتان حرجتان و متداخلتان على بقية الأمور من حيث الأهمية: لماذا تثير وسائل الإعلام الغربية رواية التدخل الروسي؟ و لماذا تعتبر الولايات المتحدة التدخل الروسي المباشر، و إن كان محدودا، أمر خطير؟
تحدثت صحيفة إسرائيلية عن ازدياد القوة الجوية الروسية في سوريه تحت عنوان : "الجيت الروسية في السماء السورية". و قد تم الحصول على المعلومات من مصادر دبلوماسية غربية مغفلة الاسم، و رافقتها تأكيدات على هذه الحقيقة دون أي دليل ملموس، و مع ذلك بدأت صيحات وسائل الإعلام فورا مع قيام مئات الوسائل الإعلامية بنشر المعلومات ذاتها. و لكن خلال أربع و عشرين ساعة أنكر مصدر عسكري روسي هذه الإدعاءات بالقول :" ما من  إعادة انتشار للطيران المقاتل الروسي في الجمهورية العربية السورية.. القوة الجوية الروسية موجودة في قواعدها الدائمة و تقوم بتدريبات الجنود المعتادة و واجبها الحربي"
و كأن وسائل الإعلام اصطفت في طابور واحد، إذ نشرت The Daily Beast في اليوم التالي مقالا يزعم أن هناك جنودا روس على الأرض السورية، عدا عن توجه شحنات كبيرة من المعدات الحربية  إلى سورية، تضم شاحنات  و عربات نقل الجنود المشاة، و قد استشهدت هذه المقالة بصور التقطتها البحرية التركية تظهر سفينة روسية تحمل بضاعة ، الأمر الذي يمكن الحديث عنه مطولا.
و بشكل طبيعي، بدأت المباحثات للتو في واشنطن حول التدخل الروسي و الخوف من قيام روسية بزعزعة الوضع في سوريه، الأمر المثير للضحك لما يحمله من كذب و نفاق كبيرين إذا أخذنا بعين الاعتبار السنوات الأربع و النصف من تدخل الولايات المتحدة و الناتو و مجلس التعاون الخليجي و إسرائيل في سوريه.
إنكار موسكو الرسمي لأي تصعيد لم يتمكن من تهدئة التوترات حول هذه القضية ، و قام وزير الخارجية الأميركي كيري بالاتصال هاتفيا بنظيره الروسي للتعبير عن القلق حيال إمكانية أن يؤدي التدخل الروسي إلى تصعيد حدة الصراع. و بعد المحادثة نشرت الخارجية الأميركية تصريحا قالت فيه: " الولايات المتحدة قلقة بشأن التقارير التي تتحدث عن  ازدياد تدريجي وشيك للقوات العسكرية الروسية في سوريه. و قد أوضح وزير الخارجية ،في حال كانت هذه التقارير صحيحة، أن هذا العمل سيؤدي إلى تصعيد أكثر للصراع، ما يؤدي إلى مزيد من الخسائر لأرواح الأبرياء، و تفاقم الهجرة و خطر الصدام مع التحالف المعادي لداعش العامل في سوريه...و اتفق الاثنان على أن النقاشات حول الصراع السوري سوف تستمر في نيويورك أواخر هذا الشهر".
قراءة متأنية لهذا التصريح القصير و لكن الهام ستثير سؤالا واضحا و هو: ما الذي تقصده الخارجية الأميركية ب "تقارير"؟ و خاصة أن التقرير الإسرائيلي الأولي يزعم أنه قائم على معلومات من مصادر غربية (محتمل أنها أميركية) تتمتع بإمكانية الوصول إلى معلومات سريه. و لكن في حال كان هذا الكلام صحيحا، فان الخارجية الأميركية ستنبه إلى الأمر من قبل الاستخبارات السرية لا التقارير.
بكلمة أخرى، جيش و حكومة الولايات المتحدة الأميركية، بأجهزته الواسعة من أجل  المراقبة و الاستخبارات، يعلمان جيدا إذا كان هناك حقا تزايد في القوات العسكرية الروسية في سوريه. و عوضا عن ذلك، تركز الخارجية الأميركية على تقارير إعلامية، ما يشير إلى أنها، لا تتجاوب مع الاستخبارات و لكن مع مقال صحفي مبني كليا على معلومات قامت بتزويدها الولايات المتحدة نفسها.
إذن ، ردة الفعل المسرحية على التقارير هي في الواقع ردة فعل على قصة قاموا هم أنفسهم بزرعها. و التفسير: واشنطن تثير القصة من أجل تعزيز وضعها السياسي، و لإضعاف روسيا عبر وضع النقاش ضمن إطار "التدخل الروسي".
و وفقا لنموذج البروبوغندا الإعلامية الغربية، تم بناء تقارير على التقرير الأصلي. فهناك ادعاءات بأن روسيا تبني مجمعا يضم ألف شخص، و تقرير من DebkaFile ( و هو موقع رديء السمعة ذو ارتباط بالاستخبارات الإسرائيلية و قام بنشر معلومات مضللة على أساس أنها موثوقة) تزعم أن الروس نشروا غواصة محملة بعشرين صاروخ بالستي عابر للقارات (ICBMs) و مائتي رأس نووي إلى سوريه. و كل هذا عبارة عن محاولة لتعزيز رواية أن روسية معتدية تحاول تصعيد الصراع في سوريه من أجل أهدافها الخاصة.
و بالعودة إلى المعلومات حول مرور شاحنات عبر مضيق البوسفور، كما ذكر الإعلام العالمي، فان هناك سؤال يتوجب طرحه، و هو لماذا تختار موسكو القيام بتعزيز عسكري سري و لكن تنقل المعدات علنا على مرأى الاستخبارات البحرية أو صور الأقمار الصناعية؟ من الواضح أن روسيا لا تقوم بهذا سرا،و لكنها ببساطة تستمر بدعم الحكومة السورية كما كانت تفعل منذ عام 2011.
و هذه هي النقطة بالتحديد التي تحدثت عنها الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مقابلة حديثه، إذ قالت: " كنا دائما نوفر المعدات لهم في قتالهم ضد الإرهابيين..إننا ندعمهم... لقد كنا ندعمهم و سنقوم بدعمهم" ..بكلمة أخرى، ما من أمر سري حول ما تقدمه روسيا لسوريه وفقا للاتفاقيات القائمة.
و هذا الأمر يتوافق مع تعليقات الرئيس الروسي بوتين الذي أكد  ما يعرفه كل المحللين الجديين للصراع في سوريه، و هو أن مستشارين روس كانوا يوفرون التدريب و الدعم اللوجستي للجيش السوري. و بالطبع، و بسبب مبالغة وسائل الإعلام الغربية، يبرر للمرء اعتقاده أن الجيش الروسي يتحرك في سوريه و يتولى قيادة الحرب فيها. و في الواقع، حتى مشاركة روسيا من الناحية اللوجستية و الاستشارية  محدودة.
و يتوضح أكثر فأكثر زيادة موسكو  مساعدتها لسوريه و ارتباطها بها، و لكن من الواضح أنها لم تغير سياستها بشكل جوهري. و قد أكد مصدر لرويتر هذا الأسبوع: " الروس لم يعودوا مجرد مستشارين.. لقد قرر الروس الانضمام إلى الحرب ضد الإرهاب" و بالتأكيد أشار مصدر آخر  إلى أن "الروس بدأوا بأعداد صغيرة ، و لكن القوة الأكبر لم تلعب دورها بعد.. الروس يلعبون دورا في سوريه و لكنهم لم ينضموا بعد للقتال ضد الإرهاب بقوة".
هاتان العبارتان مثيرتان للاهتمام بشكل خاص إذا وضعتا في مواجهة الرواية الإعلامية  في الغرب، و اللغة المستخدمة من قبل الخارجية الأميركية و البيت الأبيض القائلة: "إننا نرحب بمساهمات روسية بناءة في الجهود لمواجهة داعش، و لكن يجب أن نوضح أنه من غير المقبول قيام أي طرف، بما فيه الروس، بتقديم أي دعم لنظام الأسد".
المحللون السياسيون المطلعون على الوضع يعلمون أن المساهمة الروسية تسعى إلى مساعدة الحكومة السورية في قتالها ضد مجموعات إرهابية مثل داعش و جبهة النصرة ، و زيادة التواجد هو دليل واضح على التزام موسكو بمحاربة الإرهاب، الأمر الذي يشكل ورطة معقدة لواشنطن التي تتحدث عن محاربة الإرهاب و لكنها بنفس الوقت تصف أي جهد فعال لمساعدة مواجهته أمرا "غبر مقبول".
و أكثر ما يثير الانتباه في تغطية وسائل الإعلام و وصف المسؤولين الأميركيين تحركات روسية بأنها تؤدي إلى "زعزعة الاستقرار" حقيقة أنه منذ 2011 و وسائل الإعلام الغربية تنشر حرفيا الآلاف تلو الآلاف من المقالات التي توثق علنا دور الجيش و الاستخبارات الأميركية، و نظرائهم في الناتو(بما فيها تركيا) و إسرائيل و ممالك الخليج، في تسليح و تدريب المقاتلين من أجل شن حرب ضد الحكومة السورية . و لكن هذه التصرفات لا تعتبر تدخلا أو زعزعة استقرار ، بينما يثير التدخل الروسي المزعوم احتجاجا دوليا.
الاستنتاج الواضح هو أن مساعدة روسيا لسورية كانت أساسية في إحباط أجندة  واشنطن المتعلقة بتغيير النظام، الأمر الذي يستوجب هجوم دعائي فعال لشيطنة تحركات موسكو المتعلقة بإمداد و مساعدة دمشق و مناشدتها تشكيل ائتلاف ضد الدولة الإسلامية و الإرهاب الدولي. تعمل وسائل الإعلام على تصوير روسيا كمعتدي في سوريه من أجل صرف الأنظار عن حقيقة أن جهود الولايات المتحدة في سوريه قد فشلت، و أن الولايات المتحدة لا تملك نية محاربة الإرهاب بشكل حقيقي و هي التي تستمر بدعمه.
محور الولايات المتحدة و الناتو و مجلس التعاون الخليجي و إسرائيل يسعى إلى استمرار الحرب في سوريه مستخدما أي وسيلة لازمة، بما فيها الاستمرار بدعم الفصائل الإرهابية مثل جيش الفتح و جبهة النصرة و داعش. و الهدف النهائي هو انهيار الدولة السورية و تحطيم التحالف بين إيران و سورية و حزب الله، ما يعني نهاية نفوذ روسيا في المنطقة.
روسيا تدرك تماما إستراتيجية واشنطن، تماما مثلما تعلم أن الإرهاب سلاح يستخدم في هذه الحرب. و قد تحركت موسكو لدعم الحكومة السورية (تعلم روسيا أن الجيش العربي السوري هو أكبر قوة فعالة لمحاربة الإرهاب) من أجل تزويدها بالمساعدة اللازمة للاستمرار في تدمير المجموعات الإرهابية. و علاوة على ذلك، أي دعم روسي إضافي في مجال المستشارين و زيادة شحنات المعدات، و /أو عدد محدد من الجنود المقاتلين تمنح دمشق المصادر المادية اللازمة لشن هذه الحرب.
و على أعلى مستوى، تخاطب موسكو خداع الولايات  المتحدة المتعلق  بالحرب ضد الدولة الإسلامية، و الإرهاب بشكل عام. يعلم بوتين أن الولايات المتحدة لا تريد تدمير داعش بل تعمل على تطويرها في محاولة لتوجيهها نحو خدمة الأهداف الإستراتيجية الأميركية، و هذه الإستراتيجية ذكرت في وثيقة تم كشفها و تعود لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية عام 2012 و تقول أن الولايات المتحدة دعمت انتشار الدولة الإسلامية منذ 2012 من أجل استخدامها كسلاح ضد حكومة الأسد، و ورد في الوثيقة : " هناك احتمال إنشاء إمارة سلفية معلنة أو غير معلنه شرق سوريه.. و هذا هو بالضبط ما تريده القوى المؤيد للمعارضة ، من أجل عزل النظام السوري، الذي يعتبر العمق الإستراتيجي للتوسع الشيعي (العراق و إيران)"
و لهذا، فان بوتين ،باقتراحه تشكيل ائتلاف دولي لهزيمة داعش، يجبر الولايات المتحدة إما على الاعتراف بأنها غير جدية حيال تدمير شبكة الإرهاب، أو أنها ستقوم بذلك تحت رعايتها الخاصة، و بذلك سيكشف دوافع واشنطن على أنها فقط لخدمة نفسها و تتجذر في أجندة الولايات المتحدة الساعية إلى الهيمنة على المنطقة.
و لكن واشنطن لن تسمح لبوتين ببساطة بهزيمتها في العلاقات الدولية. و عوضا عن ذلك عكست الموجة و تحدثت عن الاعتداء الروسي. و بتصوير روسيا كشرير يسعى إلى تسليح "الدكتاتور القاتل" ، تأمل الولايات المتحدة بتحويل المسار في سوريه، و ذلك بالانتقال من الحديث عن  سجلها المروع في تسليح الإرهابيين و السعي لتدمير الدولة إلى الحديث عن التدخل الروسي في الصراع.
غير أن المحللين السياسيين الأذكياء يجب ألا ينخدعوا بهذا النوع الرخيص من البروبوغندا. و لكن الهيئات الإعلامية منهمكة طوال الوقت بالعمل كما الببغاء على ترديد وجهات نظر الولايات المتحدة و الناتو عوضا عن طرح الأسئلة و البحث عن إجابات.


*محلل جيوسياسي مستقل مقيم في نيويورك، و مؤسس موقع stopImperialism.org ، يكتب لصالح روسيا اليوم

عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...