التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل في شبه القارةالهنديةوالشرق الأوسط
الجمل: تناقلت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها التقارير والمعلومات حول المواجهات الدامية التي دارت خلال الأيام العشرة الماضية في منطقة شبه القارة الهندية وتحديداً في باكستان وسيرلانكا، ولكن ما لم تتطرق له التقارير والتسريبات يتمثل في مدى تغلغل الأجهزة الأمنية – العسكرية الإسرائيلية في أحداث شبه القارة الهندية.
* إسرائيل وهندسة النزاعات في شبه القارة الهندية:
أشارت التقارير منذ فترة إلى التعاون الإسرائيلي- الهندي والتعاون الإسرائيلي – الباكستاني – الأمريكي في مجال مكافحة التمرد وتنفيذ العمليات العسكرية – الأمنية – النفسية ضد الحركات المسلحة، وأكدت المعلومات أن محفزات هذا التعاون تمثلت فيما يلي:
• رغبة الأجهزة الهندية والباكستانية في الاستفادة من خبرة الإسرائيليين في استهداف الفصائل والمليشيات الفلسطينية.
• رغبة الأجهزة الإسرائيلية في الاستفادة من بيئة شبه القارة الهندية والتي تتطابق في الكثير من جوانبها مع بيئة منطقة الشرق الأوسط لجهة استخدامها كحقل تجارب لمقاربات مكافحة التمرد.
إضافة لذلك، فقد كان الحضور الأمريكي القوي في كل من باكستان والهند عاملاً محفزاً لقيام واشنطن بتشجيع ودعم تعاون إسلام آباد ونيودلهي مع تل أبيب في مجال مكافحة التمرد وتنفيذ العمليات العسكرية المنخفضة الشدة.
* ماذا تقول المعلومات؟
سعت إسرائيل إلى التعاون وبشكل مباشر مع الهند وباكستان ولكن وفقاً لمبدأ "كلٌّ على حدة" طالما أن خصومة خط إسلام آباد – نيودلهي لا تسمح بالتعاون المشترك إضافة إلى أن هذه الخصومة مطلوبة في حد ذاتها للإسرائيليين الذين كانوا وما زالوا أكثر رغبة في إشعال الصراع الهندي – الباكستاني ودفع الولايات المتحدة الأمريكية لحسم خياراتها إلى جانب الهند بما يتيح القضاء على القدرات النووية الباكستانية.
تم تبادل الخبراء على خط نيودلهي – تل أبيب وعلى خط تل أبيب – إسلام آباد، وتم إعداد العديد من السمنارات وورش العمل إضافة إلى المحاضرات وتنفيذ الدورات التدريبية في مجال مكافحة التمرد.
لاحظت العديد من المصادر الصحفية تواجد مجموعة من العسكريين وعناصر المخابرات الهنود خلال فترة قيام القوات الإسرائيلية بتنفيذ عملية «الرصاص المسكوب» ضد قطاع غزة، وأكدت هذه المصادر متابعة الخبراء الهنود للمراحل الآتية:
• مرحلة جمع المعلومات الاستخبارية وإعداد التقديرات والتخمينات.
• مرحلة إعداد الخطة.
• مرحلة حشد وتعبئة القدرات الإسرائيلية.
• مرحلة تنفيذ العملية العسكرية والنفسية.
• مرحلة التقييم النهائي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن التعاون الهندي – الإسرائيلي لا ينحصر فقط بالمجال العسكري وإنما يغطي طائفة من المجالات الثنائية الأخرى والتي من أبرزها:
• التعاون في مجال صناعة الطائرات الحربية.
• التعاون في مجال برامج المعلوماتية.
• التعاون في مجال برامج الأقمار الصناعية.
• التعاون في مجال البرامج الصاروخية.
وبالطبع يجد هذا التعاون رعاية ودعم واشنطن، أما بالنسبة لباكستان فإن التعاون يتم بشكل سري للغاية بسبب مخاوف الأجهزة الباكستانية من ردود أفعال الرأي العام الإسلامي الباكستاني، وتقول التسريبات والمعلومات أن إسلام آباد تقصر تعاونها مع إسرائيل على مجال مكافحة التمرد، أما في المجال النووي فلا يوجد تعاون إسرائيلي – باكستاني لإدراك الباكستانيين لحقيقة النوايا الإسرائيلية المعادية للبرنامج النووي الباكستاني.
* أبرز الإسقاطات الميدانية:
شكلت نتائج العملية الإسرائيلية ضد قطاع غزة نموذجاً فائق الأهمية بالنسبة لكل من باكستان والهند، وتشير المعلومات الحالية إلى التعميمات الإسقاطية الآتية من شبه القارة الهندية:
أولاً: الإسقاط الباكستاني ضد حركة طالبان الباكستانية في عملية وادي سوات: نفذت القوات الباكستانية عمليتها الأخيرة ضد محافظة وادي سوات على غرار مدخلات المذهبية العسكرية الإسرائيلية في تعاملها مع عملية «الرصاص المسكوب» ضد قطاع غزة، ويمكن الإشارة إلى التماثلات الآتية:
• تسيطر حركة طالبان الإسلامية الباكستانية على محافظة وادي سوات بشكل يتطابق مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
• عمدت حركة طالبان الباكستانية إلى القضاء على سلطة الحكومة الباكستانية وتطبيق نموذجها السلطوي الخاص بشكل ينطبق تماماً مع قيام حركة حماس بالقضاء على سلطة الحكومة الفلسطينية وتطبيق نموذجها السلطوي في قطاع غزة.
• نشرت حركة طالبان الباكستانية عناصر ميليشياتها لحفظ الأمن والنظام في وادي سوات بشكل يتطابق مع ما فعلته حركة حماس لجهة فرض الأمن والنظام في القطاع.
وعلى هذه الخلفية فقد سعت القوات الباكستانية إلى تطبيق سيناريو يتطابق تماماً مع السيناريو الذي سبق أن طبقته القوات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، مع ملاحظة أن السيناريو الباكستاني تفادى الأخطاء وعوامل الضعف التي ظهرت في السيناريو الإسرائيلي.
ثانياً: الإسقاط الهندي ضد حركة نمور التاميل في عملية سيرلانكا: ظلت جزيرة سيرلانكا مسرحاً للصراع الداخلي بين قومية السنهال التي تساند الحكومة السيرلانكية، وقومية التاميل الممثلة بحركة نمور التاميل المعارضة للحكومة.
اندلع القتال مطلع الثمانينات من القرن الماضي بين القوات الحكومية السيرلانكية ومليشيا نمور التاميل، وتشير التقارير إلى أن الصراع السيرلانكي يشكل مصدراً كبيراً لمخاوف السلطات الهندية التي ظلت تتحسب لاحتمالات الآتي:
• انتقال عدوى الصراع إلى منطقة جنوب الهند التي يقطنها الملايين من السنهال.
• تزايد النفوذ الصيني في المنطقة لأن دخول بكين إلى سيرلانكا سيشكل تهديداً بالغ الخطورة للأمن القومي الهندي.
برز مؤخراً المزيد من التعاون الهندي – الأمريكي حول أهمية استقرار الأوضاع في سيرلانكا والتعاون الهندي – الأمريكي لتحويل الجزيرة إلى نقطة ارتكاز للتعاون العسكري الأمريكي – الهندي في مجال الأنشطة العسكرية البحرية.
برغم عدم وجود تعاون مباشر سيرلانكي – إسرائيلي، فقد سعت الهند إلى نقل خبرة التعاون الهندي – الإسرائيلي عبر قناة التعاون الهندي – السيرلانكي. وتقول المعلومات والتسريبات أن الخبراء العسكريين الهنود نقلوا نموذج عملية الرصاص المسكوب الإسرائيلية ليتم تطبيقها بشكل دقيق بواسطة القوات السيرلانكية ضد حركة نمور التاميل، ويمكن الإشارة إلى المماثلات التالية:
• تسيطر حركة نمور التاميل على الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة بنفس طريقة سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.
• منطقة سيطرة نمور التاميل تنحصر بين ساحل المحيط الهندي والحدود الفاصلة مع منطقة سيطرة الوات السيرلانكية على غرار سيطرة حماس في قطاع غزة التي تواجه البحر من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى مع استبعاد الحدود مع مصر التي أصبحت حدوداً غير موجودة عملياتياً بسبب إغلاق مصر للحدود عند شن العملية العسكرية الإسرائيلية.
• تفادى سيناريو القوات السيرلانكية ضد نمور التاميل أخطاء سيناريو القوات الإسرائيلية ضد حركة حماس، وبالفعل فقد كانت النتيجة التي تم الحصول عليها أكثر نجاحاً من ما تم الحصول عليه من السيناريو الإسرائيلي.
• احتلت القوات السيرلانكية كامل المنطقة المستهدفة بينما لم تتمكن القوات الإسرائيلية من احتلال المنطقة المستهدفة بالكامل.
• استطاعت القوات السيرلانكية القضاء على قيادة حركة نمور التاميل بينما لم تستطع القوات الإسرائيلية القضاء على حركة حماس.
• استطاعت القوات السيرلانكية تطبيق عملية نفسية حققت نجاحاً كبيراً في التغطية على الفظائع والمجازر وجرائم الحرب، بينما لم تستطع العملية النفسية الإسرائيلية القيام بالتغطية على الجرائم.
هذا، ومن المهم أن نشير من خلال معطيات هذا التحليل الذي اعتمدنا فيه على منهجية التحليل السياسي المقارن أن نشير إلى أنه مثلما استطاع الخبراء الهنود والباكستانيين إسقاط النموذج الإسرائيلي بنجاح في عملية وادي سوات وعملية سيرلانكا، فإن الخبراء الإسرائيليين سيسعون إلى تطوير نموذج جديد ضمن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "نموذج التغذية العكسية" والذي سيستفيدون فيه من معطيات خبرة نموذج عملية وادي سوات ونموذج سيرلانكا، خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية القادمة ضد اللبنانيين والفلسطينيين طالما أنه لم يعد سراً أن إسرائيل ما زالت أكثر اهتماماً بتخطيط وإعداد وتنفيذ المزيد من العمليات ضد حزب الله وحركة حماس
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد