"الثقافة" تتنازل عن دورها في حماية الآثار لصالح "السياحة" والسفر
الجمل- ابتسام المغربي : منذ مجيء السيد سعد الله آغا القلعة إلى وزارة السياحة وعينه على الآثار السورية، وكأنها أملاك شخصية يتفاخر بأنه يجذب إليها الاستثمارات السياحية.. والمستغرب ان يتوج تطلع السيد آغا القلعة طموحه بوضع يد السياحة على كافة نقاط الجذب الأثرية من خلال اتفاقية بين وزارة السياحة ووزارة الثقافة.. ونحن نسمع باتفاقية وزارتين متماثلتين في بلدين مختلفين، لكن لم نسمع بما يشبه هذا الاتفاق يحدث في أية دولة من العالم؟.. مهما كان واقع آثارها وتواضعه.. فكيف في سورية مهد الحضارات والغنى الأثري المطلوب صيانتها ثقافياً أولاً قبل إباحتها لمتعهدي الاستثمارات السياحية ؟
هكذا تتنازل وزارة الثقافة عن حقوقها ودورها في حماية التراث والآثار، مؤكدة ما يتردد من أقوال عن فرحة الوزيرين كل بدوره في جذب الاستثمار؟!.. ولكن مهلاً... أية استثمارات؟هل تلك التي طرحت في مؤتمر الاستثمار الأول الذي لم يتم التعاقد على اي مشروع فيه رغم كثافة الدعاية الصحافية عن فضائل الاستثمار في استجرار المليارات، وتبين لاحقاً عدم إمكانية ذلك بسبب مشاكل إدارية وملكية ومالية حول 90٪ من الأراضي التي اقترحتها الوزارة بتسرع للاستثمار؟!... أم عما طرح في المؤتمر الاستثماري الثاني وتواضع نتائجه قياساً لشعاراته الطنانة والرنانة وأرقامه التي لم تكن أكثر من حبر على الورق؟!.. أياً يكن لننظر في حكمة المبادىء الرئيسية وآليات العمل الناظمة لعلاقة السياحة مع الآثار في سورية ضمن ما سمي اتفاقية بتوقيع السيد رئيس مجلس الوزراء. المادة الأولى تؤكد ان المعادلة الأساس في علاقة السياحة والآثار تقوم على حماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها مع استمرار الاستكشاف والكشف عما تبقى في مواطن الأرض (حكمة) مع توفير الفرصة لأكبر عدد من السياح لزيارة المواقع الأثرية!! ويرتبط الموقع الأثري بمحيطه وبيئته وغالباً ما تكون علاقة الموقع الأثري من الناحية السياحية وثيقة بمواقع أثرية أو تاريخية أو سياحية دينية وبالتالي تندرج مضامين تخطيط إدارة المواقع الأثرية ضمن إطار إنجاز التخطيط السياحي الذي تضعه وزارة السياحة للمناطق والأقاليم السياحية والتخطيط السياحي الشامل أو يتواكب وبتكامل تخطيط إدارة المواقع الأثرية مع التخطيط السياحي آنف الذكر «فهمونا شو بدكم، من كثرة ما ترددون التخطيط الشامل الإقليمي والسياحي لم نعد نعرف ماذا تريد الوزارات وأين هي خطة أعمالها» وهذا ما جاء في المادة الثانية غير المفهومة في الاتفاق. وبقية المواد تؤكد تعالي وزارة السياحة ووضع يدها على المواقع الأثرية دون ان يعترض أحد لا من الآثار ولا من الثقافة... لأنهم بالأساس يبدو أن الاختصاصي مغيب عن الاجتماعات التي تمت لتمرير هذه «الصفقة»، ومن حضر معظمهم من خارج اختصاص الآثار، وقد نجحت وزارة الثقافة الحالية بتفتت بنية حماية الآثار التي لا تتيح لأحد التصرف بها إلا بموافقة دوائر الثقافة. وبتغييب المختصين القائمين على الحماية تم تمرير الاتفاقية الهزيلة بالنسبة للثقافة والسمينة بالنسبة للسياحة. والمؤسف ان يؤكد هذا نفوذ سلطة وزارة السياحة حتى في اعداد مخططات إدارة المواقع الأثرية واعداد مخططات من قبل مديرية الآثار، وموافاة وزارة السياحة بها على جناح السرعة، وحتى انه يتم تحديد المطلوب بكل تفصيلاته الصغيرة من قبل الآثار، فالسياحة تطلب احصاء القطع الأثرية وصورها وتاريخها وتوصيف المباني والمشيدات والأوابد ومحتوياتها والمناظر الطبيعية التي يوجد فيها الموقع، والمعلومات الثقافية والانتروبولجية والاثنوغرافية، وأنماط الملكية في الأراضي في مناطق الحماية، وتقييم المواقع واحتمالاته من حيث القيم الثقافية. وتطالب السياحة بنسخ عن كافة الدراسات والمخططات سواء أكانت أولية أو نهائية معدة من قبل المديرية العامة للآثار أو أية جهة أخرى «لا يوجد سوى الآثار حتى الآن تقوم بهذه الأعمال ولم تتعد أية جهة كانت على عملها قبل وضوح أهداف وزارة السياحة حالياً» والمخططات المطلوبة تتعلق بالمواقع الأثرية والمتاحف!!.ثم تتفضل علينا بعد ذلك وزارة السياحة باعداد معطيات المسح والجرد واعداد خطة سياحية أولية لكل من المواقع الأثرية ذات الأولوية. وحتى الحديث عن فريق عمل يضم ممثلي وزارة السياحة والثقافة والآثار والإدارة المحلية والبيئة، ترك أمر تشكيله إلى وزارة السياحة، وذلك لاعداد خطة تفصيلية لإنجاز مخططات إدارة المواقع الأثرية في إطار التخطيط السياحي للمنطقة المحيطة بالموقع، وتركت أيضاً لوزارة السياحة مهمة التعاقد والإجراءات التعاقدية لإنجاز مخططات إدارة المواقع الأثرية، وكذلك الدراسات الخاصة بالمشاريع الجزئية المتصلة بمهام وزارة السياحة في هذه المواقع، وتتحمل النفقات المترتبة على ذلك وتمنح المكافآت للعاملين في هذا المجال!!. والمواد الأخرى تتعلق بضوابط تشكيل لجان إدارة المواقع الأثرية التي نصت المادة /22/ منها على انها تحدد من قبل المجلس الأعلى للسياحة، ورغم ان وزارة السياحة تطالب مديرية الآثار بخطتها لعام 2007 لتدرس الجوانب المتعلقة باختصاصها وتبلغه إلى الآثار: «أرجوكم خبرونا كيف انقلبت المعايير وبات مطلوب من الآثار ان توافي السياحة بخططها بدل ان يكون العكس لأن القانون السوري ينص على حقوق مديرية الآثار بإشرافها على الآثار وعلى عدم التعدي عليها من أية جهة كانت». وحتى التنقيب الأثري لم يعد للآثار حرية فيه، لأنه يجب ان يكون بموافقة السياحة وليس بضرورة الكشف وأهمية المواقع لدرجة ان وزارة السياحة ستتفضل وتبلغ الآثار بالمواقع الأخرى ذات الأولوية بالتنقيب الأثري لغاية الاستثمار والتنمية السياحية وتحدد شهرين من تاريخ الاتفاقية لإنجاز ذلك»، ويتم «بق البحصة» وتحديد حلم السياحة باستثمار المواقع الأثرية واعداد برامج كبيرة.. لاستثمار المواقع الأثرية من خلال الأنشطة والفعاليات السياحية الترفيهية وتحسين أنماط وأشكال الحياة القديمة والتراثية!! ومشاريع الصوت والضوء!!!. والواقع عجب ان تكون هذه نتيجة كل هذا التمادي المضني من قبل وزارة السياحة وتجاوز القانون بتسلطها على الآثار السورية لتخرج بمشاريع استثمارية شكلية بسيطة ولا تتناسب وقيمة الآثار السورية، فإن مشاريع الضوء والصوت المقدمة في أكثر من بلد ومنها «مصر في موقع الهرم» تعتبر مشاريع خارجة عن إطار إدارة الموقع الأثري، وربما تناسب موقع الهرم وربما تكون مناسبة في بعض المواقع الأثرية إلا انها ليست إنجازاً ولا سبقاً ولا تطوراً ولا تحتاج إلى كل هذه البنود والتخطيط الشامل والمرحلي والإجراءات الكواليسية لتمرير هذه الصفقة، ورغم تكرار المعلومات نفسها في الاتفاقية إلا انه يبدو ان السياحة تريد ان تأخذ عمل مديرية الآثار على مدار عقود وتوظفها بـأرشفة وأتمتة ومعلوماتية سطحية لتخرج بخارطة أثرية سياحية حسب ما يقال يوزع عن إنجازاتها مع مئات الصفحات والصور والواقع لا شيء يحدث فعلياً بينما ان السياحة تعمل في إطار المطلوب من إحداثها وأهدافها البسيطة والمحددة. ورغم ان المناطق تأخذ دورها في الاتفاقية من حيث دور السياحة في تحديد شكل المتحف والمدخل ومكان الاستعلامات وطريقة العرض، وواجهات المتاحف وتصاميمها، وتشارك السياحة في تطور واقع عرض القطع الأثرية في المتاحف (تصوروا هذا الدور المتواضع)، حتى نصل إلى حد مطالبة السياحة بخرائط للمتاحف ووضعها وواقعها الهندسي وأقسامها ونوع المتحف ومفردات القطع الهامة (ولا ندري ما هو السر وراء هذه التفاصيل الخارجة عن أداء السياحة). والمستغرب في المادة /31/ ان تنص ان تلتزم المديرية العامة للآثار بالتنسيق مع وزارة السياحة قبل أي عمل يتعلق بدور السياحة في المشاريع آنفة الذكر.. !! «هكذا بكل بساطة تنقلب الأدوار، فبعد ان كانت السياحة معنية بالحصول على الموافقات تصبح الآثار المسكينة مهيضة الجناح ومكبلة بأصفاد السياحة»، حتى ان المعارض الأثرية غير ممكنة إلا بعد ان تتم دراستها من قبل السياحة وتحديد مدى الجدوى من المشاركة فيها من قبل السياحة أيضاً «تصوروا إلى أين وصلنا». والواقع رغم ان المشاريع المطروحة للاستثمار السياحي هي فقط ويا للمشكلة ويا لتعاسة السياحة بهذا التواضع «فقط لأماكن قلعة دمشق، قلعة حلب، قلعة سمعان، تدمر!!! بصرى الشام!! قلعة الحصن، قلعة صلاح الدين، قلعة المرقب، أوغاريت، افاميا، جزيرة ارواد، مدينة ماري، ايبلا، دورا اوريبوس، عمريت، شهبا قنوات، قلعة جعبر، الرصافة، سرجيليا، قلعة نجم!!!. ورغم ان هذه المواقع شبه مخدمة وتوجد كل التفاصيل عنها ولا فضل لأحد في طرحها على مدار التعريف لأنها نقاط ضوئية عالمية ومعظمها مسجل على لائحة التراث الإنساني العالمي، ولا يحق لأية جهة مهما كانت طرح مشاريع الاستثمار في مواقع مثل تدمر وبصرى واوغاريت والرصافة، وما ذكر من مشاريع لأن هذا التراث معنية فيه سورية بأكملها ولا يحق لأحد الاستئثار بتاريخه وجذبه وضوئه العالمي وان كان تم تفتيت بنية حماية المواقع الأثرية بتغييب المختصين عن نقاش الاجتماعات التي أوصلت إلى اتفاقية بهذه السطحية ولا يذكر فيها أية مكاسب ستنعكس على الأثر وملكيته ومديرية الآثار والثقافة إذ ان شروط الاتفاقية جميعها تصب في اتجاه السياحة ومشاريعها الخيالية القادمة. رفقاً أيها السادة بقيمة تراثنا وحضارتنا فهي ليست ممتلكات شخصية لأي كان وهي ملك الوطن والتراث الإنساني ولذلك لا يحق لكم أبداً سحب البساط من الآثار وقبول الثقافة بالتخلي عن دورها لأن مؤشرات ما يحدث بين الوزارتين يبدو انها لن تكون بسيطة أبداً، لأن الجانب الأهم بتغييب دور البلديات والمحافظات أيضاً أمر مستغرب لأن هؤلاء متلاصقين في المواقع ومطلعين على واقعها واحتياجاتها ومنهم من بحت أصواتهم بالمناداة بمشاريع تنموية بمحيط الآثار... فهل ستقوم السياحة بما لم يحدث أبداً وكأنها تخرج «الزير من البير» أمر مخجل حقيقة ان يتم تداول واقع آثارنا ومشاريع استثمار تنعكس عليها سلباً بكل هذه البساطة والسطحية، ومن حقنا كمواطنين أولاً ان يكون لنا رأي فيما يحدث وان يتم طرح المشاريع القادمة للنقاش وان تعمل الوزارات في الضوء وتعلي الصوت في مشاريعها الكواليسية قبل ان تفكر بمشاريع الضوء والصوت في مواقع أثرية إنسانية تتوزع في كل أنحاء سورية.
الجمل
إضافة تعليق جديد