الجيش الأردني وقوات البادية وجلالة مليك البلاد وقوات الدرك
بعض «اليسار» الاردني يحاول تضليل القراء وإيهامهم بوجود تناقضات جوهرية داخل نظام صاحب الجلالة مليك البلاد عبد الله بن الحسين، ما دفع الأخير إلى تأسيس قوات الدرك الأردنية عام 2008، لتكون تحت إمرته المباشرة بعيداً من أيدي بقية أركان النظام، أي المؤسسة الحاكمة. خصوصاً بعد تزايد النقد له بسبب بعض هواياته الشخصية التي تحدث عنها جيفري غولدبرغ في لقائه الصحافي الأخير في مجلة «أتلانتك» الأميركية. وقد برز اسم القوة الأخيرة في الأخبار بالعلاقة مع قمع المتظاهرين في عمان ومعان، إضافة إلى البحرين.
كنا كتبنا من قبل أنّ نظام عمان وظيفي، أي إنّ الهدف الأول والأخير لقيامه، وفق مخططات دائرة المستعمرات البريطانية، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تنفيذ مهمة محددة هي قمع أي حركة وطنية معادية للصهيونية، إضافة إلى حراسة الاحتلال الفرنسي لسوريا. لذا، وفقط من هذا المنظور وجب تحليل بنية نظام عمان الأمنية، آخذين في الاعتبار حقيقة أن المخابرات الأردنية تظهر في كثير من اعمالها بوصفها «احد الفروع الخارجية» للاستخبارات الإسرائيلية.
يقول البعض إنه وجد تحركاً داخل الجيش الأردني ضد تدخل نظام عمان في الأزمة أو المأساة السورية، وتجلى ذلك بمذكرات رفعها بعض كبار القادة لصاحب الجلالة «يحذرون» فيها من مخاطر تدخل كهذا على الأردن، بل ويتداولون أخبار اعتقال عمان بعض ضباط الجيش الأردني، جرى بأمر من واشنطن، بسبب تسريبهم معلومات لدمشق عن تسلل مجموعات مسلحة إلى أراضيها.
لسنا في وارد مناقشة هذه الأخبار، وهذه التفاصيل الصغيرة لا علاقة لها ببنية الجيش. نحن لا ننفي إطلاقاً وجود ضباط وجنود وطنيين في ذلك الجيش، لكن ليس هذا ما يحدد جوهره، وبالتالي وظيفته. بل يمكننا إضافة معلومات عن ضباط «شرق أردنيين» ذوي ميول قومية عربية، ناصرية، وكان منهم ابن مدينة السلط علي الحياري على سبيل المثال، تماماً كما عرفت عائلة آل سعود الأمراء الأحرار ومنهم الأمير طلال، أيضاً على سبيل المثال. ويمكننا أيضاً إضافة حقيقة أن ما يزيد على أربعة آلاف ضابط وجندي (فلسطيني) من الجيش الأردني فروا منه في أعقاب مجازر أيلول والأحراش، وانضموا إلى فتح وشكلوا «قوات اليرموك».
المسألة هنا ليست مرتبطة بشخص هنا أو هناك، في هذه القوة الأمنية أو تلك، وإنما في النظام نفسه الذي يمولها وبالتالي يتحكم فيها. نسهب القول أكثر ونقول: إن قوات سلطة المقاطعة في رام الله وأجهزة مخابراته، فلسطينية بامتياز، لكن هذا لا ينفي أنها أسست لخدمة العدو وحفظ أمنه. فقط النظرة العصبية المغلقة لا ترى ذلك.
لكن يمكن إضافة حجة أخرى والقول إن احتجاج بعض ضباط الجيش الأردني على تدخل عمان في الأزمة السورية جاء من باب أن ذلك يهدد أمن الأردن وليس من باب أنه يطيل من أمد معاناة الشعب في سورية. أي أن منطلق أولئك الضباط، إن صحت الأخبار ذات الصلة، إقليمي بحت وليس قومياً، والهدف حماية ذلك النظام الوظيفي وليس القلق على سورية.
لذا فمن الخطيئة استخدام هذه الأخبار المتداولة لمنح نظام عمان، المتصهين بامتياز، صك غفران عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبنا في الأردن، ولا يزال يفعل ذلك، إضافة إلى تآمره المستمر على أمتنا العربية وقضاياها. ومن هذا المنظور نرى أن دعوات التضامن مع «الجيش الأردني» التي يطلقها «اليسار السلطوي» ما هي إلا محاولة للتعمية على جوهر النظام الأردني وجميع أدواته القمعية الإعلامية والعسكرية والمدنية والسياسية والقانونية... إلخ.
من يريد التغيير الحقيقي في الأردن لا يحاول طلي سحنة نظام عمان بالمساحيق التجميلية. هذا تضليل موصوف، علماً بأن مساحيق التجميل تعرف في لهجاتنا المحلية بأنها «عدة النَّصْب».
زياد منى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد