الحروب الصليبية: ملتقى الثقافات وصراعها
لدينا جميعاً تصور محدد عن الحروب الصليبية: مسيحيون يهاجمون سورية وفلسطين ويحتلون المنطقة لمدة مئتي عام، إلى أن طردهم المسلمون الشجعان وحرروا بلدهم.
ولكن هل هذا هو ما حدث فعلاً؟ أم هل كانت الحملات الصليبية حقبة تاريخية من التبادل والتلاقي بين الثقافات، كان يعترف فيها كل جانب بالجانب الآخر وينظر إليه على أنه مكافئ له ويتعلم منه؟ ينشغل بهذا التساؤل حالياً معرض مهم في النمسا (شالابورج، غرب فيينا)
ليس في أي مكان من العالم يمكن أن يجد المرء في مكان واحد هذا الكم الهائل من التحف العظيمة والنادرة من الفن الإسلامي، كما سيجدها في شالابورج. كما يضم المعرض أيضاً مجموعة الدروع الكاملة الوحيدة المتبقية الخاصة بأمير مملوكي، ويقدم المعرض إجمالاً 480 تحفة.
كما نكتسب نظرة جديدة للفرسان الأوروبيين: في حقيقة الأمر شهدت أوروبا انفجاراً سكانياً في القرن الحادي عشر، لذلك لم يجد كثير من أبناء النبلاء لا أرضاً ليرثها ولا عروساً ليتزوجها.
وكان الانـفـجار السكاني هـذا هو أهم أسباب الحملات الصليبية. لم تكن الحملات الصليبية عملية توسع بدافع ديني: في الحقيقة يجب ألا ننسى أن أبشع ما ارتكبه فرسان الحملات الصليبية من جرائم كان في القسطنطينية، أكثر عواصم المسيحية نبلاً، حيث قام الصليبيون باحتلال الإمبراطورية الرومانية وعاصمتها عام 1204 في الحملة الرابعة، وقسّموا أراضيها في ما بينهم. وقاموا بنهب كنوز هائلة من اسطنبول، ولم تسلم منهم حتى الكنائس التي نُهب منها آنذاك كثير من التحف التي تعود إلى العصر البيزنطي، والتي نجدها اليوم في المتاحف الأوروبية وخصوصاً في البندقية.
وبالطبع ستقابلنا في كثير من قاعات المعرض الشخصيات التاريخية الشهيرة من الحملات الصليبية: القيصر فريدريك الثاني والسلطان صلاح الدين والسلطان الملك الكامل محمد وريتشارد قلب الأسد. وربما يكون أكثر القطع المعروضة تشويقاً العقد الذي أبرمه القيصر الألماني فريدريك الثاني مع السلطان الملك الكامل في 11 شباط (فبراير) 1229، والذي ربما يصح أن يوصف بالديبلوماسية بدلاً من الحرب. كان كلا الجانبين على علم بالقدرات العسكرية للطرف الثاني ولذلك أبرم الطرفان عقداً يُقسِّم السيادة على القدس، آلت المدينة إلى المملكة اللاتينية، بينما بقيت السيادة على المناطق المقدسة في يد المسلمين، فأصبح باستطاعة المسلمين والمسيحيين واليهود في كل مكان أن يعيشوا معاً في سلام.
أهم الجهات التي قدمت تحفاً على سبيل الإعارة هي المتحف الوطني في دمشق ومجموعة الصباح من الكويت ومتحف الفن الإسلامي في برلين. وما كان للمعرض أن يصل إلى أعلى المستويات من دون تعاون تلك المتاحف ذات الشهرة العالمية، التي رحبت بإعارة مقتنياتها الثمينة.
يقع قصر شالابورج في منطقة من أجمل مناطق أوروبا: حيث تتمتع بموقع مرتفع عن الوادي الأخضر لنهر الدانوب، وتشتهر بقصورها ومطبخها المميز.
فرنر داوم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد