الحسكة بلا خدمات: «لعنة الجغرافيا» وضريبة غياب الحكومة
يندب إسماعيل حظه العاثر الذي قاده للعودة إلى مدينته الحسكة، قادماً من حماة، بعدما فقد عمله هناك. بعد مكابرة طويلة، تلاشى أمله بتحسّن واقع الخدمات في مدينته، خلافاً للحال في كثير من المحافظات التي شهدت تحسّناً متفاوتاً في الشهور الأخيرة. صحيحٌ أنّ الحسكة ظلّت آمنة نسبيّاً وبقي كثير من مدنها وبلداتها في منأى عن الحرب (باستثناء هجوم الـ 35 يوماً لـ«داعش» على الأحياء الجنوبية في مركز المحافظة)، لكنّ المحافظة دفعت ثمناً كبيراً لجهة الخدمات التي انحدرت تدريجيّاً منذ ستة أعوام حتى الآن. ورغم محاولة «الإدارة الذاتية» التي سيطرت على معظم المحافظة إدارة ملف الخدمات فيها، فإنها سجّلت إخفاقاً واضحاً. أما الجهات الحكومية الرسميّة (الحاضرة في بعض أحياء القامشلي والحسكة) فقد فشلت بدورها في إحداث تغيير، لكثرة العراقيل والخلافات مع «الإدارة الذاتية»، وصعوبة إيصال مستلزمات العمل من المحافظات الأخرى. قبل الحرب بسنوات، كانت الحكومة السورية قد اعترفت في شكل غير مباشر بتقصيرها تجاه الحسكة (كما تجاه الرقة، ودير الزور) عندما استحدثت وزارة خاصّة لـ«تنمية المنطقة الشرقيّة» وافتتحت «جامعة الفرات» في خطوة متأخرة في عام 2006. وحملت تلك الالتفاتة الأمل بإنجاز سلسلة خطوات فعلية لتنمية المنطقة، وبخاصّة مشروع جر مياه دجلة إلى الفرات، بالإضافة إلى إنشاء مشافٍ تخصصية ومؤسسات خدمية، قبل أن يتوقّف كل شيء بفعل الحرب.
الكهرباء بلا مصادر طاقة
في بداية الحرب، دفعت الحسكة ثمن تغذيتها من خمسة خطوط كهربائية (أربعة من خارج المحافظة، وواحد من السويدية في حقول رميلان) لتعيش أياماً طويلة بلا تغذية كهربائية، أو بتغذية لا تتجاوز ثلاث ساعات يوميّاً في أفضل الأحوال، بسبب الظروف الأمنية. ورغم تحسن ظروف مصادر الطاقة الواردة إلى المحافظة، فإن سيطرة «قسد» على معظمها وعدم قدرة مجالسها المحلية على إعادة تلك المصادر إلى الخدمة، جعلا تحسّن واقع الكهرباء مرهوناً باتفاقات بين «قسد» والحكومة، أو عودة سيطرة الحكومة على كامل المنطقة. رفضت «قسد» المضيّ في اتفاق ينصّ على صيانة الخطوط الكهربائيّة، وإعادة تأهيل محطة سد تشرين (ريف حلب الشرقي) في مقابل إدارتها حكومياً. لكنّ «قسد» أصرّت على «إدارة مشتركة»، ما أدى إلى تعثّر إمكانية صيانة بقية مصادر الطاقة التي سيطرت عليها مثل سد الطبقة وحقل العمر ومعمل كونيكو للغاز. ويقول مدير كهرباء الحسكة، المهندس أنور العكلة، لـ«الأخبار»، إن «واقع الكهرباء في المحافظة يعتمد على الكميات الواصلة من مصدري سد تشرين بريف حلب، والسويدية في رميلان». ويؤكد أن «الورش الحكومية قامت بتأهيل خطوط الطاقة في ريف حلب والرقة، بهدف زيادة الكميات، لكنّ التغذية لم تصل من الرقة» (الخاضعة لـ«قسد»). يوضح العكلة أن «واقع الكهرباء لن يتحسن إلا بعودة كل الخطوط المغذّية لها، من دير الزور والرقة وحلب».
خدمة الإنترنت «في الطريق»
بعد ستة أعوام على انقطاع خدمة الإنترنت «الحكومي» عن المحافظة، والاستعاضة عنها بالإنترنت التركي والعراقي والفضائي (حسب المنطقة الجغرافية)، أعلنت «المؤسسة العامة للاتصالات» أنها بدأت العمل لإعادة الخدمة في خلال ثلاثة أشهر. وحتى هذه الخدمة لم تكن بعيدة عن مسألة وجود إدارتين محليتين، فـ«الإدارة الذاتية» قامت بمد كابل من شمال العراق لتغذية الحسكة بخدمة الإنترنت العراقي، لكنّ وزارة الخارجية السورية اعترضت على الخطوة، ما دفع الشركة المزوّدة إلى إيقافها، خوفاً من عقوبات دولية. يقول مدير فرع الاتصالات في الحسكة، جميل بلال، إن «المؤسسة العامة تعاقدت على إعادة تأهيل الكابل الضوئي من دير الزور إلى الحسكة، ويتوقع أن ينتهي العمل فيه خلال 120 يوماً»، ويؤكد أن «الخدمة ستعود حال انتهاء الشركة العامة للطرق والجسور من مدّ الكابل الضوئي».
غياب للمشافي الحكومية
برغم وجود الكوادر الحكومية في معظم المشافي العامّة في المحافظة، فإن تعيين «الإدارة الذاتية» إدارات تابعة لها أفرز شبه شلل في الخدمات الحكومية الصحيّة، وأدّى إلى سحب كوادر مشفى الحسكة الوطني بسبب التعاقد «الذاتيّة» مع منظمة «أطباء بلا حدود»، غير المرخصة حكومياً. وتم نقل الكوادر إلى مركز طبي محدّث، بإمكانات متواضعة، لم يستطع حتى الآن تأدية ربع الدور الذي كان يقوم به «المشفى الوطني»، ما دفع الأهالي إلى التوجّه نحو المشافي الخاصّة وتحمّل الأعباء المادية المترتبة على ذلك، فيما ظلّ «مشفى القامشلي» المشفى الحكومي الوحيد المستمرّ في تقديم خدماته.
الخابور يفيض قمامة
في خلال الشتاءين الماضيين، ضربت المنازل القريبة من سرير نهر الخابور موعداً مع الفيضانات. ويأتي ذلك في ظلّ ضيق مجرى النهر، وانخفاض عمقه بصورة ملحوظة، بعدما تحوّل إلى مكب للقمامة، علاوة على إغلاق بعض القنوات بفعل تراكم الأتربة والأوساخ، ما جعل مجرى النهر مليئاً بالقمامة المتراكمة. ويبدو أن المعاناة ستبقى مستمرة في خلال هذا الشتاء إذا ما استمرت الهطولات المطرية الغزيرة. ولا يزال الأهالي يأملون حصول عمليّات تعزيل لمجرى النهر، ووضع جدار استنادي في محيط منطقة الفيض، ليدرأ مخاطر الفيضانات في الفترات القادمة.
أيهم مرعي
إضافة تعليق جديد