الحوار الفلسطيني في نفق مظلم
الإعلان عن تأجيل موعد الحوار الوطني الفلسطيني الذي كان مقررا افتتاحه عمليا يوم أمس كان هادئا. وبدا أن التأجيل تم لاختلاف التوقيت أو لارتباطه بمواعيد أخرى. غير أن هدوء لهجة الإعلان لم يخف شدة الغضب المصري من تفويت فرصة إجراء حوار في القاهرة كان يؤمل منه أن يبدد الاحتقان القائم على الساحة الفلسطينية حتى لو لم يقد إلى حل.
وفي الغرف المغلقة عبّر الغضب الرسمي المصري عن نفسه من دون حدود، وخصوصا تجاه حركة حماس التي يرى المصريون أنها تعاملت بدرجة غير مقبولة من انعدام المسؤولية.
وعلى الصعيد الفلسطيني، بدت الصورة مختلفة بعض الشيء. ففي حماس إدراك لحجم الغضب المصري يخفف منه تلميح بأن القاهرة اختارت أن تكون إلى جانب طرف فلسطيني بدلا من أن تكون وسيطا. وفي فتح شعور بخيبة كبرى لضياع فرصة تحقيق هدنة داخلية تسمح بالتوصل إلى تسوية موقتة، وبالتالي إبعاد خطر تصعيد »حرب الإلغاء«. أما في الفصائل الأخرى سواء القريبة من حماس أو فتح فإن الأمور تتراوح بين الخشية من خطر قادم على الجميع، إلى التقدير بأن الخسارة الكبرى والمسؤولية ستكون من نصيب الحركتين الأكبر.
وفي كل حال، فإن عدم انعقاد مؤتمر الحوار أثار مفاجأة الكثيرين ليس في محيط حماس وفتح، وإنما في داخلهما أيضا. فقد كان معلوما أن المؤتمر قد لا يحقق أي نتائج، لكن ما لم يكن معلوما أن مصر ستعجز عن لم شمل المتصارعين أو أن أحد الأطراف الفلسطينية سيشترط على مصر الحضور. فقد تظاهرت جميع الأطراف الفلسطينية، صدقا أو نفاقا، بقبولها الوساطة المصرية. كما أنها جميعا، وإن علمت أن لمصر مواقفها المعلنة، فإنها وافقت لاعتبارات جيوسياسية، أو لقناعة فكرية على التعامل معها بانفصال عن ذلك. وهكذا ظلت مصر في موقع مختلف
عن حماس وفتح مما جعل فشل الوصول إلى مؤتمر الحوار إفشالا لمساعيها في إثبات حضورها.
وثمة من يرى أن حماس بموقفها الأخير أقدمت على مقامرة غير مضمونة النتائج، لكنها حاولت أن تضبط إيقاعها الداخلي ولو على حساب مكانتها الخارجية. ويشدد هؤلاء على أن الدور الحاسم في موقف حماس المفاجئ من الحوار يعود إلى الإحساس بالقفز عن احتياجات ومطالب حماس في الضفة الغربية. فقد أفلتت السلطة الفلسطينية في الضفة العنان لأجهزتها الأمنية لاعتقال العديد من نشطاء حماس والتضييق على بنيتها التحتية باسم مكافحة فرصة تكرار الانقلاب في غزة. ورأت قيادات حماس في الضفة أن قادة حماس في غزة والخارج لا يفعلون المطلوب من أجل حمايتهم رغم أنهم واقعيا يتحملون عواقب ما يجري في غزة والخارج.
وهكذا انتقل شرط الإفراج عن معتقلي حماس في الضفة من كونه شرطا جانبيا إلى اعتباره الشرط المركزي. وساعدت على ذلك الاستعراضات التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة أمام عدسات التلفزيونات وبينها التلفزيون الإسرائيلي. وهذا ما حدا بحماس أيضا إلى طرح شروط تعجيزية للحوار بينها وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ويعتقد آخرون أن البعض في حماس رأى في الموقف من الحوار فرصة الإثبات للجميع، وبينهم مصر، أن هذه الحركة هي »الرقم الصعب« الذي لا يمكن القفز عنه. ويذهب فلسطينيون إلى حد القول بأن هذه الفرصة تبدو غير مبررة إذا قيست بموعد الحوار وانعقاده. فاشتراط الذهاب إلى الحوار فعل يسيء إلى رافع لوائه، وهو ما ظهر جليا عندما أعلنت قيادات في فتح والسلطة في السابق اشتراط الحوار مع حماس. والجمهور الفلسطيني يتفهم اشتراط الاتفاق، لكنه لا يتفهم البتة اشتراط الحوار، خاصة أن الطرفين يجريان، مباشرة وبشكل غير مباشر، حوارات حتى مع أعداء.
وبعيدا عن توصيف ما جرى فإن الأنظار تتجه الى ما سوف يحدث لاحقا. البعض يعتقد أن مساعي حثيثة سوف تبذل من أجل تحديد موعد جديد للحوار. غير أن تقديرا كهذا يستند إلى الإحساس بالحاجة أكثر مما يستند إلى معطيات واقعية. فالحاجة للحوار كانت قائمة منذ أشهر وبحدة لا تقل عن الحاضر. غير أن المعطيات الواقعية برهنت على أن القناعة بالحوار أقل مما كان يعتقد وأنه لو كانت القناعة أكبر لكانت الحال مختلفة.
ويرى آخرون أن التصعيد قد يكون سيد الموقف. فالموقف المصري الغاضب قد يعزز الحصار الذي تعاني منه حماس بشدة ويدفعها إلى المزيد من الخطوات القمعية في قطاع غزة. وفضلا عن ذلك فإن تراجع فرص الحوار سيزيد مخاوف السلطة في الضفة ويعزز نزعتها القمعية ضد حماس. وهذا يعني أن دورة التصعيد التي قد تزداد حدة وعنفا باتت على الأبواب.
المهم أن القضية الفلسطينية دخلت من جديد نفقا أشد ظلاما من أي وقت مضى. وهناك خشية أن يتم ترسيم الحدود بين السلطتين والشرعيتين الفلسطينيتين واتخاذ كل منهما مسارا مختلفا ومتصادما. والسؤال المطروح اليوم أكثر من السابق هو ما ستقدم عليه إسرائيل ومصر. هل ستكتفي إسرائيل بالتهدئة في غزة مستفيدة من تكريس الانقسام أم ستندفع نحو المواجهة؟ وهل ستحاول حماس الخروج من مأزق الحصار بكسر التهدئة وتصويب الأنظار من جديد نحو المقاومة؟ ولا يقل أهمية عن ذلك هو هل ستتجاوز القاهرة غضبها وتعود للعمل من اجل فرصة جديدة للحوار أم ستستنكف وتترك لصراع »الإخوة الأعداء« أن يبلغ مداه؟
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد