الخليج العربي بوصفه قاعدة لصقور الإدارة الأمريكية نحو المنطقة
الجمل: تشهد الأيام القليلة القادمة منعطفاً جديداً في الأداء السلوكي الميداني للدبلوماسية الوقائية الأمريكية التي تقوم بتحركاتها تحديداً وزيرة الخارجية الأمريكية.
* ما هو الجديد في الدبلوماسية الوقائية الأمريكية:
بحسب الوقائع الدبلوماسية الجارية كانت التحركات الخارجية الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط وعملية السلام تتم حصراً على خطوط تل أبيب – القاهرة – عمان – الرياض، ولكن الوقائع الجديدة القادمة خلال بضعة أيام ستشهد اتساع نطاق هذه الخطوط. وتقول المعلومات بأن وزيرة الخارجية الأمريكية:
• ستحضر يوم 21 نيسان 2008م اجتماعاً في دولة البحرين يضم وزراء خارجية مصر، الأردن والعراق إضافة إلى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي سيمثل بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة (السعودية، البحرين، قطر، سلطنة عمان، دولة الإمارات، الكويت). بكلمات أخرى، فإن اجتماع البحرين الذي ستحضره الوزيرة الأمريكية سيضم 9 وزراء خارجية عرب.
• ستحضر يوم 22 نيسان 2008م –في اليوم التالي لاجتماع البحرين- اجتماعاً في الكويت، سيحضره كل وزراء خارجية البلدان المجاورة للعراق بما في ذلك وزير الخارجية الإيراني مانوشهر متكي.
تشير المعلومات إلى أن اجتماع المنامة (البحرين) واجتماع الكويت سيتطرقان إلى ملف العراق إضافة إلى بعض الملفات الأخرى.
* الحراك الدبلوماسي الأمريكي: ماذا يخفي وراءه؟
جاء توقيت الحراك الدبلوماسي الأمريكي بما يشير إلى عدة نقاط أبرزها:
• اجتماعات رايس جاءت مباشرة بعد زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلي للعاصمة القطرية الدوحة، ومشاركتها في افتتاح منتدى المنامة بخطاب ركزت فيه على تبني التأكيد على تصوير الصراع في الشرق الأوسط باعتباره صراع يدور بين المعتدلين والمتطرفين، وتتمثل قوى الاعتدال في حكومات إسرائيل، مصر، الأردن، السعودية، بلدان الخليج، حكومة السنيورة، والسلطة الفلسطينية، أما قوى التطرف فتتمثل في حكومات سوريا، إيران، وفي قوى المقاومة كحزب الله وحركة حماس.
• تم توزيع الاجتماعات على ما يبدو بتنسيق أمريكي – إسرائيلي، فوزيرة الخارجية الإسرائيلية حضرت اجتماعاً تم عقده في العاصمة القطرية الدوحة، وكوندوليزا رايس ستحضر اجتماعاً في العاصمة البحرينية المنامة وآخراً في العاصمة الكويتية، ولهذا التوزيع أكثر من دلالة، فقطر هي الدولة الخليجية التي استضافت مكتباً للاتصال الإسرائيلي، والبحرين هي الدولة الخليجية التي قدمت للبحرية الأمريكية المزيد من التسهيلات العسكرية، أما الكويت فهي الدولة الخليجية التي تستضيف أراضيها أعداداً كبيرة من القوات البرية الأمريكية إضافة إلى أن واشنطن تنظر إليها باعتبارها الرمز الذي يجسد قوة وفعالية الوجود والنفوذ الأمريكي في الخليج.
* لعبة المعتدلين العرب: هل تغيرت قواعد اللعبة؟
شكلت أمريكا وإسرائيل تجمع المعتدلين العرب بزعامة مصر والأردن والسعودية –التي ما زالت مترددة- لكي يقوم بدور "الطرف الثالث" في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحديداً لجهة التأثير في الأطراف العربية ودفعها إلى تعديل مواقفها بما ينسجم مع المنظور الإسرائيلي، وكان من أبرز الأجندة المطروحة أمام تجمع المعتدلين العرب:
• إفشال المبادرة العربية بما يمكن إسرائيل من الالتفاف عليها والدخول في مفاوضات التطبيع مع العرب مباشرة دون التطرق لموضوع الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وإعلان حدود إسرائيل وغير ذلك.
• القضاء على حزب الله والمقاومة اللبنانية بما يسهل لإسرائيل وأمريكا استخدام الساحة اللبنانية لاستهداف سوريا.
• الضغط على حركات المقاومة الفلسطينية والقضاء على حركة حماس والجهاد الإسلامي بما يعزز الأمن الداخلي الإسرائيلي.
• ترتيب الساحة العراقية بما يتيح للاحتلال الأمريكي الاستمرار والبقاء الآمن لأطول ما يمكن.
• تحويل الساحة العربية لقاعدة ينطلق منها العدوان الإسرائيلي – الأمريكي على إيران.
• الضغط على سوريا وعزلها عن القيام بدورها القيادي في الساحة العربية والصراع العربي – الإسرائيلي بما يؤدي في نهاية الأمر إلى إرغامها على توقيع اتفاقية سلام سورية – إسرائيلية على غرار اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية التي قدم فيها الأردن كل ما طلبته إسرائيل دون أن يأخذ شيئاً.
ولكن بعد نجاح انعقاد القمة العربية في دمشق وصدور إعلان دمشق أدركت إسرائيل وأمريكا أن تجمع المعتدلين العرب يحتاج إلى المزيد من الترسيم وعمليات الإصلاح لأن المطلوب كان إفشال قمة دمشق ولكن ما حدث هو انعقاد القمة وتولي القيادة السورية لرئاسة القمة العربية.
* لعبة الأطراف الثالثة الجديدة: إلى أين؟
الحراك الدبلوماسي الأمريكي الجديد هو حراك جاء بالأساس وفق مخطط أمريكي – إسرائيلي لتغيير قواعد لعبة الدبلوماسية الوقائية الأمريكية في المنطقة وتركز القواعد الجديدة على الآتي:
• نقل دائرة الفعاليات إلى المزيد من العواصم الجديدة، بحيث تبرز المنامة، الدوحة، الكويت ضمن قائمة الأسماء الجديدة في خارطة تحالف المعتدلين العرب. خاصةً وأن هذه الأسماء الجديدة سبق أن جربها الأمريكيون في الحرب التي أدت إلى غزو واحتلال العراق وفي تعبئة الحشود العسكرية الأمريكية ضد إيران، وفي استضافة القواعد الأمريكية. إضافة إلى أنها تقدم النفط والمال لأمريكا، وبالتالي من العدالة بمكان –بحسب وجهة النظر الأمريكية- أن يتم إسناد الدور المركزي لهذه الأطراف بدلاً من عمان والقاهرة اللتان لم تتمكنا من إفشال قمة دمشق، وفي الضغط على سوريا، وفي إجبار اللبنانيين على الانصياع لقوى 14 آذار، وفي دفع الفلسطينيين لإيقاف إطلاق الصواريخ وغير ذلك، إضافة إلى أن عمان والقاهرة تعانيان العزلة الداخلية في الشارعين المحلي والعربي اللذان تتزايد فيهما المعارضة والسخط. وبرغم كل ذلك الفشل، فإن الأهم بالنسبة لأمريكا، هو أن القاهرة وعمان تكلفانها المزيد من نفقات المعونة الباهظة، التي لم يعد بمقدور وزارة الخزانة الأمريكية الإيفاء بها بكرم وسخاء كما كان يحدث في الماضي.
• إضافة المزيد من اللاعبين الجدد بحيث تتوافر لأمريكا وإسرائيل المزيد من "الوسائط" العربية الجديدة التي يمكن توظيفها في إدارة الصراع العربي –الإسرائيلي وبناء سيناريوهات الصراع العربي – الإسرائيلي المفترض.
• بناء الثقة والمصداقية بين واشنطن والعواصم الخليجية لأن زعماء السعودية لم يعودوا يقبلون دور التابع لدبلوماسية القاهرة والتي اكتشفوا أنها تابعة أيضاً لواشنطن، وعلى ما يبدو فإن العواصم الخليجية ترغب بالانخراط في العلاقة المباشرة مع واشنطن، ولم يعودوا راغبين في استخدام قناة القاهرة، التي ظلت تقوم بدور "الوسيط" بما يتيح لها القيام بعملية "حلب" البقرتين الخليجية والأمريكية في آن واحد.
* إلى أين تمضي الدبلوماسية الوقائية الأمريكية الجديدة؟
تهدف الدبلوماسية الأمريكية إلى التأثير في مسارات الصراع العربي – الإسرائيلي والدفع باتجاه حسم مشروع النفوذ الإسرائيلي على المنطقة على أساس افتراضات أن حماية المصالح الأمريكية تتم في هذه المنطقة حصراً عن طريق الاعتماد على القوة الإسرائيلية الغاشمة.
لم يتبق أمام إدارة بوش الكثير من الوقت وكل عمرها المتبقي حوالي ثمانية أشهر لا غير، وخلال هذه الفترة القصيرة:
• يريد الجمهوريون إنقاذ سمعة الحزب الجمهوري التي مرغتها المقاومة العراقية في الوحل.
• يريد المحافظون الجدد تحقيق أكبر قدر ممكن من الأجندة التي تخدم مصلحة إسرائيل.
• يريد ديك تشيني تأمين مصالحه النفطية.
• تريد كوندوليزا رايس الحفاظ على بريقها بما يتيح لها تولي منصب نائب الرئيس الأمريكي في حالة فوز المرشح الجمهوري جون ماكين بالرئاسة.
تتضمن توجهات الدبلوماسية الوقائية الأمريكية الشرق أوسطية الجديدة خليطاً من المصالح الشخصية والمصالح الإسرائيلية، وأما مصلحة أمريكا فلا أحد يهتم بها حالياً في واشنطن ناهيك عن مصالح القاهرة وعمان.
يدرك رموز الإدارة الأمريكية جيداً وعلى وجه الخصوص المحامي جورج بوش وبروفيسورة العلوم السياسية كوندوليزا رايس بأن حل مشكلة الشرق الأوسط غير ممكن، ويدرك ديك تشيني وبعض صقور الإدارة الأمريكية الأثرياء أن المال والنفط يوجدان في الخليج، وقد أعدوا العدة لذلك بأن أقاموا أكبر ترسانة عسكرية أمريكية عالمية في الخليج، بما يوفر الملاذ الآمن لمصالحهم الشخصية وشركاتهم النفطية، وتجدر الإشارة إلى أن الملياردير النفطي الأمريكي ديك تشيني قد بادر إلى تحويل المقر الرئيسي لشركته النفطية «هالبيرتون» إلى دبي، التي زارها قبل بضعة أسابيع مع زوجته وابنته التي ستتولى المسؤولية عن الشركة.
وبعد هذه التغيرات الهيكلية أصبح المطلوب القيام بإجراء التغيرات الوظيفية التي لن تصب بأي حال من الأحوال في مصلحة محور عمان – القاهرة، وتحويل مركز قيادة تجمع المعتدلين العرب إلى الخليج هو تحويل يتيح للدبلوماسية الأمريكية الجمع بين دبلوماسيتين في منطقة واحدة، هما:
• دبلوماسية استهداف إيران.
• دبلوماسية عملية سلام الشرق الأوسط.
• دبلوماسية استدامة الاحتلال الأمريكي للعراق.
• دبلوماسية السيطرة على الموارد النفطية.
وذلك لأن الأطراف الخليجية تنخرط في الدبلوماسيتين وهو أمر لا يتوافر في الوقت الحالي لمحور عمان – القاهرة الذي أثبت:
• العجز في السيطرة على الأوضاع الفلسطينية.
• العجز عن إخماد المقاومة العراقية.
• العجز في بناء تحالف عربي معادي لإيران.
• العجز في عزل سوريا.
• العجز في انتخاب الرئيس اللبناني.
وعلى خلفية رغبة الإدارة الأمريكية في تفادي دفع المعونات ذات التكاليف الباهظة لمحور عمان – القاهرة فقد جاءت التحركات الأمريكية الجديدة في عواصم المنامة والدوحة والكويت لتؤكد بأن أيام منتجع شرم الشيخ والعقبة الأردنية واجتماعاتها قد أصبحت في طريقها إلى الزوال.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد