الدور الإسرائيلي في الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين
الجمل: قام أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الديمقراطيون بمحاولة دفع المجلس إلى إصدار قرار بانسحاب القوات الأمريكية من العراق خلال فترة 120 يوماً. وقد كانت نتيجة التصويت 52% لصالح القرار، و47% ضد القرار، وكان العدد المطلوب هو أن يفوز القرار بأغلبية 60% لكي يصبح قراراً مؤهلاً للدخول في الخطوات التشريعية.
• الصراع الديمقراطي- الجمهوري حول العراق:
استطاع الديمقراطيون توظيف الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي المسلح للعراق، ضد منافسيهم الجمهوريين، واستطاعوا الاستفادة من معارضة الرأي العام الأمريكي لحرب العراق، بما أتاح لهم السيطرة على أغلبية مقاعد مجلس النواب والشيوخ (الكونغرس) خلال تشرين الثاني الماضي، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الديمقراطيون سلسلة من المعارك النوعية ضد الجمهوريين.
برغم أن الإحصاءات تشير بوضوح إلى أن الديمقراطيين يتمتعون بأغلبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، إلا أن أغلبيتهم هذه لا تعتبر أغلبية ميكانيكية مطلقة وذلك لأنها أكثر من 50%، وأقل من 66%.
• لماذا يصر الديمقراطيون على مواصلة الاقتراحات بالانسحاب من العراق؟
يدرك الديمقراطيون جيداً أنه ليس باستطاعتهم الحصول على الأغلبية المطلقة، ولكنهم يسعون للاحتفاظ بملف العراق ساخناً وذلك لإحباط محاولات إدارة بوش ديك تشيني والجمهوريين لتحويل انتباه الرأي العام الأمريكي إزاء الملفات الأخرى، مثل ملف إيران، وسورية، ولبنان، وفلسطين، ودارفور، وروسيا، والصين.
الآن مرت فترة ستة أشهر تقريباً على تولي الديمقراطيين السيطرة على أغلبية الكونغرس، وخلال الشهر الأول تقدم الديمقراطيون بالاقتراح، ولكن تم إفشاله بواسطة الجمهوريين، وفي المرة الثانية تقدم الديمقراطيون بالاقتراح بعد ذلك بثلاثة أشهر، وفي هذه المرة لم يقم أعضاء الكونغرس الجمهوريين بإفشال الاقتراح خوفاً من الرأي العام، وإنما تركوا المهمة ليقوم بها بالبيت الأبيض، وبالفعل استخدم الرئيس بوش حق الفيتو ضد القرار.
والآن وبعد مرور ثلاثة أشهر أخرى، قام الديمقراطيون بتقديم الاقتراح، وفي هذه المرة اضطر أعضاء الكونغرس الجمهوريين إلى عرقلة المشروع.
• تداعيات عرقلة الانسحاب:
استمرت جلسة مجلس الشيوخ الأمريكي طوال الليل، وكانت آراء الجمهوريين تركز على ثني الديمقراطيين عن المضي قدماً، ومحاولة إقناعهم بضرورة تأجيل الاقتراح إلى وقت لاحق.. وأمام إصرار الديمقراطيين اضطر الجمهوريون للتصويت. ويقول المراقبون بأن تأثيرات وعواقب موقف الجمهوريين هذا سوف تكون وخيمة على الحزب الجمهوري وجماعة المحافظين الجدد في الرأي العام الأمريكي:
- أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين فازوا في الانتخابات الماضية انخفضت شعبيتهم بقدر كبير في ولاياتهم ودوائرهم الانتخابية.
- أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين لم ينجوا في الانتخابات الماضية أصبحت فرصهم كبيرة في الفوز مستقبلاً.
- الرأي العام الأمريكي أصبح أقل تأييداً لمرشح الرئاسة الذي يؤيد الحرب في العراق (مثل المرشح الجمهوري ماكين المدعوم بواسطة اللوبي الإسرائيلي والذي انخفضت شعبيته وسط الجمهوريين إلى أقل من 15%).
كذلك أصبح الرأي العام الأمريكي أكثر تأييدا للمرشح الرئاسي الذي يطالب بالانسحاب من العراق، ففي الحزب الديمقراطي أصبحت المنافسة بين السيدة هيلاري كلنتون، والسيناتور باراك أوباما، وفي الحزب الجمهوري مازال غيولياني يتقدم على منافسيه بسبب مطالبته بالانسحاب من العراق.
- من التداعيات الإضافية لموقف إدارة بوش من حرب العراق تزايد الخلافات بين الجمهوريين على النحو الذي أصبح يهدد بانقسام الحزب الجمهوري بين عدة تيارات الأول تيار الرافضين للحرب، والثاني تيار المؤيدين للحرب، ولكن ضمن قيود زمنية محددة، والثالث الرافضين للحرب والمؤيدين لبقاء القوات الأمريكية داخل العراق، ولكن دون أي تدخل في صراعات العراقيين، والرابع المؤيدين للحرب والاحتلال والتوسع، وهذا التيار لم يعد يمثل أكثر من 10% من عضوية الحزب الجمهوري الحالية.
برغم الاختلافات حول أجندة الحزب الجمهوري، فقد ظل الجمهوريون دائماً يتوحدون حول مبدأ واحد هو: تبني الإدارة الأمريكية لسياسة الدفاع عن المصالح الأمريكية والحفاظ على تفوقها كقوة عالمية عظمى.. وحالياً على ما يبدو فإن الخلافات بين الجمهوريين حول الطبيعة التدخلية للسياسة الخارجية وتداعيات الضربة الاستباقية لمبدأ بوش سوف تؤدي إلى تفكيك قوام الحزب الجمهوري الأمريكي، وأيضاً إلى ردع صقور الإدارة الأمريكية المتطرفين من مغبة المضي قدماً في مخططاتهم.
الصراع حول مستقبل حرب العراق، سوف يمتد إلى اللوبي الإسرائيلي ومنظماته الناشطة حالياً، وقد بدأت بالمقابل منظمات وأجهزة اللوبي الإسرائيلي في تكييف وتوفيق أوضاعها مع ظروف ومستجدات الصراع السياسي الجمهوري- الديمقراطي الدائر حالياً حول العراق، ويحاول اللوبي الإسرائيلي توفيق أوضاعه على النحو الآتي:
- إخفاء الدور الإسرائيلي في غزو العراق.
- عدم السماح لأن تنشأ معركة داخل الكونغرس حول السياسة الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط.
- ضمان أن يكون المرشحون الديمقراطيون مؤيدين لإسرائيل.
- عدم الدخول في خلافات مع الزعماء الديمقراطيين المعارضين لحرب العراق مثل هاري ريد زعيم مجلس الشيوخ وغيره.
- عدم توريط مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في الدفاع عن حرب العراق، وحصر ذلك فقط في معهد المسعى الأمريكي، بحيث تحتفظ بقية مؤسسات اللوبي الإسرائيلي بمصداقيتها أمام الرأي العام الأمريكي.
تحركات اللوبي الإسرائيلي لم تنحصر في ذلك، وإنما أصبحت تتضمن تقديم التبرعات والدعم المالي لحملات أبرز المرشحين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء، فحالياً يقدم اللوبي الإسرائيلي الدعم المالي لهيلاري كلنتون وأوباما من الحزب الديمقراطي، وأيضاً لغولياني، وماكين من الحزب الجمهوري.
يحاول اللوبي الإسرائيلي عن طريق الإيباك، الحفاظ على توازن أعضاء الكونغرس اليهود، في مجلسي النواب والشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وذلك بحيث لا يتعرض عدد الأعضاء اليهود البالغ عددهم حالياً حوالى 40 عضواً إلى الخسارة، كذلك هناك انتخابات تكميلية دولية للكونغرس الأمريكي سوف يتم إجراؤها في نهاية عام 2008م، بشكل متزامن مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، ويسعى اللوبي الإسرائيلي إلى دعم المرشحين اليهود من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى الفوز بأكبر عدد من هذه الانتخابات، وذلك بما يؤدي إلى زيادة عدد اليهود في الكونغرس الأمريكي، خاصة وأن ما يهم إسرائيل بالدرجة الأولى هو دعم المصالح الإسرائيلية سواء عن طريق الجمهوريين أو الديمقراطيين، وبرغم أن الإسرائيليين يفضلون الحزب الجمهوري، إلا أن وجود كتلة نواب يهودية كبيرة داخل الكونغرس سوف تضمن سنداً قوياً لإسرائيل لأنهم سوف ينضوون في نهاية الأمر تحت لواء اللوبي الإسرائيلي الذي سيوحد بينهم في نهاية الأمر.
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد