الصراع على كركوك
الجمل: نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ورقة الرصد السياسي رقم 1183، والتي أعدها سونر كاغابتاي، ودانيال فينك، وحملت عنوان (المعركة من أجل كركوك: كيفية درء ومنع –ظهور- جبهة ثانية في العراق).
في 14 كانون الثاني الحالي، وفي حالة نادرة للوحدة بين العرب السنة والشيعة والتركمان والمسيحيين العراقيين، فقد تجمع عدد كبير من هؤلاء جميعاً في مؤتمر تم عقده في العاصمة التركية أنقرة، وذلك من أجل شجب وإدانة المخططات الكردية الهادفة والرامية إلى إدماج وضم مدينة كركوك (عاصمة محافظة تميم العراقية) ضمن إقليم كردستان.
حدث هذا التجمع بعد انفجار أحداث العنف الأخيرة في مدينة كركوك، والتي تضمنت عمليات تفجير في الشوارع خلال كانون الأول الماضي، إضافة إلى بعض وقائع وأحداث العنف التي حدثت في الفترة بين كانون الأول 2005، وتموز 2006م. كذلك تفيد التقارير الأمنية بأن نسبة حدوث عمليات العنف في مدينة كركوك قد ارتفعت بحوالي 76%، على النحو الذي أدى إلى إنهاء الوضع الذي كانت تتمتع به هذه المدينة كمنطقة آمنة في الماضي.
تناولت ورقة الرصد السياسي مشكلة كركوك من خلال خمس نقاط، يمكن استعراضها على النحو الآتي:
• الخلفية: في عام 1957م، أشار الاستطلاع الذي تم إعداده إلى أن سكان مدينة كركوك يبلغ عددهم الإجمالي 113989 نسمة، منهم أغلبية تركمانية تبلغ 40%، وأقليات هي الأكراد ويمثلون حوالي 35%، والعرب ويمثلون حوالي 24%، و(الآشوريون) المسيحيون ويمثلون حوالي 1%.
كذلك أشار هذا الاستفتاء إلى أن إجمالي السكان في المناطق المحيطة بمحافظة التميم يمثل الأكراد فيه حوالي 55%، والتركمان حوالي 14%، والعرب 29%، والمسيحيون أقل من 1%.
وبسبب أن أغلبية سكان كركوك، ليسوا من العرب، فقد قام صدام حسين بتطبيق أسلوب الـ(هندسة السكانية الديموغرافية) كوسيلة لإضفاء الهوية العربية على مدينة كركوك، ولتطبيق ذلك قام صدام حسين بالآتي:
- طرد وإخراج أعداد كبيرة من التركمان والأكراد والمسيحيين (الآشوريين) من مدينة كركوك وبدلاً عنهم قام بتوطين العرب الشيعة من فقراء جنوب ووسط العراق.
- نقل وتوزيع الأكراد والتركمان والمسيحيين (الآشوريين) على بقية أجزاء العراق.
ونتيجة لذلك أصبحت تسيطر على مدينة كركوك أغلبية عربية شيعية سنية، ولكن بعد غزو القوات الأمريكية واحتلالها للعراق، قامت سلطات الاحتلال الأمريكي بإنشاء لجنة مطالبات الملكية العراقية، والتي هدفت بشكل رئيسي إلى (تصحيح مظالم) نظام صدام السابق.
كذلك أشار الدستور العراقي الذي أشرفت على وضعه سلطات الاحتلال الأمريكي إلى ضرورة تحديد مستقبل مدينة كركوك السياسي بعد تطبيق عملية من ثلاثة مراحل، هل:
- المرحلة الأولى: إجراء عملية تطبيع تتصاحب مع عودة الآشوريين (المسيحيين)، الأكراد، والتركمان الذين تم تهجيرهم إلى المدينة، قبل حلول شهر آذار عام 2007م.
- المرحلة الثانية: إجراء تعداد سكاني في تموز 2007م من أجل تحديد الوضع القانوني لساكني ومواطني المدينة، الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء النهائي.
- المرحلة الثالثة: إجراء الاستفتاء النهائي الذي يحدد مستقبل وضع مدينة كركوك في 15 تشرين الثاني 2007م.
• السيطرة الكردية على كركوك: بدا واضحاً أن عدد سكان كركوك من الأكراد بدأ يتزايد بقدر كبير شيئاً فشيئاً منذ لحظة بدء الحرب الأمريكية ضد العراق، وقد ارتفع العدد الإجمالي من 700 ألف إلى 800 ألف حالياً، مع ملاحظة أن تزايد هذا العدد تم وفقاً لعملية دخول وخروج متزامنة بين سكان المدينة.
- خروج العرب والتركمان بأعداد كبيرة.
- دخول الأكراد بأعداد كبيرة.
وقد أشار اليهودي الأمريكي جودي يافي الزميل بجامعة الدفاع الوطني التابعة للجيش الأمريكي، بان حوالي 150 ألف عربي قد تم إجبارهم على الرحيل ومغادرة المدينة، وذلك من جراء عمليات العنف والتهديد والتقصد التي قام بها الأكراد.. وبعملية حسابية يتضح لنا أن هجرة 150 ألف عربي من إجمالي سكان المدينة السابق البالغ 700 ألف نسمة، معناه أن المتبقين من سكان المدينة السابقين هو فقط 5550 ألف نسمة، والذي ارتفع حالياً بسبب توطين الأكراد إلى 800 ألف نسمة، هو أمر معناه أنه تم إجبار 150 ألف عربي على الرحيل من مدينة كركوك، وإدخال وتوطين 250 ألف كردي فيها.
كذلك فقد كشف صحيفتي يو إس تودي، الواشنطن يوست الأمريكيين العديد من التقارير الأخبارية والميدانية التي تكشف وتوضح قيام قوات البشمركة الكردية بالآتي:
- استخدام العنف والقتل والإرهاب لإخراج العرب وترحيلهم عن المدينة
- القضاء على ممتلكات العرب الموجودين في المدينة بما في ذلك تدمير المنازل ونهب وحرق المتاجر، وقتل الحيوانات.
- تشجيع السياسيين الأكراد في كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة جلال طالباني)، والاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة البرزاني)، لقوات البشمركة التابع لهم عمليات استخدام العنف لطرد السكان العرب من كركوك.
- امتداد عمليات التهجير القسري التي تنفذها قوات البشمركة الكردية إلى السكان التركمان ا لموجودين في المدينة، وتفيد الكثير من المعلومات الواردة مؤخراً إلى التناقص الكبير في أعداد هؤلاء التركمان.
- قيام سلطات حكومة كردستان الإقليمية، بتشجيع ودعم هجرة الأكراد وتوطينهم داخل المدينة بدلاً من العرب والتركمان. وقد أكدت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية بأن حوالي 100ألف كردي من إجمالي الـ350 ألف كردي الموجودين حالياً في المدينة، لم يسبق لهم أن عاشوا من قبل في مدينة كركوك.
- قام الحزبان الكرديان الكبيران (الحزب الديمقراطي والكردستاني)، و(الاتحاد الوطني الكردستاني)، اللذان يسيطران على حكومة إقليم كردستان الحالية، بتقديم الدعم المالي الكبير لكل العائلات الكردية الراغبة في التوطين في كركوك، بما يتيح لهم بناء وتأثيث المنازل وأماكن العمل.
- في انتخابات كانون الثاني 2005م، هدد الأكراد بالمقاطعة الشاملة للانتخابات إذا لم تقم الحكومة المركزية العراقية بالاستجابة والتنفيذ لمطلب أن الأكراد النازحين في أربيل والسليمانية غير المقيمين في كركوك، أن يشاركوا بالتصويت في انتخابات كركوك المحلية والإقليمية، وكان الأكراد يهدفون من ذلك إلى زيادة حجم التمثيل الكردي السياسي في مدينة كركوك.
وبسبب استجابة (الحكومة المركزية العراقية) التي نصّبتها سلطات قوات الاحتلال الأمريكية، حصلت قائمة الحزبين الكرديين الكبيرين على 95% من أصوات الناخبين في مدينة كركوك، بما ترتب عليه حصول الأكراد على الأغلبية المطلقة في مجلس محافظة التميم، والذي مقره عاصمتها كركوك.
- قام الأكراد بتوظيف هذا النصر الانتخابي، واستطاعوا السيطرة على كل المرافق الرسمية الحكومية الموجودة في محافظة التميم وفي عاصمتها كركوك.
ويمثل الأكراد حالياً 40% من عناصر شرطة كروك، البالغ عددها 6120 عنصراً. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر الكردية تم تعيينها حصراً بواسطة الحزبين الكرديين الكبيرين، وجميعها من عناصر ميليشيات البشمركة الكردية.
- تقوم قوات وميليشيات البشمركة الكردية بالإشراف على تسيير الدوريات وتنفيذ حملات المداهمة والمطاردة في المدينة حالياً بدلاً عن قوات الشرطة.
• النفط: أكدت المسوحات الجيولوجية بأن احتياطي نفط منطقة كركوك يعادل حوالي 8% من اجمالي احتياطيات النفط العراقية البالغة حوالي 78 مليار برميل، ويعتقد أن الاكتشافات الجديدة في المنطقة سوف ترفع هذا الرقم بحيث تمثل احتياطيات منطقة كركوك وحدها حوالي 20 مليار برميل. وحالياً تتحايل الحركات الكردية وحكومة كردستان على الدستور العراقي، وذلك بما يؤدي إلى وضع الاكتشافات النفطية الجديدة بالكامل تحت تصرف هذه الحركات الكردية، وتأكيداً لذلك فقد قامت حكومة كردستان بتوقيع اتفاقيات نفطية مع بعض الشركات الأجنبية، بهدف استغلال نفط منطقة كركوك بشكل منفصل يستبعد الحكومة المركزية العراقية.
• التحالف المناهض للأكراد: على المقابل من جهود وأنشطة الحركات الكردية وحكومة كردستان الإقليمية الهادفة إلى إجراء عمليات تطهير عرقي اثني طائفي في مدينة كركوك، من أجل السيطرة عليها، فقد نشأت بسبب ذلك العديد من الجماعات المسلحة المتحالفة مع بعضها البعض في مواجهة الاكراد، وقد نفذت هذه الجماعات العديد من الهجمات المسلحة ضد الأكراد والمسؤولين في حكومة كردستان الإقليمية، وبعض قادة الحزبين الكرديين الكبيرين.
وتؤكد المعلومات الواردة في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بأن نصف التركمان المقيمين في كركوك ينتمون إلى المذهب الشيعي، وحالياً أصبحوا يؤيدون بالكامل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ويدعمون عمليات جيش المهدي التابع له. أما النصف الآخر من تركمان كركوك فينتمون إلى المذهب السني، فقد توزعت انتماءاتهم بين الحركات الإسلامية السنية التي تقوم حالياً بتنفيذ العديد من العمليات المسلحة ضد الأكراد، والحكومة العراقية، والقوات الأمريكية.
• السياسة الأمريكية: الكثير من التركيز أصبح يتزايد حالياً إزاء ملف الحرب الأهلية المحدقة بالعراق، ومستقبل التكوينات الاثنية والطائفية الموجودة حالياً في منطقة بغداد. كذلك أصبح هناك الكثير من الانتباه والتركيز إزاء التكوينات الاثنية والطائفية الموجودة في منطقة كركوك. وعلى ما يبدو فإن الوضع أصبح أكثر خطورة في مدينة كركوك، والتي سيطر عليها الأكراد وأصبحوا يقومون بتنفيذ مخطط يهدف إلى تهجير العراقيين من سكان المدينة غير الأكراد، بما يؤدي إلى تفريغ المدينة وإخلائها بالكامل منهم قبل تنفيذ المرحلتان التاليتان المتعلقتان بمستقبل المدينة، وهما: مرحلة تسجيل الناخبين، ومرحلة الاستفتاء النهائي لتحديد مستقبل المدينة.
وعموماً يمكن القول: إن الصحف الأمريكية والمسؤولين في الإدارة الأمريكية، وأيضاً زعماء الحركات الكردية وقادة حكومة كردستان تقول جميعاً بضرورة إعادة السكان التركمان والعرب إلى مدينة كركوك، والاتفاق معهم على صيغة اقتسام السلطة في المدينة على النحو الذي يؤدي إلى التعايش السلمي بين جميع الاثنيات والطوائف العراقية ضمن المدينة.
برغم ذلك، فإن ما يحدث على الأرض يخالف ذلك تماماً، وعلى ما يبدو فإن سلطات الاحتلال الأمريكية تتواطأ تماماً مع عملية التطهير العرقي والاثني التي تنفذها حالياً قوات البشمركة ضد سكان كركوك غير الأكراد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد