العدوان الثلاثي 2018: دمشق صامدة
بعد 62 عاماً على العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على «مصر ـــ عبدالناصر»، وفي الذكرى الـ15 لغزو العراق، عاد الغزاة أنفسهم، بقيادة اميركية، ليعتدوا على دمشق التي تحارب وكلاءهم منذ سنوات. هذا العدوان الذي سرعان ما انتهى، تصدّت له الدفاعات الجوية السورية، فيما صدر التعليق السياسي الأول على العدوان من روسيا، وتحديداً من سفيرها لدى واشنطن الذي اعتبر أنّ هذه الهجمات «إهانة للرئيس الروسي» فلاديمير بوتين، مشدداً على أن للعدوان عواقب تتحمل مسؤوليتها الدول الثلاث.
عند الرابعة من فجر اليوم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدء عدوان بلاده، على سوريا. وكعادة حكام واشنطن السابقين عند كل عدوان على بلادنا، قدّم ترامب لعدوانه بخطاب «اخلاقي» عن سلاح دمار شامل يُراد التخلص منه، قبل ان يلوّح بإمكان إقامة علاقات طبيعية بين بلاده وروسيا، «وربما إيران»، في المستقبل. وعلى طريقة كولن باول ممهداً لغزو العراق عام 2003، قال ترامب إن روسيا فشلت في الوفاء بالتزامها بنزع السلاح الكيميائي السوري عام 2013، عندما عقد سلفه باراك أوباما صفقة مع بوتين انتهت إلى منع عدوان غربي على سوريا، في مقابل تخلي الأخيرة عن ترسانتها الكيميائية.
الحياة الطبيعية عادت إلى دمشق فجراً، بعد أكثر من ساعة على بدء العدوان الذي تزامن انطلاقه مع تضارب في المواقف الاميركية. ففيما نقلت قناة «سي ان ان» عن مسؤولين أميركيين أن العملية «لن تنتهي الليلة»، أعلن وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الأركان جوزف دانفورد، عند الخامسة فجراً (بتوقيت دمشق) وقف الهجمات، مشيرين إلى أنّ لا خطط إضافية، وأن القرار المستقبلي بيد ترامب. وبدا لافتاً حديث ماتيس عن تمسّك بلاده بمسار جنيف لإنهاء الحرب السورية.
في المحصلة العسكرية، قالت مصادر ميدانية إن صواريخ العدو استهدفت عدداً من المواقع في محيط دمشق وريف حمص، إلا أنها تركزت على مركز البحوث في برزة بدمشق. وقال التلفزيون السوري إن القصف أدى إلى تدمير مبنى يحتوي على مركز تعليم ومخابر علمية، بينما «اقتصرت الأضرار على الماديات».
وكانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية «تواكب» صواريخ العدوان الثلاثي، من الأجواء اللبنانية، وتحديداً من فوق سهل البقاع المحاذي للحدود اللبنانية ـــ السورية. وفيما أشيع عن أهداف أخرى أصابتها الصواريخ الأميركية والبريطانية والفرنسية، تبيّن أن الجزء الأكبر من أصوات الانفجارات التي سمعها سكان دمشق وحمص نجمت عن المضادات الأرضية. وقد تمكّنت الدفاعات السورية من إسقاط عدد كبير من الصواريخ، وخاصة في سماء محافظة حمص. ونفى التلفزيون السوري أن يكون مطار دمشق الدولي قد تعرّض لأي اعتداء. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ أي صاروخ لم يدخل المنطقة المشمولة بدفاعاتها الجوية المخصصة لحماية القاعدة البحرية في طرطوس ومطار حميميم.
وكان الجيش السوري قد أخلى المواقع المستهدفة من العناصر والآليات وبعض المعدات. وبحسب المعلومات، لا إصابات بشرية في صفوف القوات السورية والحليفة ولا خسائر مادية فادحة.
وأفاد مصدر مطلع بأنّ قيادة «الأركان» السورية كانت منعقدة خلال الضربات وأنهت اجتماعها سريعاً بعدما أحصت نتائج ضربات العدوان، الذي أدى إلى «صفر خسائر» بالمعنى العسكري. وخلُص التقدير الأولي إلى أنّ العدوان استخدم صواريخ مجنحة يمكن إطلاقها من خارج الأجواء السورية، وهو ما أشارت إليه قناة «سي ان ان» نقلاً عن مصادر عسكرية.
بالمعنى الاستراتيجي، استهدف العدوان روسيا بالدرجة الأولى. ولم يعد هذا الاستنتاج يقتصر على التحليل، إذ إنّ السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، قال إنّ العدوان الثلاثي «إهانة للرئيس الروسي»، مشدداً على عواقبه. وفي الأيام الماضية، حاول فريق ترامب الحصول على ثمن سياسي كبير من الروس، يتمثل بإخراج إيران وحلفائها من سوريا، في مقابل عدم شن عدوان عليها. لكن الموقف الروسي كان رافضاً لهذا العرض، في ظل تقدير موسكو وطهران ودمشق بأن ترامب لن يلجأ لخيارات «مجنونة» تؤدي إلى إشعال حرب كبرى مع روسيا، وبأنّه سيكتفي بضربة «استعراضية» لا أكثر.
على الرغم ذلك، فإنّ موسكو وحلفاءها يعلمون أنّ فتح نافذة «الاعتداءات الصغيرة» لواشنطن، من دون رادع، قد يُشرّع لها باب «العدوان الكبير» مستقبلاً، فضلاً عن كونهم مقتنعين بأنّ أهداف العدوان متصلة بمستقبل الحرب السورية ـــ عسكرياً وسياسياً ـــ ولا علاقة لها بالهجمات الكيميائية المزعومة في دوما. ولذلك، فإنّ روسيا معنية بلجم الاميركيين، علماً أنّ مشاركة كل من فرنسا وبريطانيا بلا ثقل حقيقي، من دون أن يعني ذلك أن دورهما العدواني سيكون بلا ثمن.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنّ بلاده شاركت في العملية العسكرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، مشيراً إلى أن الضربات الفرنسية «تقتصر على قدرات النظام السوري في إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية». أما رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، فقالت إنها أذنت للقوات المسلحة البريطانية بشنّ «ضربات مركّزة ومنسقة» ضد القدرات العسكرية الكيميائية السورية من اجل «تجنّب» استخدام هذه الأسلحة. وفيما دانت طهران العدوان محذرة من «عواقبه الإقليمية»، أكّدت دمشق أن «العدوان الثلاثي ضد سوريا انتهاك فاضح للقانون الدولي وكسر لإرادة المجتمع الدولي وسيكون مآله الفشل». واعتبرت أنّ «دول العدوان الثلاثي تستبق عمل بعثة التحقيق الخاصة بالغوطة» التي وصلت إلى دمشق، في إشارة إلى بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي وصلت إلى سوريا للتحقيق في ما جرى يوم السبت الماضي في دوما. وقالت «سانا» إنّ هدف الدول الثلاث «إخفاء كذبها». ومن تل أبيب، صدرت مواقف إعلامية تشير إلى أن العدوان لن يغيّر الوقائع الميدانية في سوريا، ولا في وضع روسيا وإيران كحليفتين لدمشق. وفي الإطار عينه، أتت تعليقات أميركية لتؤكد أنّ ما جرى فجر اليوم لن يبدّل مسار الحرب السورية، ولا رجحان كفة دمشق ـــ طهران ـــ موسكو فيها.
أمام مجمل هذا المشهد، لعلّ التعبير السياسي الأكثر وضوحاً صدر عن مواطنين سوريين، تجمعوا بعد العدوان، في ساحة الأمويين بدمشق، رافعين أعلام بلادهم، والعلمين الروسي والإيراني. دمشق تنبض بالحياة. دمشق صامدة. وستبقى.
الأخبار
إضافة تعليق جديد