الغرب ينظر بعين الحَذر إلى الجانب المظلم للوهابية
الجمل ـ زبير خان ـ ترجمة: د. مالك سلمان: في المملكة العربية السعودية لا يُسمح ببناء كنيسة, أو كنيس, أو معبد هندوسي. الوهابية (مكافىء للسلفية) ليست دينَ تسامح. تقدم الوهابية القاعدة الرئيسة للجهاد الذي يتسبب بألم و بؤس لا ينتهيان.
ليست إيران هي التي يجب أن تُقصَف. ففي إيران لا يزال هناك يهود يعيشون ويصلون في كنُسهم. كان معمر القذافي يحترم الديانتين المسيحية واليهودية والكنائس والكنُس الموجودة في ليبيا, لكن الإرهابيين الذين تمولهم الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا والسعودية و قطر قاموا بتدمير الكنائس و الكنُس في الآونة الأخيرة. بقيت المعابد البوذية, بما في ذلك تماثيل باميان بوذا, في الدول الإسلامية طيلة قرون, لكنها لن تصمدَ في ظل الوهابية.
واشنطن و لندن تحميان المتطرفين الوهابيين. في سوريا, كان المسيحيون و كنائسهم آمنين قبل أن يبدأ الغربيون بإرسال المتعصبين الوهابيين لقتل المدنيين السوريين البريئين.
في البوسنة و كوسوفو, وتحت ستار "المساعدة في إعادة البناء", قامت السعودية والكويت و منظمات وهابية أخرى بتدمير و إزالة صروح إسلامية هامة كانت قد نجت من هجمات الجماعات المسلحة الصربية والكرواتية. وقد تم تشييد هذه الصروح من قبَل المسلمين بروح ثقافية وتقليد إسلامية تعود إلى القرن الرابع عشر, قبل وقت طويل من تحالف ابن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر مع أمير الحرب ابن سعود الذي أسس العائلة الملكية السعودية – آل سعود.
قام الوهابيون, والبريطانيون, بدعم أمير الحرب ابن سعود وأضفوا الشرعية على العائلة الحاكمة السعودية وصراعها ضد الخلافة العثمانية في تركيا. و منذ ذلك الوقت, يواظب آل سعود على دعم بريطانيا و حلفائها, بما في ذلك الولايات المتحدة و إسرائيل. وعندما انتزع آل سعود السيطرة على الأماكن المقدسة في السعودية من الخلافة العثمانية في تركيا بدعم بريطاني, تم تدمير خمسة عشر قرن من التراث الإسلامي, بما في ذلك تدمير قبور زوجات و أصحاب النبي الكريم, في محاولة مناهضة للرموز الدينية لفرض الوهابية. كما قام آل سعود, المناهضون للرموز الدينية, بتدمير تدريجي للعديد من المزارات المقدسة, بما في ذلك الأماكن الإسلامية التاريخية, من بيت النبي في مكة إلى منزل الصحابي أيوب الأنصاري في المدينة, وقاموا بتحويلها إلى شقق سكنية و فنادق. كما حولوا موقع منازل زوجات النبي إلى كاراج للسيارات.
أحكمَ آل سعود, المدعومون من قبل الوهابيين, سيطرتهم على الحجاز ومكة والمدينة في سنة 1924 و أسسوا دولة العربية السعودية الحديثة التي اعتمدت الوهابية ديناً رسمياً لها. و منذ ذلك الوقت, عمل آل سعود على ترويج الوهابية بصفتها الإسلام المعياري في كافة أرجاء العالم الإسلامي. وقد تم تعزيز سلطة آل سعود بواسطة ثروة نفطية هائلة, حيث أنفقوا مبالغَ هائلة في تشييد المساجد الوهابية, ونشر الكتب التي تروج للفكر الوهابي, وتمويل المؤسسات الوهابية في كافة أنحاء العالم. واليوم, مع إحكام السيطرة الوهابية على الأماكن المقدسة, فقد تم اختراق جميع زوايا الإسلام الحديث وأوجهه عبر التأثير الوهابي الذي مارسه آل سعود.
من خلال السيطرة على الحَج – القلب النابض للإسلام – وعبر وسائل النشر والدعاية القوية, ضَمِنَ السعوديون وصولَ شيء من التأثير الوهابي إلى جميع المسلمين.
تتنبأ العقيدتان الصهيونية والوهابية اليوم بسقوط إيران وبيلاروسيا, ومن ثم روسيا والصين, بعد سقوط دمشق, أمام قوى الناتو والوهابيين المدعومين من السعودية وقطر والذين يشكلون نسبة كبيرة من الحركة المناهضة لسورية.
الصوفية هي حركة إسلامية أصيلة مقاومة للأصولية. وقد ساد التقليد الصوفي الروحي في جنوب آسيا, بما في ذلك سريلانكا لعدة قرون. في الباكستان, دخل التطرف إلى النزعة الدينية في البلاد؛ حيث سيطرت الوهابية السياسية المتشددة على الإسلام الصوفي المعتدل المسمى "باريلفي". تذكر أن الجهاديين الوهابيين قاموا بنصب كمين للاعبي الكريكيت السريلانكيين في لاهور.
وصلت إيديولوجيا الإسلام الوهابي إلى سريلانكا في الأربعينيات من القرن العشرين, لكن المسلمين السرلنكيين رفضوها. وبعد ذلك بدأت العربية السعودية, الغنية بالنفط, باختراق المسلمين السريلنكيين في السبعينيات من القرن نفسه.
تحت تأثير تمويل البترو-دولار السعودي, يتحمل أتباع الوهابية المسؤولية عن الصدامات الطائفية المتزايدة بين المسلمين السريلنكيين, وخاصة في المقاطعة الشرقية. من المؤسف أن هناك صعوداً متنامياً للجهادية الوهابية في سريلانكا.
يحاول الوهابيون جَرَ المجتمع الإسلامي المسالم في سريلانكا نحو التطرف والعنف. فقد تنامى تأثير الأصولية الوهابية بسرعة في سريلانكا نتيجة تمويل آل سعود لبناء العديد من المدارس [الدينية].
عمل الوهابيون على خلق انقسامات عميقة بين المسلمين السريلانكيين, كما شكلوا عصابات تعمل على استفزاز المسلمين المعتدلين الذين يناهضون المتعصبين الوهابيين. وعلى شاكلة المجموعات المسيحية الأصولية التي تستغل المنظمات غير الحكومية لتحويل العائلات البريئة الفقيرة إلى الدين المسيحي, يقوم الوهابيون بتقديم الأموال والمساعدات المادية الأخرى للعائلات المسلمة الفقيرة لتشجيعهم على اعتناق الوهابية. إن بناء الكنائس والمدارس [الدينية] في كافة أنحاء العالم لحَصد أرواح الفقراء فكرة في غاية الذكاء. حتى أن الوهابيين يستخدمون المؤسسات الحكومية السريلانكية الثقافية والدينية لتعزيز نشاطاتهم المشبوهة.
يزعم الوهابيون أن المسلمين السريلانكيين المعتدلين لا يعرفون أي شيء عن الإسلام وأنهم هم الوحيدون الذين يفقهون الإسلام. لكن الوهابيين لا يدعون إلا إلى الكراهية والرعب والجريمة. ولكي تفهم العقلية المنحطة للوهابيين, عليك فقط أن تنظر إلى "الفتنة"التي سببها الوهابيون في باكستان.
يجب على السلطات التحقق من كل مدرسة وداعية في المقاطعة الشرقية للتأكد من أنهم لا يبشرون بأي شيء يلحق الضرر بسريلانكا. تبقى العربية السعودية قاعدة دعم مادي هام للقاعدة, وطالبان, و "عسكر طيبة", والمجموعات الوهابية الإرهابية الأخرى. تنفق العربية السعودية (87) مليار دولار سنوياً لنشر الوهابية في العالم. ويتم تقديم المنح لشبابنا المسلم للذهاب إلى المؤسسات الوهابية في السعودية ومصر, حيث يقوم من يكملون دراستهم الوهابية بالعودة إلى سريلانكا للترويج للوهابية.
قامت وكالة الاستخبارات المركزية بإدخال الوهابية إلى سريلانكا عبر السعودية بهدف مواجهة الدعم المتنامي لإيران والصوفية بين المسلمين السريلانكيين, حيث قدرت وكالة الاستخبارات المركزية أن الوهابية ستكون فقهاً منافساً فعالاً لمنع انتشار التأثيرالإيراني في سريلانكا.
حصلت الصدامات بين الصوفيين والمسلمين الوهابيين في "كاتانكودي" و "أودامافادي" بشكل منتظم نتيجة صراع المعتقدات بين الفقهين الدينيين. ففي تشرين أول/أكتوبر 2004 وقعت صدامات مماثلة في "كاتانكودي", حيث قام الجهاديون الوهابيون بحرق أكثر من 200 منزل لأتباع الصوفية.
قُتل عبد البايلفان, أحد القادة الصوفيين المحليين, في كولومبو ودُفن في "كاتانكودي" في اليوم التالي. قام المسلمون الوهابيون باحتلال المقبرة وطلبوا نقل الجثمان إلى مكان آخر. إذ يزعم المسلمون الوهابيون أن تربة "كاتانكودي" مقدسة, لذلك يُمنع دفن أولئك الذين يروجون لأفكار مخالفة للوهابية في ذلك المكان. لذلك طالبَ الوهابيون بنبش قبر بايلفان, من "ماروثاموناي" في منطقة "أمبارا", ودفنه في مكان آخر.
كما قام الوهابيون بنبش جثة مسلم صوفي آخر من مقبرة أحد المساجد ورمي جثته على إحدى الطرق في لفتة احتجاجية. عثرت شرطة "كاتانكودي" على الجثة, ثم أعادوا دفنها في موقعها السابق, وقاموا بحراستها لعدة أيام.
في "كاتانكودي" تصاعدت وتيرة الكراهية بين الوهابيين والصوفيين في السنوات القليلة الأخيرة, مخلفة العديد من الجرحى كما ألحقت الدمار بالعديد من المنازل والسيارات.
ويعكس صدام لاحق حدث في سنة 2009 في بلدة "بيروالا" الساحلية المسلمة, الواقعة في الجنوب الغربي من البلاد, توتراً دينياً مماثلاً بين شيخ صوفي معروف وتجَمُع وهابي مجاور.
نجح العملاء السعوديون باختراق النسيج الاجتماعي لمسلمي سريلانكا ملحقين الهزيمة بالصوفية في ساحة الحرب التي خلقوها. وقد تغلب الوهابيون على الصوفيين نتيجة الدعم والتدريب المقدمين من آل سعود. لقد تم إخضاع المسلمين في سريلانكا نتيجة التأثير الوهابي, بينما يطالب البوذيون بإطلاق سراح ريزانا نافك – وهي خادمة مراهقة من "موثور" حُكم عليها بالموت من قبل المحكمة الشرعية الوهابية في المملكة السعودية.
يقوم آل سعود, الذين يدعون قيادتهم للإسلام, بالترويج لإيديولوجيتهم الوهابية في العالم كله. وكانت النتيجة ولادة القاعدة وطالبان وعسكر طيبة والمجموعات الوهابية الإرهابية الأخرى التي تقتل المسلمين السنة والشيعة على حد سواء في العراق وأفغانستان وباكستان.
تجذرت الوهابية في المالديف من أيام مأمون عبد القيوم. فبعد تركها لإسلامها المعتدل المتسامح, تتجه المالديف الآن نحو مجتمع وهابي أصولي متعصب.
تتلقى القاعدة وطالبان وعسكر طيبة الدعم والرعاية من وكالة الاستخبارات المركزية والموساد بهدف زعزعة الاستقرار في البلدان المناوئة لها. ولأن آل سعود يعتمدون على الأمريكيين لحمايتهم, فإنهم يطيعون الأمريكيين في كل شيء يطلبونه منهم. ولذلك فإن الشيطنة المستمرة لإيران والحرب الحالية على الرئيس السوري بشار الأسد تؤكدان أن الدول الغربية قد انضمت إلى الوهابية في حرب الوهابيين على الشيعة. لكن الجهادية الوهابية تبقى خطراً أمنياً بعيدَ المدى يخيم على العالم المتمدن. فمن خلال انتشار التعليم الوهابي في عشرات الآلاف من المدارس الوهابية المنتشرة في العالم, يقوم الوهابيون بتفريخ عشرات الملايين من الشباب الذين سيبقون خارج الاقتصاد الإنتاجي سوف يوجهون, بالتالي, نقمتهم وغضبهم ضد بقية المجتمع.
فحتى الهجرة القسرية لمجتمع "بانديت" الهندوسي من وادي كشمير في الهند في بدايات التسعينيات من القرن العشرين, وتدمير العديد من معابد الهندوس والسيخ على يد الجهاديين الوهابيين في كشمير, فشلت في إبطاء وتيرة التغطية المدائحية لوسائل الإعلام الغربية التي تصور الجهاديين الوهابيين كمناضلين من أجل الحرية يواجهون الجيش الهندي في "جامو" و دولة كشمير. وقد تم استخدام "نموذج كشمير" في تسخير لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان لكسب الدعم الغربي, حتى مع اللجوء إلى سياسات مغايرة على الأرض, بشكل واسع لإسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي. فقد كره الوهابيون معمر القذافي لمجرد أنه حكم ليبيا دون الاستماع لمطالب الوهابيين في إقامة حكم الشريعة أو فرض ارتداء العباءات على النساء.
بعد هزيمة القذافي ومقتله, فإن الجهاديين الوهابيين الذين سيطروا على ليبيا نتيجة الدعم الكبير من نيكولا ساركوزي و ديفيد كاميرون لم يضيعوا أي وقت لفرض نسخة وهابية من قانون الشريعة في ليبيا وقتل وسَجن كل من يخالف رؤيتهم المتطرفة للعالم. ولحسن حظهم فإن القنوات الإعلامية الغربية, التي كانت تفيض فيما مضى بأخبار ليبيا تحت حكم القذافي, قد صمتت الآن بخصوص خروقات حقوق الإنسان الجسيمة التي تحدث في ليبيا بعد "تحريرها" في سنة 2011.
بعد نجاح العملية في ليبيا, بدأ الجهاديون الوهابيون – المناوئون للرئيس السوري بشار الأسد – في توجيه الإعلام الغربي والرأي العام على طريقة الجهاديين الوهابيين في كشمير في التسعينيات من القرن الماضي.
وقد أصبح التماهي مع هذه التوجه كاملاً إلى درجة أن أكبر وسائل الإعلام الغربية صارت تتقبل, ودون أي تمحيص أو تفكير, وبمثابة "حقائق" أن الرئيس السوري – على سبيل المثال – قام بقصف قواته و منشآته لكي "يلقي اللومَ على المتمردين". ومنذ اندلاع التمرد الوهابي المسلح في سورية, تم قتل الآلاف من عناصر الأمن السوري وعائلاتهم على يد المسلحين الوهابيين الذين قُتلَ الآلاف منهم أيضاً.
ومع ذلك فقد قيل لكل من يعتمد على الإعلام الغربي أن كل عملية قتل تحصل هي من صنع قوات الأمن السورية, مع تجاهل العنف المميت الذي تطلقه في سوريا العصابات الوهابية المسلحة.
اليوم في سورية بمقدور المرأة أن تلبس ما تريد. وفي حال سيطرة الجهاديين الوهابيين يمكن أن يتم استبدال هذه الحرية بفرض ارتداء الحجاب. ففي مصر وتونس تنحسر الأخلاق العلمانية بسرعة أمام الوهابية.
بينما تناهض الدول الغربية الجهادية الوهابية وقانون الشريعة في بلدانها, فإنها تفضل الجهادية الوهابية في الدول العربية على العلمانيين. والنتيجة هي وهابية بقانون الشريعة التابع لها تجتاح البلدانَ العربية برمتها.
بعد فشل الدول الغربية في زعزعة الاستقرار في سريلانكا من خلال الدعم اللامحدود ل "نمور التاميل", سوف تعمل هذه الدول على الترويج للجهادية الوهابية لزرع الفوضى والعنف هناك.
لقد تسبب أتباع الوهابية – من القاعدة إلى طالبان وعسكر طيبة والمجموعات الإرهابية الوهابية – بالبؤس والمعاناة المرعبين في العديد من البلدان بما فيها العراق وأفغانستان وباكستان والهند. ويبدو أن سريلانكا هدفَهم التالي.
يجب على الحكومة السريلانكية أن تتخذ إجراءات مباشرة وصارمة للسيطرة على المنظمات الوهابية وحظرها.
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد