الفراغ اللبناني لا يعني وشنطن طالماأن السنيورةيتصرف كرئيس جمهورية
أوحت الرسائل المتبادلة بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك والزيارات الوزارية المكوكية بين الرياض والقاهرة، وبينهما زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى القاهرة، قبل أن يواصل جولته باتجاه قطر، وكذلك زيارة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الى العاصمة الأردنية، أن ثمة شيئا ما يتم «تدبيره» للملف اللبناني، لكن لدى التدقيق مع بعض المعنيين اللبنانيين والعرب، تبين أن الملف اللبناني، لم يكن «وجبة أساسية»، بل كان هامشيا في الاتصالات المصرية السعودية، و»أن لا جديد على المستوى العربي، لا بين القاهرة ودمشق ولا بين الرياض ودمشق حتى الآن»، والكلام للمتابعين للملف اللبناني.
واذا كانت الاتصالات العربية لا تضع الملف اللبناني في أولوية أولوياتها، فان الملف الفلسطيني الاسرائيلي شكّل عنوانها الأبرز، وخاصة التحضير للاجتماع الخماسي المقترح أن يجمع الرئيس الأميركي جورج بوش مطلع الشهر المقبل وقادة السعودية ومصر والأردن وفلسطين.
وقالت شخصية دبلوماسية عربية زارت واشنطن مؤخرا أن الملف اللبناني «مرشح للاهمال في المرحلة المقبلة»، وثمة كلام أميركي في أكثر من دائرة معنية في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية أن الوضع القائم في لبنان «مرشح لأن يدوم الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية».
ونقل المصدر الموثوق نفسه عن وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس قولها لبعض نظرائها وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حرفيا «ماذا يضير بقاء الوضع في لبنان (الفراغ) على ما هو عليه؟ الأولوية بالنسبة اليــنا هي بقاء السـيد (رئيـس الحكومة) فـؤاد السنيورة على رأس الحكومة المنتخبة ديموقراطيا... وأن يتصرف وفق الصلاحيات الممنوحة له ولرئيس الجمهورية...»
أضافت رايس «حتى موضوع الانتخابات النيابية المقبلة(2009)، ليس أولوية بالنسبة الينا، واذا أمكن التوصل الى صيغة تضمن التمديد للمجلس النيابي الحالي، سيكون ذلك موضع ترحيب من جانبنا».
وأوضح المصدر أن بعض وزراء الخارجية الذين استمعوا الى رايس، ومنهم نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حاول الاستفسار منها في اللقاء الأخير الذي جمعهما في العاصمة الروسية، عما اذا كان ما تقوله يمثل الموقف الرسمي لبلادها، فأجابت رايس «هذه وجهة نظري الشخصية وهناك كثيرون يؤيدونها في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون»!
وقال المصدر الموثوق نفسه أن الموقف الأميركي نقل الى أكثر من عاصمة عربية عبر المندوبين في مجلس الأمن، «ولذلك، بات البعض يتصرف على قاعدة أن الملف اللبناني بات ثانويا، ربطا بالابقاء على حالة الـ«ستاتيكو» القائمة حاليا، والتي تولى السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان رعاية بعض مفاصلها الأساسية قبيل مغادرته لبنان وخاصة لجهة تنظيم الفراغ والانتقال الهادىء للسلطة من الرئيس اميل لحود الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة».
في هذا السياق، بدت الجهود العربية واللبنانية، مرشحة لأن تصطدم مجددا بعدم وجود قرار أميركي بأي تسوية في لبنان، وهو الأمر الذي عكس مخاوفه منه الرئيس نبيه بري أمام زواره قبيل توجهه الى القاهرة.
لكن وعلى قاعدة محاولة كسر الجمود القائم، قرر الرئيس بري زيارة القاهرة سعيا الى اعادة تحريك الملف اللبناني، وهو صارح الرئيس مبارك على مدى تسعين دقيقة، «بأن المعارضة اللبنانية ترغب بالحل وهي تقدم المبادرة تلو المبادرة وآخرها، ابداء حسن النية ازاء الموضوع الحكومي شرط قبول الأكثرية بقانون العام 60 الانتخابي وبعدها نذهب لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية ونقر القانون الانتخابي في الجلسة نفسها».
وشدد بري على أن العرض الذي قدمه بالدعوة الى الحوار تم ربطه بموعد الجلسة النيابية المقررة لانتخاب ميشال سليمان، اي أن الحوار يعقد من 18 نيسان الى 21 منه وفي 22 ننتخب رئيس الجمهورية اذا توصلنا الى اتفاق واذا لم نتوصل نتابع الحوار ونحدد موعدا جديدا لانتخاب الرئيس وسيكون البند الرئيسي قانون الانتخاب (قانون الستين) مع تأكيد الانفتاح بالتعامل مع موضوع الحكومة».
وقالت أوساط الرئيس بري ان الجو ايجابي ومشجع، لكنها رفضت تأكيد وجود أي عرض ملموس أو أفكار محددة لدى الجانب المصري، وأشارت الى أن مبارك حثّ بري على المضي في جهوده ومساعيه من أجل التوصل الى حل في لبنان، وقال مبارك لبري «اذا كان هناك من مجال للاتفاق بين اللبنانيين، لم لا؟ عليكم أن تقدموا ونحن سنكون معكم»!
والتقى بري وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط ومدير المخابرات اللواء عمر سليمان والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، على ان ينتقل اليوم الى قطر، وفي وقت لاحق يزور المملكة العربية السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها.
وذكرت مصادر الوفد المرافق لبري، انه «احيط باهتمام لافت للانتباه من الرئيس مبارك وكافة المسؤولين الذين التقاهم، وكان هناك تاييد لمبادرته الحوارية وتأكيد على دوره الوطني الجامع في هذه المرحلة».
وقالت المصادر «كان هناك اصرار مصري على بذل كل الجهد لإنجاح الدعوة الى الحوار انطلاقا من عمل عربي مكثف تقوم به مصر، خاصة مع السعودية، وتجلى ذلك في ما ابلغه وزير الخارجية المصرية احمد ابو الغيط لرئيس المجلس عن زيارته امس الاول، الى السعودية ناقلا رسالة من مبارك الى الملك عبد الله، وكذلك عبر الزيارة المفاجئة التي قام بها امس وزير الخارجية السعودية الامير سعود الفيصل الى القاهرة يرافقه رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز.
وعلم ان الجانب المصري تفهم وجهة نظر الرئيس بري من مسالة دعوة وزراء الخارجية العرب لاجتماع لمناقشة ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية، والقائمة على انه كان بإمكان لبنان ان يحضر القمة العربية ويعرض ما يريد، اما الان فإن الدعوة لعقد اجتماع وزاري خاص بعد مدة قصيرة من القمة امر مستبعد وصعب التحقيق. كما عرض بري للموقف الذي أبلغه اياه الرئيس بشار الاسد حول استعداد سوريا للالتزام بكل مقررات مؤتمر الحوار الوطني في لبنان وخاصة موضوع التبادل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود بين البلدين.
وأعلن بري في مؤتمر صحافي في قصر الرئاسة المصرية، ان مصر والسعودية وسوريا تستطيع مساعدة لبنان لكنها ليست بدلا عن اللبنانيين، واكد انه لا يحمل رسالة من الرئيس السوري بشار الاسد الى الرئيس حسني مبارك، ولكنه اشار الى انه وضع مبارك في اجواء اللقاءات التي عقدها في دمشق.
وأكد أبو الغيط بعد الاجتماع مع بري، «أن العمل العربى والمصرى سوف يستمر من أجل تحقيق انفراجة في الأزمة اللبنانية»، نافيا علمه بعقد أية قمة عربية مصغرة حول لبنان في المستقبل القريب.
من جهته، حذّر ملك الاردن عبد الله الثاني خلال استقباله، أمس، في عمان، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، من «تداعيات استمرار الوضع الحالي في لبنان على ما هو عليه، ليس على لبنان وحده، وإنما على أمن واستقرار المنطقة بشكل عام، مؤكداً على أهمية مواصلة الجهود الهادفة إلى معالجة الأزمة السياسية الراهنة في لبنان بما يحفظ أمنه واستقراره ويقوي وحدة وتماسك الشعب اللبناني بكافة فئاته».
ونقل البيان الأردني الصادر عن الديوان الملكي تأكيد العاهل الأردني للرئيس السنيورة «دعم الأردن للجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية لإيجاد مخرج مقبول ينهي أزمته السياسية ويعيد للبنان عافيته ليتابع مسـيرة البناء والتقدم».
بدوره، وضع السنيورة الملك عبد الله الثاني «في صورة نتائج جولته العربية وتقييم الحكومة اللبنانية للمرحلة المقبلة والخيارات المتاحة أمامها لضمان وحدة لبنان وتحقيق الوفاق الوطني».
وفي طهران، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني ان المشاورات التي تجريها بلاده حول الملف اللبناني «مستمرة ونأمل إضافة الى هذه المشاورات من الدول الأخرى التي بإمكانها ان تقدم الدعم في الشأن اللبناني ان تعمل على تحقيق الإجماع الداخلي في لبنان لإنقاذه من الوضع الحالي».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد