الكلمة الكاملة للرئيس الأسد أمام خطباء «مركز الشام الإسلامي »
أكد الرئيس بشار الأسد أن الشعب السوري كله يكافح الإرهاب والتطرف من خلال الصمود أولاً، وجيشنا الباسل كان يكافح الإرهاب الناتج عن التطرف، وعلماؤنا كانوا يكافحون التطرف المنتج للإرهاب، معتبراً أن مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف لم تبدأ مع المركز، وإنما ابتدأت منذ الأشهر الأولى التي ظهر فيها الإرهاب في سورية.وشدد الرئيس الأسد أنه لا يمكن لإنسان يخون الوطن أن يكون مؤمناً حقيقياً وصادقاً، وهذا رأيناه في هذه الحرب من أشخاص كانوا يصنفون بأنهم علماء كبار، واكتشفنا بأنهم مجرد خونة صغار، مؤكداً أن «الوضع أفضل اليوم من قبل الحرب بكثير، وهذا يعني أننا أمام أبواب مفتوحة للإسراع ولزيادة التسارع في عملية مكافحة التطرف».
ووفق وكالة «سانا» افتتح الرئيس الأسد أمس «مركز الشام الإسلامي الدولي لمواجهة الإرهاب والتطرف» التابع لوزارة الأوقاف حيث كان في استقباله وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، ومدير المركز مفتي دمشق وريفها عدنان الأفيوني، والمفتي العام للجمهورية أحمد بدر الدين حسون ورئيس اتحاد علماء بلاد الشام محمد توفيق البوطي، وكبار علماء دمشق.
وجال الرئيس الأسد في أنحاء المركز واستمع إلى عرض من الشيخ الأفيوني حول الأقسام التي يتضمنها، وهي المعهد الوطني لتأهيل الأئمة والخطباء في كل المحافظات، والمعهد الدولي للعلوم الشرعية والعربية للراغبين في الحصول على العلوم الشرعية من علماء بلاد الشام الوسطية، وقسم رصد الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية عبر شبكة الإنترنت وكيفية تحليلها ومعالجتها.كما يضم المركز أيضاً قسم مكافحة الفكر المتطرف، ومركز البحث العلمي، ومكتبة، وعدداً من قاعات المحاضرات التي سيتم فيها تدريب وتأهيل رواد المركز وفق منهج علماء الشام الوسطي المعتدل.
وقدم الأفيوني للرئيس الأسد عرضاً موجزاً عبر فيلم قصير حول مراحل إنجاز المشروع الذي بدأ العمل به منذ عامين وثلاثة أشهر وأصبح جاهزاً للعمل اعتباراً من اليوم الثلاثاء.
بعد ذلك التقى الرئيس الأسد حشداً من علماء دمشق الذين حضروا افتتاح المركز وألقى كلمة قال فيها: إن إنجاز هذا المركز وإطلاق أعماله في هذا الشهر الفضيل هو مؤشر وإشارة ورسالة بأن هذا الشهر هو شهر العمل والإنجاز وليس شهر الكسل والتقاعس والتأجيل كما يفهمه البعض، هو شهر إضافة لا شهر إنقاص.وأضاف الرئيس الأسد: إذا كانت هذه المناسبة هي للافتتاح وليست مناسبة للخطابات فهي فرصة على هامش الافتتاح لأن نتحدث في بعض النقاط المرتبطة بجوهر عمل هذا المركز، لا تتوقعوا مني أن أجلس أمام علماء وأتحدث معهم كيف يكافحون التطرف والإرهاب وأنتم قد بدأتم بهذا العمل منذ سنوات، الشعب السوري كله يكافح الإرهاب والتطرف من خلال الصمود أولاً، جيشنا الباسل كان يكافح الإرهاب الناتج عن التطرف، علماؤنا كانوا يكافحون التطرف المنتج للإرهاب لذلك لا أتوقع أنكم تفترضون أنني سأجلس الآن معكم لأقول لكم إن مكافحة التطرف تبدأ من الاعتدال، هذه بديهيات وأن الإسلام بريء من التهم المنسوبة له وأن بلاد الشام تاريخياً معتدلة في الإطار الديني وفي الإطار الاجتماعي، أو أن أقول لكم إن اللـه أراد أن نكون أمة وسطاً وأن الرسول نهانا وحذرنا من الغلو في الدين، وطبعاً لن أتحدث عن دور الإخوان المسلمين في الإطار الديني وما قاموا به من تشويه للإسلام وتخريب لصورته عبر عقود مضت وخاصة من خلال إدخال مفهوم العنف إلى دين الخير والحق، ولا عن علاقة الفكر الإخواني بالفكر الوهابي المتخلف.
وتابع الرئيس الأسد: هذه بالنسبة لكم كعلماء هي من البديهيات وهي ليست بالنسبة لكم فقط كذلك، وإنما أيضاً بالنسبة لمعظم المواطنين السوريين وأعتقد أنها كذلك بالنسبة للكثير من المواطنين وللعلماء في العالم العربي والإسلامي، هي ليست مجرد معلومات تعرفونها ونعرفها ولكنها أكثر من ذلك، هي حقائق، هي تفاصيل، هي معطيات نعيش معها بشكل يومي، نعاني من آثارها ومن تأثيراتها السلبية بشكل يومي وربما في كل ساعة.
المركز والإرهاب
وقال الرئيس الأسد: في الواقع عندما طرحت فكرة مشاركتي في افتتاح هذا المركز لم أفكر بكل هذه البديهيات، ولم أفكر بما هي المناهج التي من الممكن أن تدرس، وما هي العناوين التي نريدها لهذا المركز، وخاصة أن مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف لم تبدأ مع هذا المركز، وإنما ابتدأت منذ الأشهر الأولى التي ظهر فيها الإرهاب في سورية.
وأضاف الرئيس الأسد: في الحقيقة أول سؤال ورد إلى ذهني عندما طرح موضوع افتتاح المركز هو أين نقف في سورية اليوم بالنسبة لموضوع التطرف وبالنسبة لموضوع الإرهاب، وهو المشتق طبعاً من التطرف، السبب أن المركز هو محطة في سياق مكافحة الإرهاب، هو ليس بداية كما قلت وعندما نقف في محطة ونحن نتحرك باتجاه المستقبل فعلينا أن نفكر أين نقف، ما هو مكاننا، ما هو موقعنا، لأننا عندما نخطط باتجاه المستقبل لا بد أن ننطلق من الحاضر.
وتابع الرئيس الأسد: لا نستطيع أن ننطلق من الأفكار النظرية، لا بد أن ننطلق من الواقع الذي نعيشه اليوم، ولو سألنا هذا السؤال لأي مواطن سوري أين نقف اليوم، أين تقف سورية بعد تسع سنوات من الحرب في إطار الإرهاب وفي إطار التطرف، فسوف يكون الجواب ربما من معظم السوريين بأن هذا التطرف أدى إلى حالة، مؤشر التطرف بالنسبة للمجتمع هي الحالة الطائفية بالدرجة الأولى هذا التطرف أدى إلى تزايد الحالة الطائفية في سورية إلى درجة غير مسبوقة، البعض سيكون متشائماً جداً وسيقول إن هذه الحالة الطائفية وصلت إلى نقطة اللا عودة، والبعض ربما، الأقل تشاؤما، سيقول إننا وصلنا إلى مرحلة سيكون علاج هذه الحالة معها صعباً جداً.
الخطاب الطائفي
وقال الرئيس الأسد: طبعاً هذا الكلام جزء منه مبني على ردود الأفعال التي حصلت نتيجة الحرب والخطاب الطائفي للحرب التي انطلقت بخطاب طائفي متطرف وجزء منها يسوق من الخارج لكي يحول هذه الأفكار أو الأوهام، كما أراها أنا، إلى حقائق، ومع الوقت تتحول الأوهام إلى حقائق في العقول وتصبح أمراً واقعاً لا مفر منه.وأضاف الرئيس الأسد: أنا اليوم موجود معكم وألتقي بكم، أستطيع القول وبكل ثقة إنني أختلف مع كل هذه الآراء مع احترامي لها، أقول إن هذا هو رد فعل طبيعي، عندما يكون هناك طرح طائفي استخدم كأداة في بداية الحرب فمن الطبيعي جداً أن يكون رد الفعل هو أيضاً رد فعل طائفي، ولكن هناك فرق كبير بين الفعل الحقيقي وبين ردود الأفعال، أقول بكل ثقة كما قلت قبل قليل، إن هذه الرؤية هي رؤية غير صحيحة وغير واقعية، سأذهب أبعد من ذلك وأقول إن الوضع اليوم بالنسبة للمجتمع السوري ليس فقط أفضل من بداية الحرب وإنما هو اليوم أفضل من قبل الحرب، قد يكون هذا الكلام مفاجئاً، وأنا معروف عني أني لا أتحدث كلاماً إنشائياً ولا أحب ولا أستسيغ الكلام الإنشائي، نحن في قلب الحرب لا مكان للمجاملات ولا مكان لرفع المعنويات بشكل وهمي لأن هذا فيه خداع للبشر.
وتابع الرئيس الأسد: أقول بكل ثقة، إننا في وضع أفضل وأنا أنطلق من الحقائق، عندما لا نتحدث كلاماً إنشائياً لا بد من أن نتحدث في إطار الحقائق والوقائع الملموسة.
صمود سورية
وقال الرئيس الأسد: أول حقيقة هي أنه لو كان هذا الوضع، كما تسمعون من الكثير من السوريين، أسوأ لما صمدت سورية ولما صمد المجتمع السوري، لكانت سورية مفتتة منذ البدايات، ولنفترض بأن كلامهم صحيح، بأن الوضع كان أفضل قبل الحرب، وهو ليس كذلك، فهذا يعني بأن سورية ستصمد أشهراً أو سنوات، بعد تسع سنوات من المفترض وفق ذلك المنطق أن الوضع سيكون أسوأ وأسوأ وأسوأ، ماذا ستكون النتيجة، أن سورية إن لم تفتت في الأشهر الأولى فسوف تفتت لاحقاً، بعد تسع سنوات هذا الكلام غير منطقي على الإطلاق ويخالف أي منطق وأي واقع، هذه هي الحقيقة الأولى، أما الحقيقة الثانية فهي أن هذه الحرب كانت درساً قاسياً لنا جميعاً، درساً قاسياً بل صدمة قاسية فرضت على الجميع أن يعيدوا التفكير ويعيدوا تقييم كل العناصر التي أدت إلى الوصول إلى هذه الحرب.
وأضاف الرئيس الأسد: صحيح أن الحرب هي حرب خارجية ولكن العناصر التي بنيت عليها هي عناصر داخلية، هذه المراجعة أدت إلى مراجعة رؤيتنا لأنفسنا كسوريين بمختلف شرائحنا للتواصل مع بعضنا أكثر فأكثر ولمعرفة بعضنا أكثر فأكثر، وكنتم أنتم في قلب هذه الأفعال التي أذكرها وأنا أعرف وأنتم تعرفون ولسنا في سياق الحديث عن تفاصيل كثيرة عشناها خلال تلك الحرب.
وقال الرئيس الأسد: كانت درساً قاسياً استفاد منه أولو الألباب وهؤلاء أصحاب العقول لحسن الحظ كانوا أغلبية الشعب السوري، طبعاً هناك أشخاص لم يتعلموا الدروس وهذا شيء موجود في كل مجتمع ولكن لا يمثلون الأغلبية في سورية، لذلك عندما أقول هذا الكلام لكي أقول عندما ننطلق بخطوة هي هذا المركز كخطوة مهمة في إطار مكافحة الإرهاب يجب أن نعرف أننا لا نبدأ من الصفر، ويجب أن نعرف بأننا لا نبدأ من تحت الصفر، لأن هذا التقييم أساسي لكي نعرف أين نتوجه ومن أين نبدأ وأي مناهج نضع وكيف نتعامل مع مختلف المتدربين أو مع مختلف الأشياء التي تخرج عن إطار التدريب والتي عرضت علي الآن منذ دقائق حول آلية التعامل مع التطرف والإرهاب خارج إطار المركز، عندما نعتقد بأننا نبدأ من تحت الصفر فسيكون كلامنا مخالفاً لحقيقة أننا لسنا في هذا الموقع وسنضيع الكثير من الوقت وسنهدر الكثير من الجهود، فإذاً نحن لا نبدأ من الصفر وأؤكد على نقطة مهمة بأن الوضع أفضل اليوم من قبل الحرب بكثير وهذا يعني أننا أمام أبواب مفتوحة للإسراع ولزيادة التسارع في عملية مكافحة التطرف.
درس التمييز
وقال الرئيس الأسد: هذا الدرس الذي تعلمناه، كما قلت، من هذه الحرب هو درس علمنا التمييز، لماذا الوضع اليوم أفضل بكثير من قبل الحرب، أنا تحدثت عن الحقيقة الأولى والحقيقة الثانية، ولكن ملخص كل هذه الحقائق أننا اليوم أكثر قدرة على التمييز كمجتمع من قبل الحرب، وعندما أقول كمجتمع يشمل كل القطاعات بما فيها العاملون في الحقل الديني.
وأضاف الرئيس الأسد: ما هو مفهومي، وماذا أقصد بعملية التمييز، عندما تكون هناك مشكلة في السمع لا يتمكن الإنسان من تمييز الكلام المحكي بشكل جيد ولا يفهم كل الكلام، عندما تكون لديه مشكلة في العقل لا يستطيع أن يميز الأمور وبين الأمور بشكل سليم، عندما تكون لدى الإنسان مشكلة في الرؤية ونضع أمامه رقعة شطرنج فيها مربعات بيضاء وسوداء لا يتمكن من التمييز بدقة أين هي حدود الأبيض من الأسود ويراها متداخلة، هكذا كانت حالتنا، ولكن من الناحية الفكرية، وسأعطي أمثلة عملية.
وقال الرئيس الأسد: في بداية أو قبل الحرب لم نكن قادرين على التمييز بين التدين والتعصب، هذا فيما يخص العاملين في المجال الديني، بعض الأئمة، بعض العاملين في هذا الحقل، بعض المتدينين في سورية، وأنا أتحدث عن عدد كبير، ليس قليلاً، ليس بالضرورة أن تكون الأكثرية، ولكن كان البعض يعتقد بأنه كلما دفعنا باتجاه التعصب كنا نقوم بحماية الدين، كلما كان التعصب أكثر، كنا نرسخ الدين أكثر، طبعاً هم لم يكونوا على علم بمعظمهم، أنا أستبعد هنا سوء النوايا دائماً، أتحدث عن النوايا الطيبة، لم يكن هؤلاء يعلمون أن هذا ليس تعصباً، كانوا يعتقدون بأنه تدين ولكنه المزيد من التدين.
التعصب والبناء والهدم
وأضاف الرئيس الأسد: عندما أتت الحرب رأينا النتائج، وعندما بدأنا نحصد النتائج بدأنا نميز الفرق بين أن يكون هناك إنسان متدين وهناك إنسان متعصب، بدأنا نميز بين التدين كبناء والتعصب كهدم، هذا بالنسبة للعاملين في الحقل الديني أو المتدينين، وأنا لا أتحدث عن شارع ديني وسأمر على هذه المصطلحات لاحقاً.وتابع الرئيس الأسد: بالمقابل كان هناك أشخاص في الطرف الآخر، لكيلا أقول شارعاً دينياً، من هو الشارع الآخر، شارع ملحد، لا أبداً، معظم الشعب السوري متدين ولكن التدين درجات، الإلحاد هو حالات أنا أعتقد أنها ليست جزراً كما هو حال التطرف، أنا أعتقد بأنها حالات إفرادية حسب ما أرى، إفرادية جداً وليس لها أي وزن على الساحة السورية، لا الاجتماعية ولا الدينية ولا غيرها، لذلك لا أقول الشارع الديني لأن الشارع المقابل هو شارع ملحد وهذا خطأ كبير، ولكن لنقل الأقل تديناً، الذين ينظرون بتوجس للعاملين في الحقل الديني وللمتدينين لم يكونوا قادرين على التمييز بين التدين والتطرف، كان بالنسبة لهم كل متدين إما متطرف أو يحمل بداخله بذور تطرف، وكان بالنسبة للكثير من هؤلاء كل من يلبس عمامة هو إما إخونجي أو لديه ميول إخونجية، طبعاً هذا من تداعيات ومن نتائج مرحلة إخوان الشياطين في نهاية السبعينيات وفي بداية الثمانينيات، الأزمة هي التي جعلت الكثير من هؤلاء يميز بين المواطن المتدين والمواطن المتعصب، بين العالم المتدين والعالم المتطرف، بين العالم الحقيقي الذي يحمل العلم في عقله وتحت هذه العمامة وبين عالم انتهازي جاهل يسوق نفسه كعالم فقط لأنه يلبس هذه العمامة، هذه من النتائج الإيجابية.
تنظيم العمل الديني
وأضاف الرئيس الأسد: قبل الحرب لم يكن الكثير منكم، وكنا نلتقي في لقاءات مختلفة وليس بالضرورة أنتم بالاسم، ولكن هناك من علماء الدين ومن المتدينين من لم يكن يفرق بين إجراءات تنظيم العمل الديني التي كانت تقوم بها الدولة ممثلة بوزارة الأوقاف وبين أن تكون الدولة ضد الدين، هذا صحيح أليس كذلك، نحن نتحدث كأبناء عائلة واحدة نتحدث دائماً بشفافية وصراحة، رأينا نتائج سوء الفهم هذا باعتبار أن الدولة هي دولة إما ملحدة، أو على الأقل هي ضد الدين على الأقل بقناعاتها وتستغل الفرصة لتعرقل أي شيء له علاقة بالدين، هكذا كان المفهوم، رأينا النتائج في البداية وتذكرون أنه كلما كانت هناك قذيفة أو رصاصة تصيب مسجداً كانوا يقولون إن الدولة تتقصد فعل هذا الشيء لأنها تريد أن تضرب الإسلام ورموز الإسلام، تذكرون قصة أن هناك أشخاصاً وضعوا صورة الرئيس في الشارع وكانوا يركعون ويصلون للرئيس وتم تسويقها بسهولة لأنه كانت هناك قناعة بأن الدولة هي دولة علمانية ملحدة ضد الدين وضد كل ما يتعلق بالدين وضد كل من هو متدين سواء أكان عالماً أو كان عاملاً في الحقل الديني أو مواطناً.
وقال الرئيس الأسد: تذكرون بأن كل الموبقات كان من السهل تسويقها ضد الدولة في ذلك الوقت لأنها دولة ضد الدين وبالتالي هي ضد الأخلاق، وكنت أنا ألتقي لشهور طويلة بالوفود من مختلف المحافظات وكنت أقول سبحان اللـه القصة نفسها التي أسمعها في المحافظة الأولى أسمعها في الثانية والثالثة والرابعة، لأنه تم تسويقها بالتفاصيل نفسها، أقول ما هذه المصادفة، ودائماً العاملون في الدولة أو الجيش أو وزارة الأوقاف مسؤولون عن هذه الموبقات، فإذاً أتت هذه الحرب لكي نميز بين التنظيم وبين العمل ضد الدين، قبل الحرب لم نكن نميز بين العلمانية الملحدة والعلمانية المؤمنة.
العلمانية والتدين
وأضاف الرئيس الأسد: لاحظوا أنا لم أضع العلمانية في مقابل التدين كما يفعل البعض، وضعت الإيمان مقابل الإلحاد هذا هو التناقض الطبيعي لسبب بسيط لأنه لا توجد علاقة بين العلمانية والتدين ولا توجد علاقة بين العلمانية والإلحاد، الإنسان هو يكون مؤمناً أو ملحداً لأن الإيمان والإلحاد مرتبطان بالعقيدة، أن أؤمن بهذه العقيدة أو لا أؤمن بهذه العقيدة أو بتلك العقيدة، أما العلمانية فهي ممارسة لا توجد عقيدة علمانية، لا توجد علاقة بين العلمانية وبين التدين لا سلباً ولا إيجاباً، وهذه العلاقة التي يضعها البعض سواء من المتدينين أو من غير المتدينين هي حوار خاطئ، أن يقال هذا ملحد وهذا علماني، هذا متدين وهذا علماني، هذا خطأ، كأن أقول إن الموجودين معنا الآن بهذه القاعة نصفهم يمتلك بيتاً أو نصفهم في الإيجار، والنصف الآخر يحمل شهادة في الشريعة، ما العلاقة بين الأولى والثانية، ستقولون ما هذا الكلام غير المنطقي، الشيء نفسه، لا توجد علاقة، العلمانية هي ممارسة، نحن في الدولة عندما يأتينا شخص، أي شخص من بينكم، يأتي للقيام بإجراء معاملة بيع، شراء، تسجيل، لا نسأله ما هو دينه ولا طائفته ولا علاقة لنا في هذا الموضوع، وهذا طبيعي بالنسبة لنا ولكم، أنتم عندما ترون إنساناً محتاجاً في الطريق تقومون بمساعدته، تساعدونه لأنه مسلم فقط، إذا كان غير مسلم تقولون له اذهب إلى الجحيم، هذا مناقض للإسلام، هذه هي العلمانية، هذا ما نريده، هي الممارسة.
وتابع الرئيس الأسد: المكان الوحيد في الدولة الذي يستند إلى الدين بشكل مباشر كقانون، هو قانون الأحوال الشخصية، الزواج والطلاق والتوريث وغيرها من الأمور وحتى في هذا القانون هناك حرية للطوائف لكي تقرر ما الذي يناسبها في هذه القضايا، هذا القانون المستند إلى الأديان هو علماني لأنه يترك الحرية، فإذا لا علاقة بين العلمانية والدين، الإلحاد إلحاد والإيمان إيمان، هذه هي المقارنة، هذه الأمور التي أذكر نماذج منها فقط، وهناك كثير من الأمور التي لم تكن تميز والآن نميزها، هي التي كانت تخلق تصدعات في المجتمع، لم نكن قادرين على رؤيتها في ذلك الوقت، أو كنا نراها بشكل سطحي جداً أو بشكل جزئي غير شامل، هذه التصدعات هي التي كانت تخلق شيئاً من الحقد الدفين المتراكم تدريجياً، ليس انطلاقاً من سوء النيات وإنما انطلاقاً من سوء الفهم ومن سوء التقدير، هذه هي الحقيقة، لهذا أقول بكل ثقة إن الوضع الآن أفضل بكثير من قبل الحرب، فعندما نتمكن من التمييز يعني أننا نتمكن من الرؤية بوضوح، عندما نتمكن من الرؤية الواضحة عندها نستطيع أن نحفظ البلد ونحمي كل ما يتعلق به من سياسة، من أخلاق، من وطنية، من دين، من كل هذه الأمور وعندها نستطيع أن ننطلق باتجاه المستقبل بوضوح رؤية، لذلك عندما اندلعت الحرب، الكثير من الناس غرر بهم لأنهم لم يكونوا يمتلكون رؤية وهم يقولون هذا الشيء، غرر بنا، ماذا يعني غرر، يعني لم نكن نمتلك الرؤية بالعقل، هذا هو الفرق بين العمى والعمه، يجب أن نعترف بالحقيقة قبل أن ننطلق إلى المستقبل، وفرصة لنا الآن مع إطلاق هذا المركز أن نتحدث بصراحة وبوضوح وشفافية.
الأحوال الشخصية والأوقاف
وقال الرئيس الأسد: هذه الرؤية وهذا التناغم الذي حصل مبني على رؤية صحيحة، هو الذي ساعدكم وساعدنا على أن نقوم بكثير من الإجراءات التي كان من غير الممكن القيام بها، قانون الأحوال الشخصية والذي كان لكم كمؤسسة دينية الفضل الأساسي في إنجازه بعد جمود لعقود من الزمن، منذ الخمسينيات أعتقد، لو طرحناه قبل الحرب كان سيقال إن هدف الدولة هو الالتفاف على الدين، تمكنا من خلال هذه الرؤية الواضحة أن نقوم به، قانون وزارة الأوقاف بما فيه من إجراءات وضوابط كان من الممكن أن تفهم بشكل سلبي قبل الحرب، وغيرها من الإجراءات الكثيرة والتفاصيل التي أعرفها وتعرفونها بتفاصيلها.
وأضاف الرئيس الأسد: أما عن المركز، فالكثير سينظر إلى هذا المركز على أنه بداية لمكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف طبعاً، وعندما نقول تطرف فالمشتق منه الإرهاب، والكثير سيعتقد بأنه هو من سينجز، أو هو الذي سيحمل هذه المهمة الجسيمة، وطبعاً هذا الكلام سطحي جداً.وتابع الرئيس الأسد: الكثير اليوم سينظر إلى هذا الحدث في الإعلام وسيعتقد بأن مكافحة التطرف الديني سيقوم بها العاملون في الحقل الديني، وإذا فشلنا في هذا المجال فأنتم ستفشلون، وأنا سأقول لكم مسبقاً، أنتم لن تكونوا قادرين على القيام بهذه المهمة، مسبقاً، فإذاً لماذا نطلق هذا المركز، لسبب بسيط، لأن التطرف الديني ليس منتجاً دينياً بل هو منتج اجتماعي، التطرف هو منتج اجتماعي ينشأ من المجتمع، ولكن يأخذ أغطية ويستخدم أدوات ويستخدم عناوين، الدين هو عنوان من عناوين التطرف، هو مظهر من المظاهر، هناك تطرف ديني وتطرف سياسي وهناك تطرف عقائدي لعقيدة غير دينية، لعقيدة حزبية، هناك تطرف قومي، هناك تطرف اجتماعي بحت يرتبط بالعادات والتقاليد، هناك أشكال كثيرة من التطرف، واحدة منها هي التطرف الديني.
التطرف والوهابية
وقال الرئيس الأسد: ما عانينا منه في هذه الحرب مرتبط بالتطرف الديني، طبعاً هذا التطرف استحوذ على الاهتمام العالمي واكتسح الساحة بعد أحداث الـ11 من أيلول في نيويورك كما تعلمون، وساهمت الوهابية، العقيدة الوهابية والماكينة الوهابية في تكريس وتثبيت هذه الصورة وأصبحت كحقيقة، وهي حقيقة بشكل أو بآخر، حتى الإرهاب الموجود في سورية منشؤه ليس التقاليد والعادات السورية بل هو وافد ولكنه أصبح حقيقة في سورية، فإذاً هو منتج اجتماعي ولا يمكن أن تنجحوا في هذا العمل سواء في هذا المركز، أو على شبكات الانترنت، أو في مساجدكم، أو في محاضراتكم إن لم تكن هناك معالجة موازية للثغرات التي أصبحت موجودة في هذا المجتمع والتي تنتج تطرفاً ليأتي الفكر الديني لكي يركب على هذا التطرف.وأضاف الرئيس الأسد: نحن نتحدث ونعتبرها من البديهيات بأن مكافحة الإرهاب أو مكافحة التطرف أين تبدأ، تبدأ في الدين الصحيح، ومتفقون على هذه الكلمة، لكن أين نرى الدين الصحيح، لا يمكن أن نرى الدين الصحيح إلا في المجتمع السليم، يجب أن نعرف هذه الحقيقة وننطلق منها.
وتابع الرئيس الأسد: الدين هو بذرة صالحة تزرع في التربة، تعطينا شجرة، تتمدد الأغصان، تثمر الأوراق وتغطي المجتمع بظلالها المباركة وتحميه وتصلحه، ولكن ماذا لو كانت هذه التربة فاسدة، ستكون هذه الشجرة مشوهة ولن تكون مفيدة، بالعكس ربما تتحول إلى شجرة ضارة، ما هو النموذج الواقعي، أنا لا أحب التنظير، النموذج الواقعي هو الوهابية، الدين نفسه الذي أنزل علينا في بلاد الشام أنزل على الوهابية، طبعاً لا أقصد التنزيل بالمعنى الحرفي، وهم يمارسون الشعائر نفسها تقريباً والصلاة نفسها والقرآن نفسه والحديث نفسه، ولكن هم حولوا هذا الدين بجهلهم وجهل بيئتهم في ذلك الوقت إلى دين نموذج للتخلف والجهل، كانت هناك حالة شاذة أنزل عليها الدين فحولوا الدين إلى حالة شاذة من المفاهيم، الممارسة شاذة، عندما نرى ممارسة شاذة في العمل الديني، فعلينا أن نبحث عن الشذوذ في ذلك المجتمع.وقال الرئيس الأسد: إن احتكار الحقيقة ورفض الآخر وكل أنواع التطرف التي نراها كانت جزءاً من ذلك المجتمع وانعكست على الممارسة الدينية، بالمقابل مجتمع بلاد الشام، هو مجتمع معتدل، أنزلت عليه العقيدة نفسها، ماذا أنتج خلال أربعة عشر قرناً، إسلاماً صحيحاً، إسلاماً نحن نعتبره أنموذجاً للإسلام على الرغم من الثغرات الموجودة، ولكن يمكن إصلاح هذه الثغرات، ولم يكن عبثاً أن الرسول الكريم تحدث عن بلاد الشام في عدد من الأحاديث، لم يتحدث عن منطقة في العالم العربي والإسلامي كما تحدث عن بلاد الشام، لماذا، لأنها كانت الأنموذج الاجتماعي الذي يصلح ليكون الحاضنة الحقيقية للدين الصحيح، بكل بساطة وليس مصادفة وليس لأنه كان لديه أصدقاء أو صحابة من الشام، السبب هو المجتمع، هذا هو الربط بين الموضوعين.
وأضاف الرئيس الأسد: الدين أنزل لإتمام مكارم الأخلاق، هو يتمم مكارم الأخلاق، بشكل طبيعي وفي أي مجتمع في العالم أياً كان هذا المجتمع، هناك أخلاق موجودة، ولكن هي بحاجة للدين ويأتي الدين لكي يرتقي بها ويوصلها إلى أفضل مستوى، ولكن ماذا لو لم تكن هناك أخلاق، ماذا يفعل الدين، سؤال منطقي، سأعطي أنموذجاً، «إخوان الشياطين» الذين يسمون أنفسهم «الإخوان المسلمين» أيضاً هم جزء من مجتمعات إسلامية يمارسون الشعائر نفسها تقريباً ولكن عندما أنزل عليهم الدين، لم ينزل عليهم طبعاً، لكن عندما وصلتهم الشريعة بفكرهم الشاذ والمشوه، ماذا فعلوا بها؟ سحبوا منها الأخلاق واستبدلوها بالنفاق، وأدخلوا عليها كل الموبقات، من غدر وقتل وإجرام وعمالة وخيانة وأصبحت هي جوهر الدين الإسلامي الذي يتحدثون به أو يمارسونه، ولكن يمارسون الشعائر نفسها، هذا يعني أن الدين ضروري لإتمام الأخلاق ولكن الأخلاق ضرورية في المجتمع لكي نحافظ على الدين، نحافظ عليه من الانحراف ونأخذ أقصى ما فيه من إيجابيات، فإذاً علينا أن نكرس الأخلاقيات في المجتمع بعمل اجتماعي مواز للعمل الديني نفسه.
وتابع الرئيس الأسد: الدين الصحيح بحاجة لمجتمع متوازن، نلتقي بالكثير من الناس ممن لديهم مفهوم خاطئ للدين، فهم يعتقدون بأن الدين أتى قسراً لكي يلغي كل حاجات الإنسان أو ليقف ضد حاجات الإنسان ورغباته، والحقيقة ليست كذلك، فالدين أتى متوافقاً بشكل كامل مع الرغبات والحاجات، لكنه أتى في الوقت نفسه لكي ينظمها، هذا التناقض الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص بداخلهم، يخلق عدم توازن، وعدم التوازن يؤدي في المحصلة ومع الوقت لنوع من الانحراف والتطرف.
العلم والدين
وقال الرئيس الأسد: بالمقابل ما أسميه انفصام الشخصية هو أن يعيش الإنسان في تناقض بين قناعتين، كالتناقض الذي كان يعيشه المجتمع البشري خلال العصور الوسطى في أوروبا، وهو التناقض بين العلم والدين، وحتى الآن يطرح هذا الموضوع، هل نخضع للعلم أم للدين، أيهما أقوى، بالطبع المجتمع الديني سيقول النص واضح أنه كلام اللـه عز وجل، حسناً، عندما خلق الكون، أنزل الكون ومعه القواعد العلمية التي تحكمه بالدرجة الأولى قواعد الفيزياء والكيمياء، من أنزل هذه القواعد، هل اخترعها نيوتن وأرخميدس واينشتاين؟ هي قواعد إلهية، أنزلها الله، وهو الذي أنزل القواعد الدينية، فلا يمكن لإله واحد أن يخلق تناقضاً بين القواعد التي أنزلها بنفسه، فالله لا يمكن أن ينسى أو يتناقض، هذا مستحيل.وأضاف الرئيس الأسد: فإذاً المشكلة موجودة فينا كبشر، عندما يكون هناك تناقض علينا أن نبحث في أنفسنا، أين أخطأنا في الاستنتاجات العلمية؟ أو أين أخطأنا في الاستنتاجات الفقهية؟ ولكن طرح أي تناقض بينهما هو بحد ذاته الخطأ، وليس الاستنتاج فهو موضوع آخر، ولكن نحن نتحدث عن إله واحد أنزل علينا القواعد، لا يجوز أن نسأل أيهما أصح، إله واحد وليس أكثر من إله، هذه واحدة من النقاط التي كانت دائماً تطرح بشكل دائم وتخلق من التناقض والانفصام، وهذا بحد ذاته يضعف قوة الإسلام الصحيح، ويفسح المجال أمام التطرف وللتغرب في الوقت نفسه.وتابع الرئيس الأسد: الدين بحاجة إلى عقل منفتح، لأن العقل المنغلق ضيق، واستيعابه محدود، أما الدين فهو واسع وعميق، فالعقل المنغلق يأخذ من الشريعة القشور، أما العقل المنفتح فيأخذ منها الجوهر واللب، العقل المنغلق يحول الدين إلى دين منعزل ودين ضيق الأفق، ودين متنافر مع الآخرين، وبالتالي يؤدي إلى تفتيت المجتمع، العقل المنفتح هو الذي يؤدي إلى أن يكون هذا الدين، دين التوحيد، كما هي الغاية منه، وديناً يجمع ليس أتباع الشريعة وإنما أتباع الشرائع الأخرى.
الدين والانتماءات الأخرى
وقال الرئيس الأسد: النقطة المهمة التي لا ينتبه لها الكثيرون هي العلاقة بين الدين والانتماءات الأخرى في المجتمع، أي إن الإنسان بالفطرة الإنسانية ينتمي لقريته ولمدينته ولعائلته ولطائفته ولوطنه، وينتمي لدينه، كل هذه الأشياء هي فطرة واحدة، لأن الدين لم يبدأ عند الإنسان مع نزول الأديان السماوية، قبل الأديان السماوية كان الإنسان يخترع آلهة ويعبدها، وهذا يعني أن التدين هو فطرة إنسانية خلقها اللـه مع الإنسان، والفطرة واحدة.
وقال الرئيس الأسد: عندما يكون هناك تشوه في جانب من هذه الفطرة سيكون هناك تشوه في كل عناصرها، بمعنى آخر، لا يمكن لإنسان أن يكون منتمياً بصفاء وصدق لدينه وهو لا ينتمي لعائلته بصدق، ولا ينتمي لمجتمعه بصدق، وهنا أضع مرة أخرى الإخوان المسلمين كنموذج للذين يتظاهرون بالانتماء للدين، وهم لا ينتمون للوطن، وهم من سوق فكرة «وطني أين أضع سجادتي»، وهذا الكلام مناقض للفطرة الإنسانية وغير صحيح، هذا كلام يراد به النفاق، مطلوب منك أن تكون مؤمناً أقصى درجات الإيمان وملتزماً أقصى درجات الالتزام في دينك، وهذا يتوازى مع الالتزامات الطبيعية والفطرية الأخرى، كالالتزام بالوطن، بمعنى آخر لا يمكن لإنسان يخون الوطن أن يكون مؤمناً حقيقياً وصادقاً، وهذا رأيناه في هذه الحرب من أشخاص كانوا يصنفون بأنهم علماء كبار، واكتشفنا بأنهم مجرد خونة صغار.وأضاف الرئيس الأسد: فإذاً الانتماءات واحدة، تكريس من يخون الدين يخون الوطن والعكس وما بينها من الانتماءات الأخرى، تكريس الدين يؤدي إلى تكريس الوطنية وتعزيز الوطنية يؤدي إلى تعزيز الانتماء الديني، لا يمكن للدين أن يكون مجرداً، هو ليس كالرياضيات المجردة، الرياضيات علم مجرد، ندخل، نقوم بحسابات وعندما ننتهي من الحسابات الرياضية نخرج إلى عالم منفصل كلياً عما كنا نتحدث به، أما الدين فعندما أنزل لم ينزل كعلم مجرد كالرياضيات، وإنما أنزل للإنسان، وبالتالي هو مرتبط بقضايا الإنسان، لذلك عندما نقول إن القرآن هو كتاب صغير بحجمه وبعدد كلماته ولكنه واسع جداً، فلأننا لو أخذنا أي قضية من القضايا وبحثنا عن حكم يمكن إسقاطه على هذه القضية سنراه موجوداً إما في القرآن أو الحديث، هذا الربط، أعداؤنا انتبهوا له وبدؤوا العمل على فك الدين، تريدون التدين، لا مانع لكيلا تقولوا إننا نحارب الإسلام ولا يمكن محاربة أي دين من الأديان ولكن ماذا نفعل؟ نضرب هذا الدين من الداخل من جوانب عدة، واحدة منها هي فصل الدين عن هذه القضايا، فقاموا بالتسعينيات مع ظهور الفضائيات بشكل أساسي بنشر نوعين من الأقنية، إحداهما تأخذنا باتجاه المنوعات والتغرب والابتعاد عن العادات والتقاليد والفن غير الملتزم، والثانية تأخذنا باتجاه التدين والتطرف أيضاً بشكل غير ملتزم، ما هي النتيجة التي أنتجت في ذلك الوقت، وبعدها طبعاً جاءت شبكة الانترنت وسارعت بهذا العمل، كانت لدينا نماذج، على سبيل المثال في الفن كان يقال هناك فنان كبير «أي فنان بارع في عمله الفني» ولكنه من الناحية الوطنية كان إنساناً صغيراً ومجهرياً وغير مرئي، يعني قيمته صفر يعني خائن، وكان هناك مثقف كبير بالمعنى التقني يؤلف كتباً وكتباً و.. إلخ ولكنه كان مستعداً لنقل البندقية ليس مرة بل عشرات المرات حسب الحالة، أي كان بمفاهيم ذلك الوقت مثقفاً كبيراً ولكنه كان إنساناً صغيراً ومجهرياً وخائناً.
علماء كبار خونة
وتابع الرئيس الأسد: الشيء نفسه، كان لدينا أئمة أو علماء يسمون علماء كباراً ولكنهم كانوا خونة لأوطانهم، عندما نجرد الدين عن القضايا يتحول إلى دين مجرد، والدين المجرد من السهل أن يكون ديناً لممارسة الشعائر، ولكن أذهب، أغش وأرتشي وأتهرب من الضريبة وأنمّ وأخدع الناس وبالنهاية أخون الوطن كل الوطن، وهذا الدين هو نفسه الذي يسهل أن يؤخذ يميناً ويساراً من قبل القوى المتطرفة، بدل أن يكون ملتزماً بالقضايا الكبرى، المسجد الأقصى، القدس، الجولان، قضايانا الكبيرة المرتبطة مباشرة بإيماننا وبتعاليم الدين، ستكون هناك قضية واحدة لهذا الدين هي قضية الطائفية وتسويق الطوائف والمعارك والحرب الطائفية، لذلك الفصل عن القضايا غير ممكن، كنا نعتقد بأن الدين بخير وهم كانوا يعملون بشكل هادئ وبشكل ذكي من دون أن نشعر من أجل ضربه من الداخل، الدين لا ينفصل عن الثقافة، عندما نتغرب عن الثقافة والأهم منها حامل الثقافة وهي اللغة سنكون أمام أجيال قريبة ترونها الآن غريبة عن دينها لا يمكن أن نفصلها عن الثقافة وعن اللغة، هذه القضايا صغيرة قد تبدو أو قد تبدو غير مرئية ولكنها جوهرية.
وقال الرئيس الأسد: آخر نقطة، كل ما قلته يبنى على شيء وحيد، على الوعي، لا يمكن للإنسان أن يكون واعياً في مجال وضعيف الوعي في مجال آخر إما أن يكون إنساناً واعياً أو غير واع، لماذا؟ لأن الوعي يرتبط بالمحاكمة والمحاكمة ترتبط بالحوار، لا يمكن أن نشكل وعياً من دون حوار وهذا واحد من أهداف أو من أدوات هذا المركز.
وأضاف الرئيس الأسد: الوعي هو الوحيد الذي يحمي أي مجتمع وأي فرد من الخطأ ومن الانحراف، هو الذي يقول لنا هذا الكلام متطرف وهذا الكلام معتدل، هذا الكلام منطقي وهذا غير منطقي، هذا واقعي وحقيقي وهذا غير واقعي ووهمي وكاذب، دون هذا الوعي لا نستطيع أن نحمي أنفسنا، كل ما تحدثت عنه ليس له قيمة دون تكريس الوعي.
تكريس الحوار
وتابع الرئيس الأسد: فإذاً يجب أن نكرس الحوار وأنا دائماً أركز في كل المجالات على كلمة الحوار، دين دون حوار هو دين شعائر فقط دون مضمون لذلك أقول إن الدين هو منظومة بشرية، منظومة إلهية من أجل البشرية، فهي منظومة إلهية مرتبطة بفلسفة الحياة مرتبطة بالنفس البشرية وبالنفس الإنسانية ومرتبطة بعقل الإنسان، بنفسيته بفكره بحاجاته برغباته بغرائزه، دون فهم هذه النفسية لا يمكن أن نفهم هذا الدين، دون فهم هذه النفسية وهذا الإنسان والتوسع بالعلوم الإنسانية لا يمكن أن نفهم مقاصد الدين، وعندما لا نفهم مقاصد الدين أيضاً نفرغه من المضمون، نمارس شعائر فقط، الإنسان الذي يمارس الدين دون أن يفهم الشعائر من الممكن مع الوقت وهذا احتمال كبير أن يتحول إلى إنسان ضار للمجتمع، أما الإنسان الذي يفهم المقاصد فهو حتماً إنسان مفيد لوطنه ولمجتمعه.
وتابع الرئيس الأسد: في المحصلة الدين هو ليس حالة منعزلة عن كل ما هو إنساني، الارتباط وثيق، إذا أردنا أن ننطلق اليوم بمرحلة جديدة مع هذا المركز لكي نغلق هذه الثغرات ونعالجها، الموجودة في الاتجاه الديني، فلا بد من معالجتها في الاتجاه الإنساني لأن هذه الثغرات هي التي دخل منها الأعداء وهذه الثغرات موجودة في عقولنا وهي الأدوات التي يستخدمها الأعداء، وهذا يعني أن هذه الأدوات هي نحن، قد تقولون في نهاية هذا الكلام نحن نعمل في الحقل الديني ما علاقتنا بالحقل الاجتماعي، أقول هذا الكلام صحيح وسؤال منطقي، ولكن كل واحد منا له موقعان، الموقع المهني والموقع الاجتماعي وكل عالم وكل واحد فينا يستطيع أن يؤثر في هذا المجتمع، هذا من جانب، من جانب آخر كلنا ننتمي إلى مؤسسة وهذه المؤسسة جزء من مؤسسات الدولة وعندما تكون هناك محاور متوازية مرتبطة ببعضها لا بد من أن نخلق إما برامج مشتركة تصل إلى الهدف نفسه أو عندما نرى تقصيراً من المؤسسات الأخرى، الذي يوصلنا إلى هذا الهدف المشترك هو أن نتحاور ونتحدث ونطلب منها أن تقوم بعملها في هذا المجال لكي نصل جميعاً إلى الهدف المنشود.وختم الرئيس الأسد بالقول: فإذاً، إذا كان الدين الصحيح الذي تعملون يومياً وفي كل ساعة من أجل الوصول إليه هو الجسر الذي نعبر عليه من أجل الوصول إلى الاعتدال فإن المجتمع السليم هو الجسر الذي نعبر عليه من أجل الوصول إلى التطبيق الصحيح للدين وحمايته من الانحراف، وفي النهاية هل أثق بأنكم ستنجحون في مهامكم عندما تبدؤون بها، لا، لأنكم بدأتم بها ونجحتم مسبقاً ولكن ما أثق به أنكم سوف تستمرون في عملكم وسوف تحققون النجاح لوطنكم وللمجتمع الإسلامي بشكل عام في سورية وخارجها، مرة أخرى أتمنى لكم كل التوفيق في مهامكم الجسام وأقول لكم كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله.
إضافة تعليق جديد