اللوبي الإسرائيلي في مواجهة إدارة أوباما
الجمل: بدأت منطقة شرق المتوسط وهي تشهد العديد من تطورات الوقائع والأحداث, وذلك بما أصبح يشير إلى احتمالات أن يؤدي تراكم الوقائع الجزئية إلى تشكيل وضع كلي جديد, فهل سوف يتزايد الطابع الانزلاقي لهذه الوقائع بما يمكن أن يصل إلى مرحلة التداعي والسقوط الحر, أم أن القابلية على الاحتواء سوف تتيح وتفسح المجال أمام جهود الدبلوماسية الوقائية؟
شرق المتوسط وتشابك مصادر الصراع:
تقول المعلومات والتقارير, بأن التصعيدات الجارية حاليا في منطقة شرق المتوسط, قد وجدت مفاعيلها في ثلاثة عوامل, وهي:
• تأثير عامل الردع الدبلوماسي السوري: وتمثل في طاقة القوة الرمزية التي انطلقت من دمشق, على خلفية اللقاء الثلاثي: الرئيس السوري بشار الأسد-الرئيس الإيراني أحمدي نجاد-الزعيم اللبناني حسن نصر الله.
• تأثير عامل صعود اليمين الإسرائيلي: وتمثل في طاقة الكراهية الرمزية التي انطلقت في سائر منطقة شرق المتوسط, بسبب تمادي تل أبيب في تنفيذ الجرائم, والاستيلاء على الحقوق, إضافة إلى التوسع في عمليات التهويد القسري لهوية الأرض الفلسطينية ومكوناتها العربية-الإسلامية.
• تأثير عامل صعود الوزن الإقليمي: وتتمثل في الوضع الإقليمي الشرق أوسطي الذي أصبح أكثر اختلافا لجهة الكم والنوع, بسبب الدور التركي والدور الإيراني اللذان أصبحا أكثر تأييدا للطرف العربي في معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي.
وإضافة لهذه التأثيرات, جاءت عوامل أخرى, لا تقل أهمية, ومن أبرزها:
• خلافات إسرائيل-الاتحاد الأوروبي, والتي ظهرت بوضوح على خلفية العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة, إضافة إلى الموقف من تقرير غولدستون.
• خلافات إسرائيل-أميركا, والتي وإن كانت بدأت كخلافات تحت السطح منذ مطلع العام الماضي, عندما رفضت إدارة أوباما الربط بين ملف عملية سلام الشرق الأوسط وملف البرنامج النووي الإيراني, فإنها شقت طريقها بوضوح أكبر من خلال خلافات واشنطن-تل أبيب حول ملف الاستيطان, وتحولت إلى أزمة دبلوماسية, وجدت شرارتها خلال الأداء السلوكي الإسرائيلي إزاء زيارة نائب الرئيس الأميركي السيناتور جو بايدن الأخيرة إلى إسرائيل.
برغم المؤشرات السالبة, فإن حكومة نتنياهو لم تسع لالتقاط الإشارات بالشكل الصحيح, وبدأت ردود أفعال إسرائيل, وهي أكثر تماديا في إنفاذ إرادة المشروع الإسرائيلي, ولم تكد تنتهي أزمة إهانة السفير التركي, حتى جاءت إهانة نائب الرئيس الأميركي, ولم تكد تمض واقعة قرار التوسع في بناء المستوطنات حتى جاءت بعدها مباشرة حادثة بناء معبد يهودي على بضعة أمتار من المسجد الأقصى, حمل اسم "كنيس الخراب" ليكون بذلك ثاني معبد يهودي رئيسي يتم تدشينه خلال أسبوع في منطقة الشرق الأوسط, بعد معبد الرابي موسى ابن ميمون الذي تم افتتاحه رسميا قي العاصمة المصرية القاهرة.
لم تعد عملية الاحتلال الإسرائيلي للأراض العربية, وعمليات العدوان الإسرائيلي ضد السكان العرب, هما وحدهما اللذان يشكلان مفاعيل الصراع, وذلك لأنه, وبقيام تل أبيب بتصعيد عمليات التهديد بما شمل المقدسات الإسلامية, فقد أصبح الصراع العربي-الإسرائيلي يمضي باتجاه خارطة جديدة, يتشابك ضمنها الصراع اليهودي-الإسلامي.
اللوبي الإسرائيلي: الدور الجديد وتغيير قواعد اللعبة؟
على خلفية التواترات الجارية حاليا في علاقات خط واشنطن-تل أبيب, وما ترتب عليها من خلافات داخل إسرائيل, بين يمين ديني يقف إلى جانب الحكومة الإسرائيلية, ومعارضة أصبحت أكثر انتقادا لموقف الحكومة الإسرائيلية, فقد انتقلت عدوى الانقسام الإسرائيلي إلى العاصمة الأميركية واشنطن, حيث برزت إدارة أميركية أكثر انتقادا لإسرائيل, ولوبي إسرائيلي أكثر انتقادا للإدارة الأميركية, وفي هذا الخصوص, نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية ردود أفعال أبرز رموز اللوبي الإسرائيلي, إزاء التوترات الجارية على خط دبلوماسية واشنطن-تل أبيب, وفي هذا الخصوص نشير إلى مواقف هذه الرموز على النحو الآتي:
• إيليوت أبراهام: تولى منصب مسئول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال إدارة بوش الجمهورية السابقة, وأكد على أن السبب الرئيسي لتوتر العلاقات الأميركية-الإسرائيلية, هو سوء تعامل إدارة أوباما مع العلاقات الأميركية-الإسرائيلية, إضافة إلى تجاهل إدارة أوباما لحقيقة أن إسرائيل وأميركا يواجهان العدو الواحد المتمثل في الإرهاب, وأضاف إيليوت أبراهام, بأن سوء تعامل إدارة أوباما أدى إلى بروز مشكلتين, الأولى هي الموقف الأميركي الخاطئ إزاء ملف برنامج إيران النووي (أي سياسة أميركا الحالية تجاه إيران) والثانية هي الموقف الأميركي الخاطئ إزاء ملف المستوطنات الإسرائيلية (أي سياسة عملية سلام الشرق الأوسط).
• ديفيد ماكوفيسكي: يتولى منصب مدير برنامج سلام الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, إضافة إلى أنه يمثل خبير اللوبي الإسرائيلي الأول في شئون الصراع العربي-الإسرائيلي, وسعى إلى اتهام الإدارة الأميركية بأنها سعت عن قصد إلى إشعال الخلافات وافتعال الأزمة مع إسرائيل, وسعى لتبرير رأيه قائلا, بأن وزيرا إسرائيليا ارتكب خطأ لجهة القيام بإعلان توسيع الاستيطان, وبأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, قد قام شخصيا بالاعتذار للسيناتور بايدن نائب الرئيس الأميركي, ولما كان السيناتور بايدن قد قبل الاعتذار بدليل أنه استمر في إكمال جدول أعمال زيارته لإسرائيل, فلماذا سعى بايدن والوزيرة هيلاري كلينتون وغيرهم لجهة توجيه الاتهامات والإدانات لإسرائيل بأنها أهانت نائب الرئيس الأميركي, وسعت الإدارة الأميركية إلى مطالبة إسرائيل بتنفيذ أربعة نقاط, تؤدي كل واحدة منها إلى الإضرار بموقف إسرائيل في المنطقة.
• دانييلا بليتكا: تتولى منصب نائب رئيس دراسات سياسة الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد المسعى الأميركي التابع للوبي الإسرائيلي, وأكدت بأن أزمة علاقات خط واشنطن تل أبيب الحالية, هي أزمة تعود جذورها إلى الهوة والفجوة التي برزت بين توجهات تل أبيب الليكودية (أي إسرائيل في مرحلة ما بعد الصهيونية) وتوجهات أميركا القرن الحادي والعشرين (أي أميركا ما بعد الحرب الباردة) وأضافت قائلة, بان الخلافات الحالية لا يمكن عزوها فقط إلى تباين موقف حكومة نتنياهو مع موقف إدارة أوباما, وذلك لأن كل الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض الأميركي بعد انتهاء الحرب الباردة, كانت لها خلافاتها مع إسرائيل, فإدارة كلينتون الأولى والثانية دخلت خلافات مع إسرائيل, وأيضا إدارة بوش الابن الأولى والثانية دخلت في خلافات مع إسرائيل, ولكن ما هو واضح هذه المرة, يتمثل في أن واشنطن قد سعت إلى فرض الضغوط أكثر من اللازم على تل أبيب, وبالمقابل فقد كان التصرف الإسرائيلي هو الرد الذي يجب على الجميع في أميركا أن يتوقعونه.
هذا, وبالإضافة لمواقف الثلاثي: إيليوت أبراهام-ديفيد ماكوفيسكي-دانييلا بليتكيا, فهناك سيل من التحليلات والمقالات التي نشرتها مراكز الدراسات الأميركية التابعة لجماعات اللوبي الإسرائيلي, وما كان لافتا لهذه التحليلات والمقالات يتمثل هذه المرة في اجتماعها على الموقف المشترك القائل بأن إدارة أوباما هي الخاطئ المسئول عن تدهور العلاقات الأميركية-الإسرائيلية, إضافة إلى مطالبة إدارة أوباما بتقديم التنازلات واعتماد المواقف التي تدعم الموقف الإسرائيلي في ملف البرنامج النووي الإيراني, وملف عملية سلام الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط والتعقيدات القائمة؟
بدأت تظهر المزيد من المعالم والمؤشرات الدالة إلى احتمالات تبلور المواقف الآتية:
• المسرح الميداني: تشير المعطيات إلى احتمالات أن تتطور الاحتجاجات الفلسطينية الجارية الآن, إلى إمكانية اشتعال ما يمكن أن نطلق عليه هذه المرة "الانتفاضة الثالثة" وبكلمات أخرى, إذا كانت حركة حماس قادرة على تحريك الانتفاضة في قطاع غزة, فإن هذه الحركة, وكما تقول المعلومات والتسريبات, تملك حاليا المزيد من "الخلايا النائمة" في الضفة الغربية, وتستطيع بكل سهولة تحريك مفاعيل الانتفاضة في الضفة الغربية, وإن تحقق ذلك, فإن حركة فتح سوف لن يكون أمامها سوى خيار الوقوف إلى جانب الانتفاضة, طالما أن خيار السعي لإخماد الانتفاضة سوف يترتب عليه حدوث مواجهة بين حركة فتح (السلطة الفلسطينية) والقاعدة الجماهيرية السكانية في الضفة الغربية وهي مواجهة سوف لن تؤدي إلا إلى انهيار السلطة وخروج فتح من الضفة الغربية, تماما كما تم إخراجها من قطاع غزة, وبكلمات أخرى, فإن خروج حركة فتح هذه المرة سوف يكون على يد الفلسطينيين وليس على يد الإسرائيليين.
• المسرح الدبلوماسي: الأكثر احتمالا هو حدوث تهدئة في توتر علاقات خط واشنطن-تل أبيب ومع ملاحظة أن هذه التهدئة سوف تحدث بعد الثمن الباهظ الذي لن تستطيع حكومة نتنياهو تفادي تقديمه لواشنطن, والذي سوف يكون حده الأدنى متمثلا في استجابة تل أبيب لمطالب واشنطن الأربعة الأخيرة, ولكن, وحتى إن قدمت إسرائيل الثمن وحدثت التهدئة, فإن معطيات خبرة الخلاف الأميركي-الإسرائيلي الحالي, سوف تلقي بتداعياتها السالبة على مستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
تقول المعلومات الاستخبارية الأخيرة, بأن واشنطن سوف تسعى باتجاه المزيد من توتير العلاقات مع تل أبيب خلال الفترة المقبلة, وذلك لأن هدف واشنطن الحقيقي ليس هو "الهدف المعلن" القائل بان الضغط الحالي على إسرائيل هو لمجرد تقديم التنازلات لجهة دعم جهود عملية سلام الشرق الأوسط, وإنما لان هدف واشنطن الحقيقي و"غير المعلن" هو إلزام إسرائيل بالاحترام الكامل لتوجهات واشنطن إزاء أزمة الملف النووي الإيراني, وتأسيسا على ذلك, فإن أزمة خلافات خط واشنطن-تل أبيب الحالية سوف تهدأ إلا إذا أوقفت تل أبيب ضغوطها المتزايدة لجهة دفع واشنطن باتجاه تصعيد استهدافاتها ضد إيران!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد