المسرح البريطاني والحرب في العراق

17-07-2007

المسرح البريطاني والحرب في العراق

تعرضت اوبرا «قسمت» المستوحاة من حكايات «الف ليلة وليلة» أو «الليالي العربية» الى انتقاد في الصحافة البريطانية اخيراً. اذ يردد احد ابطالها عبارة «كيف يمكن لأي شخص الا يكون سعيداً في بغداد.. وطن البهجة؟» فالمسرحية «قسمت» التي قدمت عام 1953 في نيويورك ولندن واستلهمتها هوليوود كفيلم يعاد تقديمها الآن من جانب الاوبرا الانكليزية الوطنية في التوقيت الخاطئ، حيث الجنود البريطانيون يسقطون هناك بأعداد تتزايد وحيث مدينة بغداد تحديداً تتداعى. والحرب على العراق شبح يخيم على المشهد الثقافي في بريطانيا لكن ثقل الشبح يجثم بوضوح على العروض المسرحية التي قدمت منذ اربع سنوات وحتى الآن. مسرحيات مثل «بغداد تحترق»، «الفلوجة»، «اشياء تحدث»، ومسرحية «ما سمعته عن العراق». العروض السابقة مأخوذة من مدونات انترنت او مقالات صحافية، او تجميع لشهادات بما يشبه الدراما الوثائقية في المسرح كما هي الحال مع «اشياء تحدث» للمسرحي البريطاني الشهير ديفيد هير. اما العرض الاخير الذي شهدته لندن هذا الصيف فهو مسرحية «عرس بغدادي» للكاتب العراقي الشاب حسن عبدالرزاق في اول عمل له. المسرحية تبناها مسرح «سوهو ثياتر» والمخرجة ليزا غولدمان، لتكون العرض الأول الذي يكتب مباشرة من جانب كاتب من اصول عراقية يعيش في لندن ويعبر عن مواقف جيله ازاء تلك الحرب.

قبل ان يبدأ عرض «عرس بغدادي» واثناء اخذ المدعوين لاماكنهم في المسرح، تتسلل نفحة من العراق عبر صوت المطرب العراقي الهام المدفعي الذي سيظل خلفية لعدد من المشاهد طوال العرض بما فيها اغنية عن بغداد. انها الاغاني التي ربما ما عادت تسمع في انحاء ذلك البلد بعد ان حلت محلها اشرطة الاحزاب والجماعات الاصولية، صوتاً وصورة. انه البلد الذي اراده سليم - بطل العرض - محرراً من الطاغية ليعود ويعيش فيه حراً هو الطبيب ابن العائلة الثرية والغربي الثقافة والكاتب الروائي الجريء ايضاً. وعلى النقيض من صديقه مروان الطبيب الذي درس في لندن وكان ضد الحرب، يعبر سليم عن فرحه بسقوط الطاغية فيعود الى بغداد ليقيم حفلة زواجه في منتجع الحبانية، الا ان الفرحة لا تكتمل بسبب استهداف التجمع من غارة اميركية تقتل فيها العروس ثم يقع سليم رهينة في ايدي جماعة متطرفة اراد بعض افرادها ان يقتلوه او يبتزوا به أهله مالياً. وعندما يهربون يقع في ايدي القوات الاميركية لتستجوبه بقسوة وتعذبه بحجة حجبه معلومات حول الجماعة التي كان تحت حمايتها. وبعد التأكد من انه لا علاقة له بأي جهة، يطلق سراحه محطماً متعباً ليدخل الى المستشفى حيث يلتقي بحبيبته لمى الطبيبة العراقية ابنة العائلة البورجوازية ذات القيم الغربية التي درست في لندن ايضاً وتضطر الان الى ارتداء الحجاب لتخدم العراقيين في المستشفيات.

«عرس بغدادي» عنوان يتكرر في شكل مستمر في الاعلام والاخبار في اشارة الى تفجير او قصف او انفجار وقع اثناء حفلة زواج، لذا فإن استغلاله كعنوان يأتي ضمن هذا السياق المألوف لدى المتفرج. تقدم المسرحية من خلال راوٍ هو مروان الذي يستعيد الاحداث بأسلوب التداعي، وهو الامر الذي عرفت المخرجة ليزا غولدمان كيف تستغله مشهدياً من خلال الاضاءة بالتركيز على جزء من الخشبة دون غيرها احياناً وبسرعة تغيير الديكور البسيط في الاساس. تغطي الاحداث مراحل زمنية تقع في لندن وبغداد بين الاعوام 1998 و 2005. انه عرض عن موقف الانتلجنسيا العراقية من صحافيين وكتاب ومهنيين في المنفى وفي الوطن مما يحدث في عراق ما بعد الحرب، وايضاً عرض يحاول ان يكون متوازناً بين جميع الاطراف، فيترك للجماعة التي خطفت سالم مثلاً حق تقديم وجهة نظرها من خلال ابراهيم الذي عانى عائلياً خلال الحصار على العراق وكان بين الخسائر فقدانه ابنته الصغيرة فتحول الى الدين كملجأ من كل الاحباطات والضغوط التي عاناها مع شعبه، لكن بين جماعته ايضاً القتلة الذين يمارسون المقاومة كارتزاق.

لولا قراءة اسماء الممثلين المرفقة مع كتيب المسرحية لتوقع المتفرج ان غالبية الممثلين من العرب، لكنهم من جنسيات مختلفة عدا اللبنانية سيرين سابا في دور الطبيبة لمى. وعلى رغم ذلك نجح ابطال المسرحية في ادائهم الذي استوعبوا معه سيكولوجية الشخصيات ومن خلال عبارات ومفردات باللهجة العراقية ينطقون بها من وقت لآخر فيقوى الايهام بأنهم من المنطقة. ساعدهم على ذلك الحوار الذكي وخفة الظل والحس الكوميدي الذي لم يحول الموضوع الى مأساة، على رغم قتامته. ونخص بالذكر الممثل سيلاس كارسون الذي ادى دور ابراهيم المسؤول في جماعة مقاتلين تخطف الرهائن.

جاء توقيت المسرحية متزامناً مع حدث أمني شهدته بريطانيا وهو العمليات الارهابية التي وجهت التهمة فيها الى مجموعة من الاطباء العرب والمسلمين، وكان بين هؤلاء طبيب عراقي غاضب من تداعيات الحرب على العراق، وصدف انه اصولي التفكير، بينما بطل مسرحيتنا ليبرالي ساند الحرب وكان ضحية لها ايضاً. فهل يكون الحدث لمصلحة العرض أم ان المسرحية تلقي ضوءاً على افراد تلك القضية من الاطباء؟ على أي حال يظهر مع المسرحية اسم جديد على الساحة المسرحية في بريطانيا وهو مؤلفها حسن عبدالرزاق الشاب حامل الدكتوراه في البيولوجيا والذي يعمل باحثاً في مستشفى امبريال كوليج. ولد حسن في العراق وعاش بين الجزائر ومصر ولندن. ولعله يثبت نفسه ككاتب بريطاني من اصول عربية يعرف كيف يخاطب الجمهور الغربي ويقدم وجهة نظر المهاجرين العرب، خصوصاً الاجيال الشابة، وبعض الفضل في ذلك لمسرح سوهو ثياتر المعني باكتشاف التيارات والمواهب الجديدة في المسرح البريطاني، وجذب شرائح جديدة من الجمهور الى خشبته.

غالية قباني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...